القاهرة 04 فبراير 2025 الساعة 02:21 م

مصطفى علي عمار
رحل عن عالمنا الكاتب والروائي والناقد الموسوعي، وراهبالأدب الدكتور مصطفى بيومي، الذي وافته المنية في الثاني من فبراير 2025، فكان من الأهمية لقدره ومكانته ودوره في الحركة الثقافية في مصر أن تعد مجلة مصر المحروسة هذا الملف عنه..
وُلد مصطفى علي أحمد بيومي في محافظة المنيا، وحصل على بكالوريوس في الصحافة من كلية الإعلام بجامعة القاهرة في مايو 1980، وحصل على ماجستير الصحافة عن رسالة «الكتابات الصحفية ليحيى حقي وقضايا التغير الاجتماعي في مصر»، وعلى شهادة الدكتوراه من كلية التربية بجامعة المنيا، في 1984 شارك كتاباته في عدد من الصحف والمجلات والدوريات المصرية والعربية منها: الآداب، وأدب ونقد، وإبداع، وفصول، والقاهرة، والهلال، وأخبار الأدب، وروز اليوسف، وصباح الخير، والمصور، والكواكب، والناقد.
-
في وداع راهب الأدب الموسوعي مصطفى بيومي
استهل الحديث عنه الأديب والكاتب الصحفي الدكتور عمار علي حسن فيقول:
مصطفى بيومي، ابن بلدي المنيا، الذى عصرته الدنيا وهصرته، لم يبخل بجهد، ولا وقت، على الأدب، وغيره من المعارف، فهو متعدد الاهتمام والاطلاع والكتابة، له فى كل اتجاه سهم، وفى كل جمع قول، أخلص للأدب، قراءة وكتابة، حتى أضناه، وسلى جسده، وأورثه أسقامًا، تقعد غيره، فلا يقدر على حملها، أما هو فيقوى على ضعف الجسد بقوة الروح، ومضاء الإرادة، وحضور الرغبة التى لا تتوقف فى إضافة شيء جديد إلى الثقافة، بعيدًا عن أى هرج أو مرج، وكيف يهرج الزاهدون العاكفون فى صوامع المعارف والفنون!
عرفت مصطفى بيومى منذ زمن بعيد، وتابعت كل ما يكتب، وأكبرت له جهاده فى سبيل الانتصار للجمال والمعرفة، ولكنى، ولأسباب تخصني، أجد نفسى ضعيفًا حيال كتاباته عن المنيا، فأنا ابنها، وهو قادر طوال الوقت على أنه يذكرني بها، كابن مخلص لهذه المدينة التي كانت وديعة رائعة جميلة، وجار عليها الزمن، فصارت إلى حال أخرى، يجرحه القبح والفوضى.
يستحضر بيومي المنيا التي كانت، ويغمض عينيه كأنه يريد أن يقبض على الصور التى راحت، ثم يزفر متألمًا على ما جرى لهذه المدينة، فبناياتها الجميلة الخفيضة هدمت وقامت مكانها عمارات قبيحة، والسينمات الثلاث التي أدهشته وجعلته يتعلق بنجوم الفن، فيكتب عن المنسيين منهم، هدمت منها اثنتان، وكورنيش النيل الذى كان حرًّا طليقًا، يلثمه الشارع الأول في المدينة برفق من الغرب، والمياه السارية الجارية في هدوء من الشرق، انتبهت إليه الرأسمالية الطفيلية والبيروقراطية الشائخة، فاقتطعت منه ما شاءت، وحالت دون وصول الناس إلى أغلبه. أما البشر، الذين أفرد لهم روايته البديعة «ناس من المنيا» فرحلوا عن دنيانا تباعًا، تاركين فى رأسه ذكريات مفعمة بالحنين والشجن.
