القاهرة 09 فبراير 2025 الساعة 11:30 ص

أجرت الحوار: نهاد إسماعيل المدني
* أحمد سعيد عبد المنعم: كل امرأة تعمل في مصر مدينة بشكل أو بآخر لدرية شفيق.
الكتاب من أهم وسائل المعرفة بكل العصور، وركيزة حضاريَّة مهمة تسهم في بلورة شخصيّة الفرد وهويته التي تحمل أجمل سماته، وقراءته لشتى أنواع المعارف تشكل حالة إبداعية مستمرة، ونحن اليوم نحتفي بفوز منشورات "دار الربيع" بأفضل دار نشر بمعرض الكتاب في دورته 56، وهي دار نشر عربية مصرية أسسها المحرر الأدبي أحمد سعيد عبد المنعم بنهاية عام 2011.
قدمت الدار أعمالا غير تقليدية ومتمردة ومناصرة للحريات والقضايا التنويرية، وواجهت بشدة الرجعية وتكميم الأفواه، وأصدرت عددًا من الكتب الإبداعية والفكرية لشباب جدد قدَّمتهم للساحة الثقافية، ومؤلفين معروفين، يجمعهم الحماس والتمرُّد، فحققوا اختلافا فكريا وطفرة إبداعية ومعلوماتية عن أغلب جيلهم..
في البداية توجهنا إلي المحرر الأدبي أحمد سعيد عبد المنعم وكان لنا معه هذا الحوار..
* حدثني عن الجائزة؟ وما هي السياسة التحريرية للدار التي جعلتها تحصل على جائزة أفضل ناشر؟
بدايةً أنا سعيد جدا بنيل هذه الجائزة، فهي شهادة لدار النشر بأنها أفضل دار نشر من المتقدمين، وجميع دور النشر تسعي للحصول على هذه الجائزه لأنها تعد شهادة واعتماد من الدولة المصرية ممثلة في وزارة الثقافة والهيئة المصرية العامة للكتاب، واتحاد الناشرين المصريين، وهو أكبر اتحاد مهني في المنطقه العربية، بالأفضلية واستحسان ما قدمته الدار من كتب.
ونحن من جهتنا في منشورات الربيع أعددنا لنيل هذه الجائزة وسعينا لها منذ سنوات عديدة، وقدمنا كتب متنوعة ومختلفة الفكر علي مدار أعوام بمصر والوطن العربي حتى وصلنا إلى هذا التقدير والتكربم.
* هل كنت تتوقع حصول الدار على الجائزة؟
بالنسبه لتوقعاتنا للجائزة فكان يصعب توقعها لأنها تتم من خلال عدد كبير من المحكمين من الأكاديميين والأدباء والصحفيين والمشتغلين بمجال صناعة النشر، كما يتم التحكيم من خلالهم بشكل سري جدا ونزيه للغاية، ولنا مزيد الشرف أن كل هؤلاء اجتمعوا على اختيار واحد ونفوز بجائزة أفضل دار نشر بعام 2025.
* هل كان لديك خطة ممنهجة تتبعها لنيل تلك الجائزة؟ منذ أول يوم لإنشاء الدار منذ 14 عاما ونحن نعمل لكي نصل إلى هذه المكانة، فكل كتاب نقدمه نحرص أن يكون خطوة في الوصول لأهدافنا، ليذكر بعد سنوات عدة أن هناك دار نشر محترمة تسمى دار منشورات الربيع تحترم القارئ، وتحترم الكاتب، وتحترم ما تقدمه من اختيارات في الكتب.
