القاهرة 28 يناير 2025 الساعة 01:41 م

حوار: مصطفى علي عمار
أسامة الألفي: تثقفت على يد بائع كتب متجول لا يحمل مؤهلًا.
استحدثت في الأهرام رصدًا سنويًا لأهم الأحداث الثقافية.
صحفي وناقد أدبي وكاتب متعدد الاهتمامات، مارس الكتابة الصحفية أكثر من نصف قرن، عمل خلالها في مختلف أنواع الإصدارات: جرائد يومية ومجلات أسبوعية وشهرية، وأصدر 22 كتابًا، وكُتب عنه كتابان أحدهما تناول سيرته الفكرية، والآخر أرخ لسيرته الحياتية، ونال 9 جوائز عن كتبه، فضلًا عن "جائزة الأمم المتحدة في مجال مقالة حقوق الإنسان" .. إنه الكاتب الصحفي أسامة الألفي ضيفنا هذا الأسبوع.
وعبر ساعتين حاورناه عن نشأته والمؤثرات فيها، وكتبه، والشخصيات التي التقاها وتركت أثرها في نفسه، ورؤيته للواقع الثقافي، وسر رعايته للأدباء المهمشين في صفحته الأثيرة "سماء عربية"، وموضوعات أخرى تطالعونها فيما يلي من سطور.
بدأنا الحوار بسؤال "الألفي" عن نشأته والمؤثرات فيها، قال:
نشأت في أسرة عادية، لا علاقة لها بالإبداع والصحافة، فأبي محاسب لكنه ورث عن والده الشيخ الأزهري، حب شعر الإمامين علي بن أبي طالب والشافعي رضي الله عنها، وأشعار أبي العتاهية، وكان كثيرًا ما يردد على مسامعي بعضًا منها، وحين كان عمري 5 سنوات عرفت الشاعر الكبير صلاح عبد الصبور، إذ كان زميلا لأخي الأكبر في التدريس، ويتردد على منزلنا قبل افتراقهما - يرحمهما الله - كل لعمل آخر، وكان إنسانًا خلوقًا محبًا للناس، ولي معه حكاية طريفة، إذ منه كسبت أول قرشين بجهدي في سني تلك، حيث اعتاد أخي الالتقاء بشلة أصدقائه بالمنزل مساء كل خميس، ومن بينهم صلاح عبد الصبور ولحظت أن صلاحًا كان أحيانًا يترك الشلة، ويقف على شباك غرفة الصالون ويدندن كلمات مموسقة، وظننته مجنونًا يكلم نفسه، وفي أحد المرات أحضرت كرسيًا وصعدت عليه، ووقفت عند الشباك مقلدًا صلاحًا، ومرددًا الكلمات التي سمعته يرددها، وبالمصادفة سمعني أخي الأكبر وضحك بشدة، وحين جاء صلاح والشلة استدعاني أخي وطلب مني أن أقلد صلاحًا، ففعلت وما أن انتهيت حتى حملني شاعرنا الكبير وقبلني فرحًا، ثم أنزلني ودس يده في جيب بنطلونه وأخرج قرشين ومنحني إياهما، وكانت ثروة بالنسبة لطفل مصروفه اليومي قرش، وكانت بداية حبي للشعر.
وبمن تأثرت في توجهك للكتابة؟
قد تفاجأ إن قلت إن أول من أثر في توجهي كان بائع كتب متجولًا لا يحمل مؤهلًا، فمن حظي أني ولدت في جيل قارئ، جيل تعرّف على الكتاب وحرص على اقتنائه في سن غضة من عمره، ففي سن 10 سنوات بدأت ومعظم أبناء جيلي نقتني كتبًا لمكتباتنا الخاصة، بمصروفنا البسيط الذي لا يتجاوز قرش أو قرشين في اليوم، وكان هذا البائع يقف بعربة كارو محملة بالكتب على ناصية ميدان يبعد 100 متر من منزلنا، ويؤجر الكتاب بنصف قرش ويبيعه بقرش، ومن خلاله طالعت سلاسل جميلة “أولادنا” و “كتابي” و”روايات الجيب”، وغيرها من السلاسل الشعبية العظيمة التي قدمت روائع الأدب المصري والعالمي، وتعرفت على كتابات شوقي وحافظ إبراهيم ومطران ود.طه حسين والعقاد والرافعي والمنفلوطي، وغيرهم من فطاحل الأدباء.