جمع مصطفى بين خلفيات شتى أعانته على الوعى والفهم والتأمل، فأبوه من أصول ريفية، فجعل همزة الوصل بينه وبين القرية قائمة، والأب موظف سكن المدينة، فنشأ فيها ليكون من أبنائها المستورين، الذين يلتقطون كل ما تجود به من معرفة وجمال وطرائق عيش. والابن هو الفتى الذى جاء إلى العاصمة مبكرًا ليلتحق بكلية الإعلام جامعة القاهرة، فعرف ثقافة مدينة أخرى، كبيرة متجهمة موحشة ومتوحشة، لا تعطي عوارفها إلا لمن يملك مفاتيحها، لكن المنهل الأكبر الذي غرف منه بلا قناعة ولا اكتفاء، هو الكتب، التي يقرؤها بنهم، ويستعذبها بشره، ويستقطر معانيها على مهل، غير مكتف فى هذا بالأدب، الذى يحبه حبًّا جمًّا، إنما بمختلف ألوان المعرفة، وهى مسألة لا تخطئها أذن من يستمع إليه، سواء أيام كان صوته جهورًا طليقًا فى شبابه، أو حين صار واهنًا متقطعًا، حين بات على أبواب الخامسة والستين من عمره راح يكتب للناس وصايا الرحيل كل ليلة على صفحته بفيسبوك، لكننا كنا كلما قرأناها، دعونا له بطول العمر، ليتم ما بدأه، وهو كثير، لا أرى له نهاية، إلا حين أتت الإغماضة الأخيرة، التى لا بد لها من مجيء، كحال كل حى يدب على هذه الأرض، أو نبتة ترقص فى النسائم الرخية.
يضيف:لم يسع مصطفى إلى أن يخطف من القاهرة كل مفاتيحها، وما أكثرها وأقساها! إنما اختار مفتاحًا واحدًا، لا يفكر فيه سوى أولياء المعرفة، وأصفياء الفن، والساعين إلى أمل بعيد، ومجتمع آخر يسوده الجمال والعدل والحرية، كيف لا وهو كان أكبر المتخصصين فى العالم العربيفي دراسة نص نجيب محفوظ، ذلك الرجل العظيم الذى كان بطله الأثير يحلم دائمًا بأن يشرق النور، وتأتى العجائب، ويرعى العجل مع الشبل، والذئب مع الغنم، حين يعود الفتوة الغائب «عاشور الناجى»؟!.
بعد سنوات طويلة، لن يستطيع الساعون إلى نصوص أدباء كبار، نجيب محفوظ، وبهاء طاهر، وعلاء الديب، وصنع الله إبراهيم، وفتحي غانم، أن يتجاوزوا ما كتب مصطفى بيومى، فهو وضع معاجم للشخصيات التي حفلت بها روايات وقصص هؤلاء، وكتب عن كثيرين غيرهم، مقالات ودراسات وكتبًا، وشارك فى نقاشات ومشافهات عن مختلف الأجيال بما فيها أبناء أيامنا الذين رأت أعمالهم الأولى النور. الأمر نفسه بالنسبة لشخصيات سينمائية بديعة، من الموهوبين الذين لم يكونوا فى أى يوم من نجوم الشباك، فقد كتب مصطفى عنهم بمحبة وإخلاص، وحتى كتبه عن رواد الاستثمار من الكبار الراحلين ستبقى مفيدة. ومع النقد والتأريخ الأدبيوالاجتماعي أبدع مصطفى عشرة كتب روائية وقصصية.
ويختتم:سيعود باحثون ونقاد وكتاب وطلبة علم إلى ما تركه مصطفى بيومي، وسيكشفون كم كان هذا الرجل دؤوبًا متفانيًا متعبدًا في محراب الأدب، وحين يقرأون سيرته، سيدركون كم كان بسيطًا زاهدًا، ليله أرق، وأكله ورق، لم تعطه الكتابة سوى ما يقتات به، ويطعم أهله، مما يملأ بطون المعذبين في الأرض.
الله يرحمك يا مصطفى، ستجد العدل والإنصاف في رحاب ذي الجلال.
-
ويقول الأديب علي حسن عنه:
هو الإنسان الوحيد على هذا الكوكب الذي كان يعيش بكل جوانحه، خياله، واقعه، ذاته التي يعش بها داخل عوالم الرواية.. هو أحد شخوصها.
