
بقلم: د. حسين عبد البصير
في ظل التحديات الاقتصادية العالمية والتنافس الشديد بين الدول لجذب السائحين، تواصل مصر تعزيز مكانتها كوجهة سياحية عالمية من خلال الاستثمار في مشاريعها الثقافية والتنموية الكبرى. يأتي على رأس هذه الجهود مشروعان استراتيجيان: "المتحف المصري الكبير" و"مشروع التجلي الأعظم". يهدف هذان المشروعان إلى تعزيز السياحة كأحد أعمدة الدخل القومي وتحقيق رؤية مصر 2030 للتنمية المستدامة.
المتحف المصري الكبير: بوابة الحضارة القديمة إلى المستقبل
يُعد "المتحف المصري الكبير" الذي يقع بالقرب من أهرامات الجيزة، أكبر مشروع متحفي أثري في العالم مخصص لحضارة واحدة. يُقام على مساحة شاسعة تبلغ حوالي 500,000 متر مربع، ليكون رمزًا للتلاقي بين الماضي والحاضر. يحتوي المتحف على أكثر من 100,000 قطعة أثرية، أبرزها المجموعة الكاملة للملك الذهبي توت عنخ آمون، والتي ستُعرض لأول مرة مجتمعة منذ اكتشافها في عام 1922.
إلى جانب القطع الأثرية، يتميز المتحف باستخدام أحدث تقنيات العرض، بما في ذلك شاشات العرض ثلاثية الأبعاد والتجارب التفاعلية التي تمنح الزائرين تجربة غامرة تجعلهم يشعرون بأنهم جزء من رحلة الحضارة المصرية القديمة.
وفقًا لتقديرات وزارة السياحة والآثار، يُتوقع أن يجذب المتحف أكثر من 5 ملايين زائر سنويًا. هذه الأرقام تُترجم إلى دخل يقدر بمليارات الدولارات، إضافة إلى توفير آلاف فرص العمل المباشرة وغير المباشرة في مجالات السياحة والخدمات المرتبطة بها. علاوة على ذلك، يُعد المتحف نقطة انطلاق لبرامج سياحية متنوعة، تربط بين القاهرة الكبرى ومنطقة الأهرامات وسياحة وادي النيل، مما يُعزز من التكامل بين المواقع السياحية.
مشروع التجلي الأعظم: تجربة روحية وسياحية متفردة
على الجانب الآخر، يُمثل "مشروع التجلي الأعظم" في منطقة سانت كاترين بجنوب سيناء مبادرة تهدف إلى دمج السياحة الروحية بالطبيعية. تقع المنطقة عند أقدام جبل موسى، الذي يُعتقد أنه شهد تلقي النبي موسى الوصايا العشر. يجمع المشروع بين تعزيز الجوانب الروحية للمكان وتطوير البنية التحتية بما يخدم السائحين الباحثين عن تجربة مميزة.
يشمل المشروع إقامة فنادق بيئية، ومسارات جبلية مهيأة للمشي والتسلق، بالإضافة إلى تحسين الطرق والخدمات اللوجستية التي تُسهِّل وصول الزوار إلى المنطقة. كما يهدف المشروع إلى دمج المجتمعات المحلية في التنمية من خلال توفير فرص عمل مستدامة في قطاعات السياحة والخدمات.
تشير الدراسات إلى أن المشروع لديه إمكانات كبيرة لزيادة معدلات الإشغال السياحي في جنوب سيناء بنسبة تصل إلى 70%. كما يُتوقع أن يُسهم المشروع في وضع سانت كاترين على خريطة السياحة العالمية كمقصد روحي وثقافي، إلى جانب تحقيق تنمية اقتصادية متوازنة في المنطقة.
رؤية شاملة لتحقيق الاستدامة السياحية
تُعد هذه المشروعات جزءًا من رؤية مصر 2030، التي تُركز على استثمار الإمكانات التراثية والطبيعية في تعزيز مكانة مصر عالميًا. ووفقًا لتقارير منظمة السياحة العالمية، فإن التنوع في المنتجات السياحية يلعب دورًا حاسمًا في جذب السائحين، لا سيما في ظل تزايد الطلب على تجارب السفر التي تجمع بين الأصالة والحداثة.
الأصالة والحداثة: محور جذب عالمي
"المتحف المصري الكبير" و"مشروع التجلي الأعظم" ليسا مجرد مشروعات سياحية، بل هما رمزان لرؤية مصر المستقبلية. فالمتحف الكبير يُبرز قدرة الدولة على عرض تراثها بأساليب حديثة تلائم متطلبات السياحة العالمية، بينما يُجسد مشروع التجلي الأعظم الجمع بين الروحانية والطبيعة، ما يفتح آفاقًا جديدة للسياحة متعددة الأبعاد.
بهذه المشاريع الطموحة، تقدم مصر نموذجًا ملهمًا للدول الأخرى في كيفية تحويل الموروث الثقافي والحضاري إلى أداة اقتصادية فاعلة تُسهم في تحقيق التنمية المستدامة. رؤية مصر تجمع بين الحفاظ على تراثها العريق واستخدام التكنولوجيا الحديثة لتقديمه بطريقة تناسب تطلعات الأجيال الجديدة من السائحين، مما يجعلها وجهة سياحية لا تُضاهى.
استثمار المستقبل في عبق الماضي
إن مشروع "المتحف المصري الكبير" و"مشروع التجلي الأعظم" يمثلان قفزة نوعية في استراتيجية السياحة المصرية. من خلالهما، تُبرز مصر قدرتها على الاستفادة من تاريخها الطويل، ليس فقط كعامل جذب سياحي، ولكن كوسيلة لإعادة رسم خريطة الاقتصاد القومي، وتعزيز مكانتها كوجهة سياحية عالمية تجمع بين التاريخ، والثقافة، والتنمية.
|