وفي المرحلة الثانوية ألتقيت أستاذي الشاعر د. سعد دعبيس وكان أول من وجهني لأسس النقد، ومن المصادفات أن جمعتنا ليبيا أثناء بداياتي بصحافتها، وقدمت عرضًا نقديًا لديوانه “أغاني إنسان” وكتابه “حوار مع الأيام”، ورغم أني أشرت إلى سلبيات بالديوان والكتاب، إلا أنه شد على يدي بأريحية فخورًا ومهنئًا.
وللناقد الكبير الراحل د. أحمد كمال زكي، فضل استكمال توجيهي، إذ التقيته مصادفة ودون سابق معرفة في صالة المطالعة بدار الكتب وكانت وقتها في باب الخلق، وأرشدني إلى المراجع التي أحتاجها لكتابي الأول "تطور الشعر العربي في العصر الحديث"، الذي كتبته أثناء دراستي بالمرحلة الثانوية قبل بلوغي 18 عامًا، وزاد بأن طلب مني إرسال البحث له قبل الطبع ليراجعه ويقدم له، وبالفعل نفذ ما وعد، وبعدها بعقود التقينا في مجلة "الفيصل" بالرياض، حيث كنت أعمل وكان أحد كتابها وتعانقنا، وعلمت أنه سيستقيل من جامعة الملك سعود لأن متطرفين من طلاب خربوا سيارته، وكان اللقاء الأخير معه يرحمه الله.
وكتابي الأول عرفني على شيخ الساخرين الصحافي والأديب الراحل جليل البنداري، الذي أهديته الكتاب فأشاد بي في بابه الشهير “أنا والنجوم”، ولم يفته كعادته توجيه قرصة ساخرة للمشرف على الكتاب د.أحمد كمال زكي، كان جليل يرحمه الله من ملوك الضحك، قلبه قلب طفل ولسانه سكين يقطر سخرية.
كما عرفني الكتاب على الأديب الكبير يوسف السباعي، إذ التقيته لأهديه نسخة من الكتاب، وكان يتميز بروح جميلة واستقبلني يرحمه الله ببشاشة وابتسامة عفوية غير متفعله، كان إنسانًا رائعًا بسيطًا محبًا للناس والخير، لا يفرق في تعامله بين كاتب شاب وأديب كبير، وكان لطيب مقابلته أثر كبير في نفسي، وما أزال إلى اليوم أذكره بالخير، وعبرت عن ذلك عمليًا بكتابة أكثر من 10 مقالات نقدية كتبتها عنه.