* ما فلسفتك في الرجوع إلى كتابات فترة التنوير مثل كتب طه حسين ودرية شفيق وغيرهما؟
إنه مشروع من ضمن المشاريع التي تطلقها دار منشورات الربيع ويحمل اسم كتابات عصر النهضة، أعدنا فيه نشر أهم الكتابات التي صدرت بالمكتبة العربية خلال 150 عاما من تاريخ النشر العربي، اخترنا فيه الكتب المؤسسة لصناعة حالة حضارية مثل كتابات طه حسين، والإمام محمد عبده، وجمال الدين الأفغاني، وأحمد لطفي السيد، ودرية شفيق، وعباس محمود العقاد، فكل هؤلاء باختلاف توجهاتهم الفكرية والأدبية اجتمعوا على شيء واحد وهو صناعة نهضة فكرية مصرية حقيقية مماثلة لعصر النهضة الأوروبي، ونحن نقوم بإعادة هذا المشروع التنويري القوي الذي مر عليه مئة عام، ونقدم للجيل الجديد في مراحله العمرية المختلفة من سن 15 إلى 25 عام هذه الكتب التي أسست الجيل الذهبي من المفكرين والأكاديمين والأدباء، ربما ينجح المسعى هذه المرة نظرا لأن الجيل الجديد يملك وسائل اطلاع أكبر وسهولة أكثر في التواصل، والتطور التكنولوجي الذي أحدث تقاربا في المسافات حول العالم.
ونحن نسعى ونجتهد لنوفر لهذا الجيل هذا الجمع من الإصدارات ليعلموا من هو أحمد لطفي السيد أبو الليبرالية المصرية وأبو القومية المصرية، ومن هي درية شفيق أول امرأة تقاوم وتناضل لأجل حقوق المرأة في المجتمع وهي التي حصلت على الدكتوراة من جامعة السوربون مثل طه حسين وعادت إلى مصر لترفض الجامعة المصرية تعينها لأنها امرأة، واليوم كل امرأة تعمل في مصر مدينة بشكل أو بآخر لدرية شفيق بظهورها وإبراز دورها في العمل العام، فدرية شفيق أسست أول حزب سياسي نسوي فكانت الأجرأ، لأننا اليوم لا نمتلك حزبا نسائيًا، وأنشأت أيضا مجلة نسوية من حوالي 100عام، وكانت تقدم من خلالها الفكر والفلسفة والقصة والشعر والموضة والأزياء وكل هذا في إطار تثقيف المرأة المصرية، فكانت تجتهد وتعمل لأجل المرأة المصرية ونصرتها فقط، ومن مآثرها أنها قامت باقتحام البرلمان المصري ب1500 امرأة لتجبرهم على السماح للمرأة المصرية بالتصويت في الانتخابات، كل هذا التاريخ والمواقف تستحق أن نعيدها اليوم للنور من خلال الكتب.
وعلى الجانب الآخر نعيد إصدار كتب طه حسين الموجودة وندقق على النسخ الأولى التي صدرت للمرة الأولى قبل أن يحدث بها تحريف، فدور النشر للأسف كانت تحرف وتحرر وتضيف وتحذفوا وتعدل، واكتشفنا هذا ووجدناه بنسخ من الكتب، وكنا مستائين للغاية أثناء التدقيق، وعملنا على ذلك المشروع، فبدأنا نراجع ونحقق النسخ ونطابق على النسخ الأولى التي صدرت للمرة الأولى بشكلها الطبيعي الذي أراده الكاتب آنذاك، ونجحنا في ذلك.
* هل الشباب والأجيال الجديدة تقبل على هذه النوعية من الكتب في ظل اختلاف الأجيال والميول؟
طبعا، وبشكل لافت، فالكتب الأكثر مبيعاً بجناح منشورات الربيع هي كتب درية شفيق التي رحلت منذ سنوات عديدة، والكثير من كتبها لم تنشر لأنها وضعت تحت الإقامة الجبرية لمدة 18 عاما، ومنع ذكر اسمها في الجرائد والمجلات والكتب إلى أن انتحرت في عام 1975، وآخر مرة صدر لها كتاب بالعربية في عام 1954، فكانت تنشر كتبها بالفرنسية خارج مصر، كما قامت أيضا بترجمة القرآن الكريم للإنجليزية والفرنسية، وكتبت الكثير من الكتب والدواوين بفرنسا، وعلى الجانب الآخر كان يمنع حتى ذكر اسمها بأي جريدة مصرية ويتم التعتيم على أخبارها في بلدها، رغم أن اسمها كان يذكر في الصحف العالمية، وينوه عن صدور كل كتاب جديد لها في الخارج، أما اليوم فيتم تكريمها وأصبح لها الكثير من القراء الجدد من الشباب الذين يقومون بعمل "ريفيوهات" لأعمالها، وهذا دليل على نجاح المشروع وأن القارئ الجديد من جيل الشباب الصغير مهتم بمعرفة رموز بلده.