يضيف:الرواية عند مصطفى بيومي، تتجسد فتصبح حقيقة لها ظل، إنسان يسير على قدمين!
حياته رواية؛ يسلط الضوء على المظلم منها، ينتمي دون انحياز لأحد شخوصها، لأنه رب العمل، خالقه، لا يظلم ولا يجور!
حبه رواية؛ لن يبوح بأسراره، لكن على القارئ الفطن فك طلاسمه، وضع السبابة على زر الإطلاق واستكشاف عوالمه.
ذكرياته رواية؛ يضعها ملك يمينك..
فقط اندمج مع عالمه، انصهر، دع شيطانك يبلغ مراده، تلفحك نشوة لذيذة كم رجوتها وانتظرها طويلًا!
كل شيء في ذاكرة الأستاذ "رواية"!
لم أر إنسانًا يدمج شخصيته داخل إطار من الحكايات، الذكريات، الحب، الجمال كما رأيته يفعل بإتقان دون تكلف!
محال أن يجود الزمان برجل مثل الأستاذ "مصطفى بيومي" ويا ليت مصر تمنحه ما يستحق!
-
وعن دكتور مصطفى بيومي.. أديباً وناقداً موسوعياً يقول د.سليمان جادو شعيب:
يعد الأديب الروائي والناقد الكبير مصطفى بيومي أحد الكتاب الكبار في الإبداع والنقد الأدبي، وهو غزير الإنتاج، متعدد المواهب، واسع الاطلاع والكتابة، أخلص للأدب، وعاش راهباً في محراب الأدب والفكر، وهو صاحب مشروع أدبي كبير، قدم للمكتبة العربية إرثاً ضخماً من الأعمال والمؤلفات الإبداعية القيمة، مايزيد عن 89 كتاباً في مسيرة حياته الإبداعية.
وُلد مصطفى علي أحمد بيومي في بني مزار بمحافظة المنيا، وحصل على بكالوريوس في الصحافة من كلية الإعلام بجامعة القاهرة في مايو 1980م، وحصل على ماجستير الصحافة عن رسالة "الكتابات الصحفية ليحيى حقي وقضايا التغير الاجتماعي في مصر"، ثم حصل على شهادة الدكتوراه من كلية التربية بجامعة المنيا عام 1984م.
شارك كتاباته في عدد كبير من الصحف والمجلات والدوريات المصرية والعربية منها: الآداب، وأدب ونقد، وإبداع، وفصول، والقاهرة، والهلال، وأخبار الأدب، وروز اليوسف، وصباح الخير، والمصور، والكواكب، والناقد.
وقد أصدر العديد من الأعمال الروائية ومنها رواية "إنسان"، و"الصورة"، و"لمحات من حياة المواطن م.ب"، و"أحلام سرية"، و"لعبة الحب"، و"المسكوت عنه في عالم نجيب محفوظ " وهي موسوعة ضخمة تناولت أجواء الدراسة الجيش المصري في أدب نجيب محفوظ"، و"المسكوت عنه في عالم يحي حقي"، و" النبش في الذاكرة" شبه سيرة ذاتية، عن أنطون تشيخوف"، ورواية بعنوان: "يوميات سعد عباس" في ثلاثة أجزاء يبلغ قوامها نحو ألف صفحة تقريباً، و" عصير الشخصية المصرية.. قراءة في رباعيات صلاح جاهين"، وكتاب الهلال: " سعد زغلول في الأدب المصري"، و"عباقرة الظل.. وجوه سينمائية"، و"عبد الناصر في الرواية المصرية..الحلم والكابوس 100عام على ميلاد ناصر وغيرها من الأعمال والدراسات النقدية.