رحلتك في بلاط صاحبة الجلالة الصحافة، كيف بدأت وهل كان للأدب دور في هذا الاختيار؟
بالفعل كان حبي للأدب والكتابة دافعي لاختيار الصحافة مهنة، وتجربتي تشمل العمل في جميع الإصدارات الصحفية: اليومية، الأسبوعية، والشهرية، وأيضًا الملاحق المتخصصة، وبدايتها كانت عقب تخرجي في الجامعة مباشرة 1972م، حيث عملت بالمكافأة الشهرية في جريدة "التعاون" وكان يرأس تحريرها أ. محمد صبيح، وهو صحفي من عيار ثقيل، بل مدرسة صحفية لا يقل قيمة عن هيكل والأخوين علي ومصطفى أمين، لكنه لسبب ما لم يكن محبوبًا من السلطة، فألقوا به في جريدة غير مقروءة، ولم أستمر في الجريدة سوى 3 شهور، إذ كانت مفلسة وكنت أقبض المكافأة الضئيلة بعد 3 أسابيع على استحقاقها، فتركتها حين وصلني خطاب التكليف من القوى العاملة إلا أني استفدت الكثير من أ. صبيح، وعملت بالتربية والتعليم أمينا لمكتبة مدرسة، لكن الصحافة كانت ما تزال تستهويني، لذا أخذت أكتب مقالات متفرقة في جريدة "الأخبار"، ولأن عشق الصحافة يتملكني لم أستمر في وظيفتي كأمين مكتبة طويلًا، وهجرتها للعمل في صحيفة "البلاغ" في ليبيا قبل حرب أكتوبر بشهر، وتمثل فترة العمل بليبيا مرحلة تأسيسي كصحفي محترف، لكنها لم تستمر سوى سنة و8 شهور، إذ أصر والدي على عودتي لمصر مع اندلاع الخلاف بين الرئيس السادات والقذافي، فعدت عام 1975م، بعدها انتقلت للسعودية، محررًا بصحيفة "المدينة المنورة" بجدة، ولمشادة نشبت مع رئيس التحرير لسبه المصريين أثناء مشاهدتنا توقيع كامب ديفيد بمكتبه، جرى إلغاء عقدي مع مهلة شهر للبحث عن عمل آخر، لكني كنت اكتسبت بعملي سمعة جيدة، جعلت مجلة "اليمامة" بالرياض تطلبني بعد 3 ايام فقط من إلغاء العقد، فلم انتظر مرور شهر الإنذار، وتعاقدت معها وغادرت للرياض، لأعمل بـ "اليمامة"، ومن أهم موضوعاتي بها اقتراحي قضية أسبوع لمناقشة توزيع لحوم الأضاحي على فقراء العالم الإسلامي، حيث رأيت أثناء أول حجة لي 1978م 1398ه لحوم الأضاحي ملقاة في شوارع منى، يحط عليها الذباب وتأكلها الحيوانات الضالة، لعدم وجود من يأخذها، ووافق رئيس التحرير وأرسلت شباب المحررين، لأخذ آراء المواطنين والمقيمين والمسئولين والفقهاء حول القضية، وتم بعد عام من النشر تنفيذ الفكرة تحت إشراف بنك التنمية الإسلامية بجدة.
خلال فترة وجودي بـ"اليمامة" نشرت مقالات في جريدتي "الشرق الأوسط" و"المسلمون" بلندن، واقترحت على السلطات السعودية في إحدى مقالاتي وضع حاويات كبيرة أمام المساجد، ليضع فيها المواطن والمقيم ما تمزق من مصاحف وكتب، كيلا تدنس بالرمي في الشارع أو تتسبب في حرائق عند حرقها، وللمرة الثانية استجابت السلطات لفكرتي وتم تنفيذها، ثم انتقلت محررًا بمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، ومجلة "الفيصل" الثقافية الشهرية، لأبدأ رحلة جديدة مع اكتمال تجربتي الصحفية، بعملي في مختلف الإصدارات اليومية والأسبوعية واستمررت في "الفيصل" حتى استقالتي وعودتي إلى مصر في أكتوبر 1994م، ولأن المجلة كانت بحاجة لي فقد تعاقدت معي على أن أحرر الأبواب الثابتة، التي كنت أحررها بها وتعادل ربع صفحات المجلة، مقابل مكافأة شهرية ثابتة، وكان عقدي كمراسل لـ"الفيصل" بوابة دخولي جريدة الأهرام، إذ كان الراحل أ. إبراهيم نافع نقيبًا للصحفيين، وكان يرفض قبول المراسلين في عضوية النقابة، رغم أن قانون النقابة يسمح بذلك متى توفرت شروط معينة، كمرتب شهري ثابت ورقم تأميني، وهو ما كان متوفرًا في حالتي، وخروجًا من المأزق ولاقتناعه بقدراتي، قرر تعييني محررًا بالأهرام اعتبارًا من غرة يناير 1995م، لأدخل النقابة من بوابة الجريدة.
