القاهرة 28 يناير 2025 الساعة 01:48 م

قصة: أمل ويادة
تعطلت عربة القطار داخل النفق المظلم، تطلعت حولي وجدت الجميع قلقين، يتساءلون عن سر التوقف المباغت، أصوات همهمات وبكاء أطفال ورائحة الخوف تزكم الأنوف.
يفكر الجميع في الخروج من العربة، فكرت مثلهم لكن هاجس وحيد سيطر عليّ ماذا لو اصطدم بنا قطار آخر؟!
تبددت مخاوفي عندما قال أحدهم:
يبدو أن هناك عطل عمومي، انقطعت الكهرباء تمامًا عن المنطقة؟!
هذا يعني أن الخوف من حدوث تصادم تلاشى، تنفست الصعداء!!
قال آخر:
لماذا انقطع التيار إذن؟
جاء صوت من آخر العربة:
- عطل ويحدث كثيرًا، في كل مكان، لا داعيَ للذعر!
لا داعيَ للقلق، لا بدَّ من وجود غرف تحكم ووصلات بديلة للطاقة الكهربائية.
قال شاب آخر:
- معنى أن يتعطل القطار هكذا أن الأمر جد خطير، لم يسبق وانقطعت الطاقة عن مناطق كاملة على هذا النحو؟!
صوت رجل يبدو رصينًا يقول بتأفف:
نظرية المؤامرة كالمعتاد، الفكر الت?مري بطل المشهد؟!
قال شاب تنمو لحيته بكثافة، استطعت تمييزها على أضواء كشافات الهواتف التي أشعلها الجميع:
ربما مات الحاكم وقطعوا التيار لعزل الشعب عما يحدث، منعًا لإثارة الشغب!!
قال أخر:
وهل يموت الحكام في بلادنا يا هذا.. ألا تقيم معنا على ظهر هذه البائسة؟!
صاحت إحداهن:
كفوا عن التفكير في سبب الانقطاع، وابحثوا عن مخرج لن نظل حبيسي العربة للأبد!!
طمأنها شاب:
سنحاول البحث عن وسيلة للخروج، لا تقلقي يا أماه.
نهرت فتاة صديقتها قائلة بتوتر: ماذا تفعلين؟!
أوثق هذه اللحظات التاريخية؟!
وضعت صديقتها كفها على كاميرا الهاتف مانعة صديقتها من مواصلة التصوير.
سادت حالة من الهرج والمرج، انخرط الجميع في أحاديث عدة، قطع ضوضاء حكاياتهم العشوائية صياح أحدهم:
مهلًا.. مهلًا.
التفت إليه ركاب العربة، واصل حديثه مشيرًا لركن في آخر العربة:
لمن هذه الحقيبة؟!
التفت إليه الجميع بفضول، وجدوا حقيبة ضخمة بنية اللون بجوار أحد الأبواب.
لم يفصح أحد عن ملكيتها!
بدا الذعر يعلو الوجوه: ماذا لو كانت مفخخة؟
ماذا لو كان الأمر كله عملًا تخريبًيا؟!
ابتعد الجميع عنها بسرعة وتزاحموا في آخر العربة.
متكومين فوق بعضهم البعض.
مرت دقائق كثيرة بطيئة بتثاقل..
وقف شاب ينظر إليها بتمعن، ثم تقدم منها بجراءة، لا بد أن نعرف ما بها، لن ننتظر الموت، ولن نعيش في قلق للأبد.
اقترب منها، مازحه أحدهم قائلاً: بووووم.
ارتد الشاب لحظة للخلف، ثم فطن للمزحة فواصل تقدمه بلا مبالاة.
فتح الحقيبة وجد بها الكثير من الورق...
تنفس الصعداء قائلاً: بها أوراق لا داعٍ للخوف.
أمسك ورقة وقرأها بصوت مسموع:
- عندما تعثرون على حقيبتي سأكون هناك قابعًا في قاع النيل
فشلت في التعبير عما أرغب.. لا أحد يفهمني؟!
تعالت أصوات الشفقة وتساءلت النساء: لماذا تحرق قلوب محبيك يا ولدي؟!
في حين قال أحد المتقدمين في السن: أنتم أجيال هشة، ماذا رأيتم من الدنيا حتى تفعلون ما تفعلون هكذا؟!
قالت إحدى الفتيات: لماذا أيها الغريق قطعًا هناك قلب تركته يتألم للأبد، قطعًا لك حبيبة؟!
قطع شرودهم وصراعاتهم صوت شاب آخر بعد أن سحب ورقة أخرى ليقرأها بصوت مسموع:
- حاولت المحافظة على نفسي من التلوث وفشلت، أرجو الصفح لا أستطيع العيش مع ذنب كبير مثل هذا، سأعود لبلدتي حاملًا كفني على كفي!
مد آخر يده وقرأ ورقته..
- أحببتك كثيرًا، لكن حبي أصبح اعتيادًا، تطلبين مني أن أكون أنا وأنتِ لم تعودي أنتِ.
ومد آخر وآخر وآخر...
حتى شعر بيد تهزه بقوة وصوت أجش يقول:
وصلنا لآخر محطة يا أستاذ!
|