وخلال أشهر إن شاء الله ستترجم باقي كتب درية شفيق التي تم نشرتها بالغة الفرنسية بالتعاون مع بناتها، اللاتي كن حريصات للغاية على زيارة جناح منشورات الربيع ليشاهدن أعمال والدتهن للمرة الأولى على أرفف العرض منذ عام 1954، والقراء تتداول الكتب وتشتريها.
ويوجد أيضا كتب أخرى مهمة من إصدارات الدار مثل التجريدة للدكتور أحمد إبراهيم الشريف وهو رئيس قسم الثقافة باليوم السابع، وحصل على جائزة ساويرس مؤخرا، وأيضا نشرنا للروائي مصطفى منير وعنده رواية مشهورة جداً اسمها "تلاوات المحكي في المحروسة"، ونشرنا أيضا رواية "سلالات منقرضة" و"المخبأ السري" لملاك رزق الحاصل علي جائزة غسان كنفاني، كما نشرنا عدة كتب في الأدب العربي والأدب الإيراني لأهم كتاب إيران المعاصرين والقدامى، والأدب الأفريقي، ودراسات فكرية للدكتورة هويدا صالح منها "الإبداع الصناعي"و"موت الفلسفة"، وأيضا أصدرنا من كتابات الراحل الدكتور صلاح فضل "تأثير الثقافة الإسلامية"، و"شغف الرواية"، و"مناهج النقد"، وكل هؤلاء اجتمعوا تحت راية منشورات الربيع، فهي تمثل نافذة للجيل الجديد، وتقدم لهم أفضل ما أبدعه الجيل القديم.
* هل نجحت دار الربيع في وسط هذا الزخم في تصحيح بعض المعلومات المغلوطة الخاصة بالتاريخ؟
بالطبع، ونلمس هذا في مشروع كتابات عصر النهضة، فعند التدقيق على النسخ نقوم بالإصلاح والتصحيح، ومثال على هذا كتاب "الاسلام بين العلم والمدنية" للإمام محمد عبده الذي صدر في 1902 في مجلة المنار للشيخ محمد رشيد رضا، ثم صدر في 1903 في كتاب عن محمد رشيد رضا، ثم تغيرت النسخة نهائيا وحذف منها 99% وتبدلت بمقالات أخرى ليتغير الكتاب بالكامل ويصبح الكتاب محرّفا وموجودا بجميع دور النشر، ولكن اختفى الأصل منذ عام 23، فتوصلنا للنسخة الأصلية وطبعناها طبعة مطابقة لنسخة المنار النادرة، وكتبنا بظهر الغلاف ما تم حدوثه من تحريف، وكيف حصلنا على النسخة الأصلية، وأصبح لدينا رسالة أخرى غير إعادة وصياغة الكتب القديمة وهي تقديم نسخ من المستحيل العثور عليها.
وأيضا لدينا اكتشاف آخر مع كتب طه حسين المحرفة، فقد وجدنا فيها فقرات محذوفة، وجمل وعبارات غيرت بالكامل، فمثلا كتاب "الفتنة الكبرى" فهو مكون من جزأين "عثمان" ثم "علي وبنوه"، وكل دور النشر حذفت الصفحة التي تخص خيانة فريق "علي" له، فقمنا نحن بإعادة الأصل، و"في الشعر الجاهلي" الجميع ينشر نسخة 1927 المعدلة، ونحن نعمل من خلال نسخة 1926 دون تعديل، ويوجد تحريفات كثيرة على نفس الشاكلة، فنحن نعود للنسخ الأصلية وننشرها كما كتبها المؤلف، ونمحي عنها ما حدث من تحريف خلال المئة سنة الأخيرة.