شارك مصطفى بيومي في اليوم العالمي للكتاب، في الاستطلاع القيّم الذي أعده الشاعر الكبير شريف الشافعي، ونُشر بمجلة "الناشر الأسبوعي" الإماراتية، عدد مارس 2024م، عن المكتبة، فقال: "المكتبة الخاصة عندي تعني عصير وخلاصة رحلتي مع الحياة، فهي تراكم علاقة تمتد لنصف قرن تقريباً، وهي بمثابة الصديق والأنيس والملاذ الدافىء في مواجهة الأعاصير والعواصف. أنفقت فيها ومعها سنوات تمثل جل العمر، وما أكثر الأسئلة المرهقة الغامضة التي لا إجابات عنها إلا في أحضان الكتب. لا أقول إنها إجابات يقينية حاسمة، فلا يقين، لكنها - على الأقل- مفاتيح للإجابات.
البداية الحقيقية لتكوين مكتبتي مع التحاقي بكلية الإعلام، جامعة القاهرة، في منتصف السبعينيات من القرن العشرين، حيث التعرف على المكتبات الأشهر والأهم خلال تلك الفترة، مدبولي ودار الكتاب العراقي وعالم الكتاب ودار الثقافة الجديدة ودار الشرق السوفيتية والهيئة المصرية العامة للكتاب ودار المعارف، فضلا عن سوري الأزبكية والسيدة زينب. كنت نهما في الشراء والقراءة، وحرصت منذ البدء على التبويب الذي ييسر الوصول إلى الكتاب بلا عناء. فهارس دقيقة لا شأن لها بعلم المكتبات، والتبويب قوامه قواعد خاصة لا يفهمها غيري. في الإحصاء الأخير قبل شهور، وصل عدد الكتب إلى ما يتجاوز ستة آلاف كتاب، وبنظرة على الكراسات أستطيع أن أصل إلى الكتاب الذي أريده في أقل من دقيقتين".
حصل الأديب الكبير مصطفى بيومي على عدد كبير من الجوائز، من أهمها: الجائزة الأولى في المسابقة القومية عن أدب نجيب محفوظ: الرؤية الوفدية في أدب نجيب محفوظ"، و"جائزة سعاد الصباح في الرواية: لمحات من حياة المواطن م ب."، و"جائزة أخبار اليوم في الرواية: نقطة بعيدة في القلب". و"سبع جوائز من الهيئة العامة لقصور الثقافة في الرواية والنقد الأدبي ومسرحية الفصل الواحد"، و"جائزة سوزان مبارك في أدب الطفل".
قال عنه الأديب القدير عمار علي حسن: " ما إن تبحث عن أي أديب مصري كبير، أو أي قضية تناولها الأدب، حتى يخرج لك مصطفى بيومي من بين سطور الكتب، كواحد من أهم مؤرخي ومصنفي الأدب بمصر في نصف القرن الأخير، بل هو متفرد في نظرته الشاملة، وهو يتلمس تاريخ النقد، ويتتبع تاريخ الأدب، ويفحص أيام الأدباء وسيرهم".
ولمصطفى بيومي العديد من الأقوال المأثورة الرائعة التي تجرى مجري الحكمة والمثل، كقوله: " أيها المصابون بداء الحكمة لا تيأسوا، التفاهة دواء ناجع مر المذاق، تدثروا بالتفاهة يقترب الشفاء"، ويقول:"الروائي الجيد مثل زرقاء اليمامة، يركب آلة الزمن ويرى ما لا يرى، لكن أحداً لا يصغى إلى صيحاته، يتكاتف الأوغاد ويسلبون نور عينيه، اختر أيها الروائي التعيس: الموت أم الصمت"، ويقول أيضاً:" النيل يشكو الظمأ، واسوه بما تقدرون عليه من ماء عيونكم"، و" الصمت نصف الفضيلة، والاعتزال نصفها الثاني".
وهكذا، غادر عالمنا أديبنا المبدع الكبير مصطفى بيومي بعد حياة حافلة بالعطاء والإبداع المتواصل، في الثاني من فبراير 2025م، رحمه الله تعالى رحمة واسعة، وألحقه بالصالحين، وجعله في عليين.
