القاهرة 11 فبراير 2025 الساعة 10:14 ص

بقلم: أمل زيادة
سكان كوكبنا الأعزاء افتقدتكم كثيرًا، افتقدت مشاركتكم لكل ما في حياتنا من قلق وحب وسعادة ونجاح وتغلب على الصعاب.
وددت كثيرًا أن تكون العودة لكتابة مقالات كوكب تاني في ظروف أفضل وأن أحمل معي بعض الأخبار المبهجة، لكن للحياة قرارات أخرى، يبدو أنه كتب علينا عدم الراحة، لم تعد حياتنا أكثر استقرارا وهدوءا وسلاما.. العالم على صفيح ساخن وحالة من الترقب والخوف من المجهول.. من الغد!
يبدو أن هناك من ينزعج من رؤية مصرنا آمنة وهادئة، هناك مطامع تحيط بنا من كل جانب وتهدد أمننا بشكل مباشر، لم تعد مجرد مخططات خفية، أو مؤامرات تحاك في الظلام، بل أصبحت مطامع يلوح بها كل كاره لنا ولمصرنا الغالية الأبية.
كلنا أمل أن يحفظ بلادنا وأن يقيها شر الأعداء والفتن، أتمنى أن تستقر الأمور وأن يتوحد الصف والكلمة، لأننا بحاجة لذلك في هذه التوقيتات الحرجة من عمر الوطن.
بعيدا عن شبح الحرب والأوضاع السياسية غير المطمئنة، ودعنا منذ أيام قليلة، أجمل حدث ثقافي يمر بحياتنا، كرنفال ثقافي نترقبه كل عام بمزيد من اللهفة والاهتمام.
سكان كوكبنا الأعزاء توجهت لزيارة معرض الكتاب في دورته ال56 لم تكن دورة عادية، وفقت الدولة في اختيار موعد افتتاحه الذي جاء مبكرا ربما يومين أو ثلاثة أيام عن موعده المعتاد.
مما شجع الجميع على زيارته خاصة وأنه تزامن مع بدء الإجازات وانتهاء موسم الامتحانات المشحون.
شهد المعرض هذا العام إقبالا غير مسبوق، مما جعله أكثر الدورات نجاحًا على مر العصور، ربما لتأقلم الجمهور مع المكان الجديد وربما لتسخير الدولة لكافة وسائل الانتقال المختلفة التي سهلت على رواده من شتى بقاع مصر الوصول إليه دون مشقة.
بصفة خاصة راق لي هذا العام ليس لأن صديقة الممر زارته للمرة الأولى فقط، مما أسعدني بشكل خاص، ولكن ربما لأني آثرت البقاء في الخارج بعيدا عن الزحام، والجلوس في شمس الشتاء الدافئة والاستمتاع بالأغاني والفقرات الفنية المختلفة التي تغني وتقدم على المسارح التي تحيط بالقاعات من الخارج.
الأجمل من كل ذلك هو الاستمتاع بمشاهدة رواد المعرض، من شتى الفئات العمرية، اللافت للنظر أنه لم يكن بيدهم حقائب ضخمة كالسابق ربما لارتفاع الأسعار بشكل مبالغ فيه!
لكن هذا لم يقف عائقًا أمام استمتاعهم بالجولة، تحضروا جيدا للجولة حيث أتوا ومعهم طعامهم والمشروبات المختلفة، افترشوا الطرقات وجلس كبار السن يراقبون كل شيء باستمتاع تام.
حقا مصر الدولة الوحيدة التي قد يجد فيها كل فئات المجتمع سعادتهم بأبسط الأشياء فقط إن أرادوا.
رأيت شابا يصطحب والدته المسنة، التي تجلس على كرسي متحرك حاملاً حذاءها بيده، وهو يدفع كرسيها أمامه دون تأفف أو انزعاج، لفت نظري كون أمه عجوز طاعنة في السن، تحاول التغلب على ضوء النهار الذي أثّر على قدرتها على الرؤية.
راقني حذاءها المزين بوردة حمراء لا أدري أهي مطبوعة أم ملصقة، يشبه لحد كبير أحذية راقصات البالية.
حذاؤها مميز وغير معتاد مما ينبئ بكونها ربما كانت إحدى سيدات المجتمع الراقي وربما إحدى نجمات الوسط الثقافي من يدري؟!
لفت نظري أيضًا، قيام أب برفقة زوجته بالتسابق مع أطفالهم والركض من بداية الطريق لآخر سور الحديقة ببهجة كبيرة.
تابعت السباق وشجعت زوجته التي تمكنت من الفوز في الجولة الأولى بعد أن اكتسح زوجها الجولات السابقة سببا سعادة كبيرة انتشر عبيرها في الأجواء، أجبر الجميع على متابعة السباق والتشجيع بحماس.
شعرت للحظة أن الزمن قد توقف وأننا عدنا لأيامنا الجميلة حيث لا تكنولوجيا، حيث لا شيء يشتت شملنا.
استرعى انتباهي أيضًا، أنه ربما أكثر من حرص على اصطحاب أبنائه في جولة للمعرض كان الآباء.
فهذا يصطحب بناته الشابات اللاتي توقفن ليلتقط لهن صورة، قبل أن يواصلوا سيرهم بسعادة والابتسامة تعلو الوجوه.
أكثر شيء مبهج كان رؤية هذا الأب الحديث العهد بالأبوة، يسبق طفله الذي لم يتعدّ الست سنوات وهو يلتقط له الصور على غفلة، حين انتبه الطفل أن والده يلتقط له الصور، أخذ الطفل يخفي وجهه بكفيه وهو يبتعد ويركض هنا وهناك في خط سير متعرج، مفسدا خطط أبيه التصويرية.
راق لي تباهيه وحرصه على أن يذهب للمعرض بكامل أناقته وكأنه يتزين للعيد، يحمل على كتفيه حقيبة مدرسية صغيرة ربما بها طعامه وزجاجة مياه بجوار قصص للأطفال أو ألعاب من يدري!!
يرتدي حذاء جديدا وجاكت جلد وبنطلون جينز ويضع على رأسه نظارة للشمس.
عندما اقترب مني أخبرته أن نظارته جميلة، وأن له ذوقا رفيعا، يبدو أن ملاحظتي ذكرته بوجود النظارة، قام بوضعها على عينيه بابتسامة كشفت عن أسنانه اللبنية المتناهية في الصغر.
أعتقد أن ابتسامة مثل تلك كافية لمحو أي هموم أوقلق من الغد.
كم من طفل مثله له ذات الابتسامة التي تضيء أيامنا.
بسبب هؤلاء قد تكون مصر الدولة الوحيدة، المميزة بدفء الأسرة والطابع الحميمي الخاص، يتمتع أهلها بقناعة وإرادة وإصرار وحب وتضحية نادرة الوجود.
ختامًا لم تعد زيارة معرض الكتاب زيارة لشراء الكتب فقط، بل أصبحت نزهة عائلية يتم الإعداد الجيد لها، تتجمع فيه الأسرة لممارسة أنشطة ظننا لوهلة أنها اختفت من حياتنا، ما أجمل أن نبني ذكريات مع من نحب في ظل الطبيعة والثقافة والفن.
سكان كوكبنا الأعزاء كل معرض كتاب وأنتم بخير وسعادة وحب للورق والكتب..
كونوا على الموعد لأن لدي الكثير لنتحدث عنه.
|