وما أبرز ما قدمته خلال عملك بالأهرام؟
- كان لي سبق استحداث صفحة سنوية في نهاية كل عام ميلادي، تحت عنوان "الحركة الثقافية في مصر والعالم خلال عام"، ترصد أهم الأحداث الثقافية في مصر والعالم، وأعجبت الفكرة أ. نافع فعممها على جميع الصفحات المتخصصة، ومنها انتقلت الفكرة للصحف الأخرى، كما ابتدعت فكرة إجراء حوار تخيلي، بحوار تخيلي مع أمير الشعراء أحمد شوقي، عبر إسقاط نماذج من أشعاره على أحداث معاصرة، حتى ليكاد القارئ يحس أن شوقي عاشها بالفعل، وكشفت في حوار أجريته بمشاركة الزميل د. محمود القيعي، مع رئيس هيئة قصور الثقافة في منتصف تسعينيات القرن الماضي د. أحمد مجاهد، أن المخصص لتثقيف المواطن المصري 30 قرشا سنويًا! كما أسست في الطبعة العربية من الأهرام صفحة باسم "سماء عربية" تهدف لتعريف القارئ المصري بأدب الأشقاء العرب، لتكون جسرًا للتواصل بين أدباء مصر والعالم العربي، وترعى المهمشين في حياتنا الثقافية والأدبية، واستمر صدورها لمدة عام ثم توقفت لخلاف مع المشرف على الطبعة، وأعدت إصدار الصفحة مرة أخرى ولكن في جريدة "الزمان" المصرية منذ 9 سنوات، وما تزال الصفحة تصدر وينشر بها أدباء من الأقطار العربية كافة.
عاصرت على امتداد أكثر من نصف قرن المتغيرات في الثقافة والصحافة، فما أخصب فتراتها وما تقويمك للمشهد الحالي؟
- أخصب فترات الثقافة في تقديري، هي الفترة التي تولى فيها د. ثروت عكاشة وزارة الثقافة، إذ وضع الأسس لأدواتها من مكتبات وقصور ثقافة وحركة ترجمة ونشر نشطة، وهي أدوات أسهمت في تنشيط الحركة الثقافية، زيادة الوعي بأهمية القراءة، ويكفي أن أذكر مشروعه "المكتبة الثقافية" التي نشرت وترجمت أروع الأعمال الأدبية والفكرية والثقافية فى مصر والعالم، وقدمتها للقارئ بسعر زهيد لا يتجاوز 3 قروش، كما لا أنسى دور هذا الرجل العظيم في تأسيس المعهد العالى للسينما، والمؤسسة العامة لفنون المسرح والموسيقى، وقاعة سيد درويش، وجهوده لإنقاذ معبدى فيلة وأبي سنبل، وغير ذلك من الأعمال العظيمة التي لا تتسع هذه السطور لذكرها، كذلك عاشت الصحافة الأدبية أوج تألقها في ستينيات القرن الماضي، وكانت الصحف سببًا في إلقاء الضوء على مواهب عديدة تصدرت المشهد الثقافي، ثم خبت هذه النهضة بتولى فاروق حسني وزارة الثقافة وأطلق مقولته الشهيرة "المثقفون دخلوا الحظيرة"، وهي المقولة التي تسببت في انهيار المشهد الثقافي، وهجرة أصلاء المبدعين إلى الخليج، ودفعتني للرد على فاروق حسني بكتابي "ثقافة بوس الواوا"، الذي أوضحت فيه أن تبنى الدولة للمثقف الموالي الخانع، جعل أصلاء المثقفين ينكفئون على ذواتهم، أو يهاجرون خارج مصر فرارًا بإبداعهم، وللأسف ما يزال هذا المشهد المقيت قائمًا إلى اليوم.
خلال رحلتكم مع الصحافة والأدب عاصرتم وعرفتم وزراء ثقافة عدة، فهلا أطلعتم القارئ على رأيكم فيهم بإيجاز؟
- سأوجز فيمن عرفتهم والتقيتهم وتعاملت معهم شخصيًا منذ عودتي إلى مصر نهاية عام 1994م.
