القاهرة 05 فبراير 2025 الساعة 07:04 م

كتبت: إنجي عبدالمنعم
ضمن فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ 56، عُقدت ندوة فكرية بعنوان "اللغة العربية: رؤية مستقبلية" في القاعة الرئيسية، حيث اجتمع مجموعة من أبرز أعضاء مجمع اللغة العربية لمناقشة قضايا اللغة العربية بين ماضيها ومستقبلها، وشارك في هذه الندوة كل من الدكتور مأمون عبد الحليم، والدكتور محمد فهمي طلبة، والدكتور محمود الربيعي، بينما تولى إدارة الحوار الدكتور عبد الحميد مدكور، الأمين العام للمجمع، الذي بدأ اللقاء بتوجيه الشكر إلى الهيئة العامة للكتاب، معبرًا عن تقديره لأهمية هذا الحدث الثقافي الذي أصبح له مكانة مرموقة بين معارض الكتاب العالمية.
تحدث مدكور عن اللغة العربية باعتبارها لغة ذات طابع خاص، إذ لم تنشأ من أصل لغة أخرى كما هو الحال مع بعض اللغات الأوروبية مثل الفرنسية أو الإيطالية، بل تمتد جذورها عميقًا في التاريخ، حيث ظهرت منذ قرون عديدة بقوتها وغناها، متجلية في الشعر والنثر، ثم انتشرت في أرجاء العالم.
من جهته، قدم الدكتور محمود الربيعي رؤيته حول مستقبل اللغة العربية، مشيرًا إلى أن التنبؤ بمستقبل اللغات يعتمد على فهم الحاضر. وأكد أن لكل أمة مشروعًا قوميًّا يجب أن تكون اللغة جزءًا أساسيًا منه. وأوضح أن العربية، مثل الكائنات الحية، تمر بمراحل من التقدم والانحدار، فلا يمكن أن تبقى على حالها، ولا أن تعود إلى شكلها القديم، بل يجب أن تتطور لتلبية احتياجات الناطقين بها.
ثم انتقل الحديث إلى مستويات اللغة، حيث استعرض الربيعي تصنيف اللغوي السعيد بدوي، الذي قسم العربية إلى عدة مستويات، منها "فصحى التراث"، التي أصبحت محصورة في المواعظ الدينية ولم تعد مستخدمة في الحياة اليومية، مما يجعلها غير مؤهلة لتكون لغة المستقبل. أما "فصحى العصر"، فهي الأقرب إلى الواقع، وتمثل تطورًا طبيعيًا لفصحى التراث مع بعض التعديلات التي تجعلها أكثر سلاسة. ولتجنب الانحدار نحو العامية، شدد الربيعي على ضرورة التمسك بفصحى العصر ودعمها من خلال ثلاث ركائز أساسية: تحسين التعليم القومي، وإلزام وسائل الإعلام باستخدام الفصحى، وتقريب اللغة من الناس عبر الفنون، كما فعلت أغاني أم كلثوم التي جعلت العامة يتحدثون العربية الفصحى دون شعور بالغربة.
أما الدكتور محمد فهمي طلبة، فقد تناول موضوعًا بالغ الأهمية وهو دور الذكاء الاصطناعي في تعليم اللغة العربية، موضحًا كيف أصبحت التقنيات الحديثة جزءًا لا يتجزأ من العملية التعليمية، خاصة مع تزايد أعداد الطلاب وصعوبة التواصل المباشر مع المعلمين. وأكد أن الذكاء الاصطناعي لم يعد ترفًا، بل أصبح ضرورة فرضها العصر، حيث يسهم في تصحيح الامتحانات إلكترونيًا، وتقييم مستوى الطلاب بدقة، وتطوير برامج تساعد على تعلم النطق الصحيح للعربية وقراءة القرآن بالتجويد، لتؤدي دورًا مشابهًا لدور المعلم الحقيقي. كما أشار إلى التعليم عن بعد، معتبرًا إياه أحد الحلول الذكية التي توفر بيئة تعليمية تفاعلية تحاكي الواقع.
وفي سياق استعراض اللغة العربية عبر العصور، قدم الدكتور مأمون عبد الحليم رؤية متفائلة، معتبرًا أن اللغة العربية اليوم تعيش واحدة من أزهى عصورها في مصر. وألقى نظرة على تاريخ العربية، موضحًا أنها في حقبة ما قبل الإسلام كانت محصورة في الجزيرة العربية، لكنها مع ظهور الإسلام وانتشار الفتوحات أصبحت لغة عالمية، ووصلت إلى الأندلس والبرتغال وجنوب فرنسا، بل كانت لغة الإدارة والعلم في العصر العباسي، حيث دُرست بها الطب والهندسة والكيمياء في جامعات قرطبة، وظل كتاب "القانون" لابن سينا يُدرَّس في فرنسا لمدة 25 عامًا باللغة العربية.
لم تظل الأمور على حالها، فقد واجهت اللغة العربية تحديات جسيمة بعد سقوط الأندلس وامتداد الحكم العثماني، الذي فرض اللغة التركية كلغة رسمية، مما أدى إلى تراجع مكانة العربية في العديد من البلدان، واستمر هذا التدهور حتى القرن العشرين، حين عادت الحركة القومية العربية لتتألق من جديد، مصاحبةً إحياءً للغة العربية، حيث تأسست مجامع لغوية ومؤسسات تهتم بحمايتها وتطويرها، مما أعاد إليها بعضًا من بريقها المفقود.
وفي ختام الندوة، اتفق المشاركون على أن اللغة العربية ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل هي هوية وثقافة وأساس لأي مشروع قومي نهضوي. وأكدوا على أهمية دعمها من خلال التعليم والإعلام والتكنولوجيا، لضمان استمرارها كلغة حية قادرة على مواكبة تطورات العصر واستمرار دورها الحضاري.
يُذكر أن فعاليات الدورة الـ56 للمعرض تستمر من 23 يناير حتى 5 فبراير بمركز مصر للمعارض الدولية بالتجمع الخامس، بمشاركة 1345 ناشرًا من 80 دولة، ويضم أكثر من 600 فعالية ثقافية متنوعة، وتحل سلطنة عمان ضيف شرف لهذه الدورة، وتم اختيار الدكتور أحمد مستجير شخصية العام، والكاتبة الكبيرة فاطمة المعدول شخصية معرض كتاب الطفل.
|