-
ويصفه السارد والشاعر المصري سفيان صلاح هلال بقوله:
مصطفى بيومي شمس واحدة وتجليات عديدة، ويكمل: ربما يكتب شاعر مقالة نقدية، أو يتولى روائي صفحة أدبية فيقول آراء انطباعية عن أعمال تصله لنشرها، لكن أن يكون المبدع ناقدا كتب أكثر من مائة كتاب نقدي، متبعا منهجا معينا للوصول إلى غايته.. وروائيا أصدر عشرين رواية تقريبا يصل بعضها إلى أكثر من ألف صفحة، ومفهرسا ومؤرخا، فهذا أمر يتطلب ما فوق الإخلاص وما بعد الحب.
يستطرد:إن كل هذا في باقة واحدة يعني هذا المبدع الفريد غزير الإنتاج، المعتزل، المتصوف في محبة الإبداع، سواء أكان إبداعه أو إبداع الآخر. وهو يستفيد ناقده من سارده وسارده من مفهرسه، وينهل الكل من نهر لا ينضب من الثقافة الموسوعية، وفي كل الأحوال هناك نقطة جوهرية في إبداع هذا العقل شديد الترتيب والنظام ألا وهي التركيز على فكرة محددة مهما اتسعت التجليات حولها فهي لا تخرج عن نطاقها. ولو نظرنا إلى مجموع ما كتبه عن إبداع أديبنا العالمي نجيب محفوظ لتجلى لنا ذلك من مجرد قراءة العناوين، فرغم أنه كتب عن كل شاردة وواردة في أدبه، فقد رصد هذا بطريقة مبوبة تجمع بين الفهرسة المصحوبة بالنقد والتحليل ولم يضف نقطة اختصها بالبحث إلى نقطة إلا لتوضيح علاقة سببية، ولنقرأ هذه العناوين: الرؤية الوفدية في روايات نجيب محفوظ، ،199، الفكاهة عند نجيب محفوظ، 1994، معجم أعلام ، 1998، أستاذ الجامعة في عالم نجيب محفوظ، 2001، السينما في عالم نجيب محفوظ، 200، نجيب محفوظ والإخوان المسلمون، 2005،
وصف مصر في أدب نجيب محفوظ، الملوك والزعماء والرؤساء، 2010، وصف مصر في أدب نجيب محفوظ، تعدد الزوجات، 2010، وصف مصر في أدب نجيب محفوظ، القرآن الكريم، 2010، وصف مصر في أدب نجيب محفوظ، الدعارة والعاهرات، 2010، وصف مصر في أدب نجيب محفوظ، المسيحية والمسيحيون، 2010، وصف مصر في أدب نجيب محفوظ، ثورة يوليو، 2010، معجم شخصيات نجيب محفوظ، ج1، 2015، معجم شخصيات نجيب محفوظ، ج2، 2015، معجم شخصيات نجيب محفوظ، ج3، 2015، معجم شخصيات نجيب محفوظ، ج4، 2015 ، الوظيفة والموظفون في عالم نجيب محفوظ، 2016، المسكوت عنه في عالم نجيب محفوظ، 2019هتلر في عالم نجيب محفوظ، 2019. إن الانطلاق من فكرة واضحة مركزية يدور في فلك دائرتها معظم العمل تتضخ بمجرد قراءة هذه العناوين مما يضفي على العمل شمولية في تفكيك الفكرة وجمعها ويكسب المتلقي تركيزا في قضية واحدة تحمي عقله من التشتت بين شبكات العلاقات.
يوضح:
ولم تقتصر كتابته عند حد معين ففي أعماله النقدية كتب عن أساتذة الفنون السردية مثل يحي حقي وعلاء الديب والطيب صالح وغيرهم. وقد تناول إنتاجهم من منطلق نفس الفكرة التي حلل بها إبداع معشوقه محفوظ.
ورصد الظواهر كان أحد تجليات المبدع؛ فنجده يرصد ظاهرة اليهود في الأدب المصري مثلا في كتاب (اليهود في الرواية المصرية.. الاندماج والقطيعة، 2022 ) وفيه لا يقدم الشخصية النمطية لليهودي كما صدرها الإعلام الموجه غالبا لدواعي سياسية مع أو ضد، ولكن هو يقدم الإنسان الذي يدين باليهودية والذي عاش مواطنا في مصر، بكل تجلياته في جميع مجالات الحياة الإنسانية والاجتماعية والوطنية، الإنسان الأصيل، والإنسان الخائن أو المنحرف.