* بعد الفوز بالجائزة كيف ستدير خطط التطوير القادمة لتظل محافظا على ما وصلت إليه الدار من نجاحات؟
من قبل الجائزة ونحن نجهز خطة تطوير، ولكن الجائزة شجعتنا أكثر، فنحن الآن بصدد تشكيل كيان مؤسسي إداري لدار منشورات الربيع، بحيث تنتقل من إطار التجربة الشابة التي تحمل فكرا جديدت ومختلفًا.
إلى دار نشر راسخة وصامدة ومؤسسية، لها استراتيجيتها وفلسفتها وكيانها الإداري الكبير، لكي تستمر لسنوات وسنوات.
* لاحظنا الاهتمام الكبير من جهة الدار بأغلفة الكتب فما سر هذا الاهتمام من قبلكم؟
الحرص على الاهتمام بأغلفة الكتب من أوائل السمات التي ميزت جيلنا عن الأجيال السابقة، ففي عام 2011 صعد هذا الجيل من الناشرين مع بعضهم بعضا ليقيموا كيانا مختلفا برؤية مختلفة، وكان من أوائل اهتماماتهم أن تؤسس كل دار هوية بصرية وهوية ثقافية معينة مع الاختلاف في التوجهات، فمثلا أحب جداً وأحترم جداً وفخور جداً بأعمال دار الرواق التي تمتلك هوية تخصها قادرة على تكمله المسيرة 100 عام قادمين، فكل منا لديه هوية بصرية تخصه، وتصميمات، ودعاية، وإخراج داخلي واختيار عناوين معينة، وكتاب مختلفين، فالفكرة تتلخص في أن كل منا يتميز بشكل وثقافة معينة.
ونحن نحرص عندما يأتي إلينا جمهور المعرض أن يعرف أنه بدار كتب منشورات الربيع من خلال هويتنا البصرية، فالهوية البصرية بمثابة بصمة حقيقية.
* في ظل انتشار النشر الإلكتروني والتطور التكنولوجي هل سيظل الكتاب الورقي يحقق هدفه وانتشاره؟
القارئ الحقيقي يحب الكتاب الورقي ويسعى إليه مهما انتشر التطور الإلكتروني وتبعاته، القارئ يحب أن يمسك بالكتاب بيديه، لذا سيظل الكتاب الورقي متعته مهما وجدت آليات أو منصات أخرى.
* حدثنا عن النهضة النسوية وعن مدى الاهتمام بها في إصداراتكم؟
أصدرنا كتبا كثيرة جداً تخص النهضة النسوية أو الحركة النسوية، من بينهم كتاب "من دفاتر النهضة النسوية" لصافيناز كاظم، و"مذكراتي في سجن النساء" لنوال السعداوي، "زي المرأة المصرية من الفراعنة إلى اليوم "لدرية شفيق، "رحلاتي حول العالم" لدرية شفيق، ومن الأدب الإيراني قدمنا "امرأة من طهران" و"أمي العزيزة ما الأمر"، ومن أفريقيا نشرنا لسونياسي "الباحثات على الذهب"، وفي الأدب العربي نشرنا "اسمي زيزفون" و"وارثة المفاتيح"، و"الطوباوية"، وكلها كتب تتحدث عن واقع المرأة وحقوقها المهدرة في المجتمعات المصرية والعربية والأفريقية.
يُذكر أن فعاليات الدورة الـ56 للمعرض استمرت من 23 يناير حتى 5 فبراير بمركز مصر للمعارض الدولية بالتجمع الخامس، بمشاركة 1345 ناشرًا من 80 دولة، وضمت أكثر من 600 فعالية ثقافية متنوعة، وحلت سلطنة عمان ضيف شرف لهذه الدورة، وتم اختيار الدكتور أحمد مستجير شخصية العام، والكاتبة الكبيرة فاطمة المعدول شخصية معرض كتاب الطفل.






|