فاروق حسني كان لا يحبني ولا أحبه وخصصته عام 2006م في ذروة سلطانه بكتابي “ثقافة بوس الواوا”، فلم أر فيه الوجه المنشود لقيادة الثقافة المصرية، بخاصة بعد إهانته الثقافة والمثقفين بمقولته "المثقفون دخلوا الحظيرة".
د. جابر عصفور: شدني إليه في تعامله معي قبل وبعد توليه الوزارة، أنه كان إنسانًا بسيطًا عفويًا غير متكلف، كما أعجبني مشروعه النقدي، لكنه حين ترك المنصب ومارس الكتابة العامة في غير تخصصه، خسر كثيرًا ممن أحبوه واحترموه.
محمد الصاوي: لم يصنع شيئًا أو لم تتح له فرصة صناعة شيء، برع في الساقية وفشل في الوزارة.
د.عماد أبو غازي: ذكي ويملك فكرًا لكنه تولى وزارة يعشعش فيها الروتين والفساد وكانا أقوى منه، على المستوى الإنساني هو خلوق ومهذب وبسيط في تعامله.
د. شاكر عبد الحميد: من الشخصيات التي كان بإمكانها تقديم الكثير للثقافة، لكونه أصلًا باحثًا متميزًا، إلا أنه لسبب ما لم ينجز شيئًا.
د. صابر عرب: عمله الإداري أبرز من عمله الثقافي.
عبد الواحد النبوى: التقيته مرة واحدة ولم نتكلم ولم استرح له، فلم أسع لمعرفته.
حلمى النمنم: عرفته صحفيًا قبل أن أعرفه وزيرًا، صديق محترم ظلم نفسه بقبول منصب لم يضف له شيئًا.
د. إيناس عبد الدايم، د. نيفين الكيلاني، ود. أحمد هنو، لم ألتقيهم ولم أسع للقائهم لأنني أحسست أن كلّا منهم يتعامل مع منصب الوزير كوظيفة وليس كمثقف، مما جعلني أتساءل.. وزارة ثقافة فعلًا؟
"مبدعون في لوحات أدبية"، "نجيب محفوظ .. من الجمالية إلى نوبل"، "أمل دنقل .. عابرًا للأجيال"، "عوامل قيام الحضارات وانهيارها في القرآن الكريم"، "لماذا أسلموا؟"، اللغة العربية وكيف ننهض بها قراءة وكتابة"، بعض عناوين كتبكم الدالة على تنوع العطاء، فهلا لخصتم فكرة كل كتاب منها في سطور؟
أنتمي لمدرسة العقاد التي تؤمن بالمثقف الشامل، ومن هنا كان تنوع النتاج، ففي "مبدعون في لوحات أدبية" انتقيت 24 مبدعًا، كان لهم عظيم الأثر فى الأدب العربى الحديث، ثم اخترت سمة معينة فى إبداعهم، لأغوص من خلالها مستكشفًا مفتاح شخصية كل منهم، مستخدمًا لدراسة كل شخصية المنهج المناسب لها، ومن هنا كان تنوع المناهج المستخدمة بما يناسب الحالة، فتارة استخدم المنهج الاجتماعى، وأخرى المنهج النفسى، وثالثة المنهج الجمالى، مع تدعيم الرأي بالمصادر والاستشهادات المنسجمة مع الطروحات.