يضيف: وكما يقف مبدعنا عند تفكيك الأفكار وجمعها في الأدب المكتوب راح يكتب عن تجليات الحياة في إبداعات أخرى؛ سنجده يقف عند ظاهرة ما في السينما، مثلما في (الفلاح والسلطة في السينما المصرية، 2002 )
وقد يلتفت مبدعنا إلى ما لا يعتني به غيره من ظواهر مثل ظاهرة تعدد الزوجات في أدب محفوظ، أو الكرة في الإبداع المصري، أو الوظيفة الاجتماعية للماء في الأدب المصري، ويفرد لكل ظاهرة مساحة تقف عند تحليل أدوارها التي تلعبها في الحياة سواء بذاتها أو عن طريق تجليات نجوم هذه الظاهرة والأدوار التي يلعبونها، فلا شيء في الحياة مارسه البشر جاء من فراغ ليذهب إلى لاشيء وهي رؤية تفصح عن شخصية عميقة البصيرة ترى الأدب والحياة، حتى لو كان مجرد لعبة أو سلوك تم التشجيع عليه أو محاربته.
ولأن أستاذنا مصطفى بيومي واسع الثقافة والاطلاع نجده يكتب وجهة نظره عن أهم الروايات العربية في كتابه "مائة رواية عربية " متناولا أهم الروايات أثرا في تاريخنا الأدبي بالكتابة التحليلية الشاملة التي تتناول العمل وموضوعه وشخصياته وبنيته الفنية. ويكتب أيضا كتابه (مائة وخمسون شخصية روائية) يجمع فيه أهم النماذج البشرية في الحياة التي خلدها الأدب..
والناقد ذو العين الفاحصة مصطفى بيومي هو أيضا المؤرخ الذي أرخ لرواد الاقتصاد والسنما والسياسة..
وهو الروائي مصطفى بيومي. الذي نشر روايات: الصورة، 1995
لمحات من حياة المواطن م.ب، 1996، أحلام سرية، 1998، السيد الأستاذ الدكتور العميد، 2003، لعبة الحب، 2008، أمير المؤمنين، 2012، يوم، 2013، إنسان، 2014، لذة القتل، 2016، أما بعد، 2018، ناس من المنيا، 2019، أكاذيب صغيرة، 2020، وهو غالبا لا يكتب روايات بشكل تقليدي ونمطي فالبطل عنده دائما هو الفكرة والتي يتخذ منها مركزا يسقي كأسه للجميع فمثلما في كتبه النقدية غالبا ما يتتبع شيئا واحدا ويجمعه ويدرس ملامحه، هو كذلك في رواياته والإنسان عنده هو المحور، حتى لو كانت الرواية رواية مكان
ففي روايته ناس من المنيا مثلا يتناول تجاربه الشخصية المتعلقة بحياته بين ناس أثروا فيه وفي مسيرته و لكن الرابط بينهم جميعا أنهم من المكان/المنيا، ولا شك أن الراوي في نفس الفترة تعامل مع كثيرين من البشر لكنه عند الكتابة يكون لديه قدرة على الفرز والتنقيح عجيبة تجعله يخلص لنقاء لوحته السردية والتي تتعدد فيها الألوان والأطياف، ولكنها تتحقق فيها الوحدة الموضوعية.
ويتكرر هذا في معظم رواياته وآخرها (كتاب الموتى سيرة روائية) حيث الفكرة المركزية الموت الذي طال الكثيرين ممن لهم صلة برحلته في الحياة في كل مراحل عمره فمنهم الأهل، ومنهم مبدعون تربطه بهم صلة روحية، ومنهم ناس من العامة، ومنهم قادة وزعماء... يرصد الكاتب لحظة موتهم على يديه أو لحظة معرفته خبر وفاتهم، في هذه اللحظة تستطيع أن تعرف الإنسان داخل الكاتب وتأثره بأقل التفاصيل التي أدركها من سيرة الميت، ورغم الشجن الكبير الذي يسيطر على العمل، فكأنه في مجمل النص يخبرنا أن الناس يرحلون ولكن لا يموتون! وكيف يموتون وهم يتركون داخل الأحياء كل هذه الآثار التي تنتشر تداعياتها طولا وعرضا وعمقا. وهكذا الأستاذ المصطفى بيومي في كل أعماله جهد وتركيز وهدف واضح وإنسان حاضر دائما
-
وعن إبداعه في الرواية يضيف الكاتب خلف كمال بقوله:
من خلال رواية "ناس من المنيا " والتي تقع في مائة وثلاث عشرة صفحة والتي قسمها الكاتب إلى قسمين كتبهما في خلال عشر سنوات، نستطيع أن ندرك أنّ الرواية أشبه برواية حقيقة واقعية يرويها لنا ويتحکّم بأحداثها، إذ منح الراوي بمهارته للقارئ عنصر التشويق والدهشة والانتظار وکسر أفق التوقع باستعماله لتقنية الانزياح وتبين قدرة المؤلف اللغوية وجمال الوصف وطريقة السرد المتقطع التي انتهجها وإن كانت تكلف القارئ بعض المعاناة لربط الأحداث، وفي الرواية متسع لكثير من الدراسات.
-
وعن إنسانيته يتحدث الصحفي محمد مخلوف فيقول:
مصطفى بيومي صاحب الفضل ففي أغسطس 2012 كان اللقاء الأول بيني وبينه رجل واثق من نفسه متزن نفسيا يعرف كيفية الحكم بطريقة صحيحة بكل حيادية بعيدا عن النمطية أو الأهواء الشخصية.
من الوهلة الأولى لرؤيتي للكاتب الصحفي الموسوعي الأديب الراحل الأستاذ مصطفى بيومي انتباني شعور أنني أمام شخص استثنائي يعشق مهنة الكتابة.
يكمل: كان لقائي به خاص بالتقديم لصحيفة وليدة نشأت بعدما جرى ما جرى في 25 يناير 2011 البعض يراها ثورة لأنها أزالت نظام حكم والبعض الآخر لا يعتبرها ثورة من الأساس لعدة أسباب منها أنها لم تحقق أهدافها من العيش والحرية والعدالة الاجتماعية.
جلست أمامه ودار بيننا نقاش صحفي ثقافي فني قال لي ماذا تقرأ وماذا تحب أن تكتب ذكرت له أنني أحببت القراءة منذ طفولتي حيث بدأتها بسلسلتي رجل المستحيل وملف المستقبل ما بين السابعة والعاشرة من عمري ثم بدأت قراءة مقالات الكتاب والصحف ما بين مؤيد ومعارض الأهرام الأخبار المصري اليوم الدستور روزاليوسف الجمهورية لمعرفة الصالح من الطالح والمقارنة.
قال لي وهل تحب الفنون والثقافة قلت له بالطبع فهي حياتي حيث نشأت على حب أفلام رشدي أباظة ونور الشريف وروايات نجيب محفوظ ويحيى حقي وغيرهم.
رأيته يمسك بمجموعة أوراق وقال لي أكتب لي ما تحب أريد أن أرى أفكارك مكتوبة أريد خبر ومقال ورسالة وتقرير.
وكتبت له ما دار في ذهني وقتها وأخذ مني الأربعة أوراق وضحك وتبسم وقال لي أنك تمتلك موهبة تستحق الاهتمام بها لتنمو وتزداد قوة.
فقلت له ماذا تعني قال لي:"أنت هتبقى معانا في الجورنال جهز نفسك خلاص" فشعرت وقتها بسعادة كبيرة تغمرني حيث تحققت أمنيتي أخيرا بالارتباط بالكتابة تلك المهنة التي ظللت طوال حياتي تمني الالتحاق بها كاتبا وصحفيا.