ويعد كتاب "نجيب محفوظ من الجمالية إلى نوبل"، محاولة لإعادة تقديم أدب نجيب محفوظ وتجربته الإبداعية للأجيال الشابة بإيجابياتها وسلبياتها أيضًا، عبر رؤى تحمل ألوان الطيف في تنوعها، حيث شملت الدراسات جوانب عدة، منها جانب الفيلسوف والسياسي والمؤرخ والمصلح الاجتماعي، وطريقته في بناء شخصياته ومدى نجاحه أو قصوره في وضع ملامحها، والجانب التشكيلي في أدبه، من خلال رؤية تشكيلية للحارة المصرية التي هي بمثابة الحاضنة في رواياته وقصصه، وطبيعة الشخصية المسلمة والمسيحية في عالمه القائم على العلم والدين، إلى جانب شهادات لعدد من مجايليه، وبورتريه له من خلال ذكريات يرويها كاتم أسراره وسكرتيره الخاص، الذي رافقه طوال عقدين سبقا رحيله، والشيء نفسه في كتاب "أمل نقل .. عابرا للأجيال"، حيث شارك في الكتابين نخبة من النقاد تتنوع مدارسهم الفكرية والنقدية، مما أسهم في تقديم رؤية شاملة لمجمل إبداع الأديبين، أو على الأصح العناصر الأكثر بروزًا منها، عن قناعة أن أدبهما لا يدرك جله ما لم يقرأ كله.
وفي "عوامل قيام الحضارات وانهيارها في القرآن الكريم" قدمت عبر القص القرآني نماذج لحضارات سادت ثم بادت، والمفارقة أن عوامل قيام تلك الحضارات، كانت ذاتها العوامل التي أدت إلى انهيارها، وأهمها: الإنسان، الدين، العلم، فالمقومات المادية اللازمة لقيامها، في رد عملي يكذّب مقولة كارل ماركس "الدين أفيون الشعوب" ويكذّب كل مَنْ يزعم أن تمسكنا بالدين سبب تأخرنا، والدليل أن الباقي من حضارة الفراعنة هي المعابد، ونال الكتاب جائزة "مسابقة الشيخ متولي الشعراوي" التي يمنحها مجمع اللغة العربية بالقاهرة، ووثقت في "لماذا أسلموا؟" قصص اهتداء شخصيات عالمية للإسلام مثل عبد الله ابن المهاتما عاندي، ود. كين مستشار الرئيس الأمريكي نيكسون، واللورد هيدلي عم ملكة بريطانيا الراحلة إليزابيث الثانية، والفيلسوف رينيه جينو، وغيرهم من الشخصيات العالمية ذات التأثير، أما في "اللغة العربية وكيف ننهض بها نطقا وكتابة"، فأوضحت أن اللغة العربية أغنى اللغات وأرقاها، وأنها لم تضعف ولكن الذي ضعف لسان ناطقيها، وفاز الكتابان السابقان بجائزة خدمة الدعوة والفقه الإسلامي، وتسلمت الجائزتين من فضيلة الإمام الأكبر د. السيد طنطاوي يرحمه الله.
سؤال أخير: هل ترى أن عصر الصحافة الورقية انتهى بظهور الصحافة الرقمية؟
لا طبعًا لم ينته ولن ينتهي، فقد تكون الأضواء خفتت عن الصحافة الورقية لصالح الصحافة الرقمية، لقلة تكلفتها مقارنة بالورقية، وأيضًا بفضل سرعتها وخدمات الفيديو والمقاطع الصوتية ومساحة الحرية المتوفرة لها، وسهولة تصفحها واسترجاع أخبارها، وإمكانية أن يعلق القراء على ما تنشر، إلا أن الصحافة الورقية تظل مطلوبة، وما يزال لها عشاقها ومريدوها، ممن يفضلون قراءتها في شرفات منازلهم أو على الكافيهات، وهم يشربون كوبًا من الشاي أو يرتشفون قدحًا من القهوة، وبدليل أننا نجد في اليابان أم التقنيات الرقمية توزيعًا كبيرًا للصحف الورقية، فمثلًا صحيفة "يوميوري شيمبون" يصل توزيعها حاليًا إلى ما يقارب 8 ملايين نسخة يوميًا، وصحفية "أساهي شيمبون" تليها بـ 6،5 مليون نسخة، فيما تصل الصحف الإقليمية إلى 50 ? من البيوت في أسواقها المحلية.
|