كان الأستاذ مصطفى بيومي صاحب الفضل علي في منحي حق الارتباط بالصحافة بإعطائي إشارة الدخول إلى الجورنال وبدء حياة مليئة بالأحداث الصحفية والثقافية.
كل التحية إلى أستاذي مصطفى بيومي صاحب الفضل رحمه وأسعده وهناه مثلما أسعدني وهناني بإعطائي مفتاح الدخول إلى بوابة الصحافة.
-
وعن إنسانيته تضيف سها عزمي معدة برامج الإذاعة المصرية
فتقول: اللقاء الأول ذهبت إليه بعد بحث على مواقع التواصل عن كاتب كتاب الشخصية المصرية ورباعيات جاهين واستمر اللقاء ساعات طويلة وتمنيت ألا ينتهي اللقاء وتكررت اللقاءات وفي
كل لقاء يزداد مصطفي بيومي قيمة ويتعمق إحساسي بقيمتة الإنسانية والأدبية تعلمت منه التواضع والحب حتى الانصهار للأدب والثقافة، عاش مصطفي بيومي استاذي لهذا الحب ولم ينتظر منه أي مقابل
ومازالت تسجيلاته الصوتية حتى بعد أن انهكه المرض لم يضن أبدا علي بفكره وثقافته.
-
ويروي القاص أحمد ثروت من المنصورة ما حدث معه في لقاء إنساني سريع مع الراحل مصطفى بيومي
فيقول:كنت ذا بؤس وجهل حين لم أعرف الرجل ثري القلم والفكرة، لكن حظي السعيد لحق بي ومنحني جزءًا مهماً عام 2021 حين التقيت صاحب اللطف المدهش، والهدوء المسالم، الأديب الكبير مصطفى بيومي
المكان في معرض الكتاب، وكانت المناسبة هي فوز روايتي
(في حضرة الشارع الطويل) بالمركز الأول في مسابقة مركز إنسان ( تدريب - نشر - دراسات - استشارات ) الذي جعل جائزتها باسم الأديب الراحل.
تلطف بي يومها بجملة لا أنساها (قريت روايتك مرتين واتبسطت، ما تبطلش كتابة يا ابني)..
-
ويختتم الشاعر والباحث جعفر أحمد حمدي معزيا بلده المنيا ومصر كلها فيقول:
في العام 2014، كنت أجلس في مقهى بين جمع من الأدباء. وتطرقوا وقتها للكاتب الأديب مصطفى بيومي، وكنت وقتها لا أعرف سوى الدكتور مصطفى بيومي عبدالسلام أستاذ النقد بدار العلوم المنيا. فعرفت وقتها أن المنيا أنجبت مصطفى بيومي كاتبا ومصطفى بيومي ناقدا. ما قيل وقتها كان كفيلا بأن أذهب للبيت مسرعا للتعرف على هذه القيمة الكبيرة، فقرأت له ما كتبه عن نجيب محفوظ، وكيف أنه قدم أديب نوبل الكبير بصورة غير نمطية وبصورة مغايرة، صورة تشتبك وتتماهى مع نتاج نجيب محفوظ، ثم بدأت في متابعة ما كتب، وجدته يقدم رؤيته عن النبي محمد وعن جمال عبدالناصر عن الفلاح المصري، عن طه حسين الأكاديمي لا الأديب، يقدم يوسف الشاروني وكأنه يرسم لوحة تشكيلية، إن المتتبع لكتابات مصطفى بيومي يعرف أنه أمام قيمة كبيرة، وجهد صحافي كبير، لايقدم الأمور بصورتها العادية، إنما يقدمها بشكل مغاير، شكل يتحد فيه الكاتب الواعي مع الصحافي المتقصي، مع الحكيم الوارثِ هيبة الكاتب ووعي المثقف، وطيبة الصعيدي وشهامته، إننا بفقده نفقد أديبا عربياكبيرا، إنني أعزي فيه الشعب المصري عامة وأهل المنيا بصفة خاصة، وأخيرا سوف أقدم رؤيتي عن مصطفى بيومي في كتاب يجمع ويحاور ما كتبه أستاذنا الراحل.
|