القاهرة 25 يناير 2025 الساعة 02:39 م

بقلم: د. حسان صبحي حسان
يمثل الفن نتاج إبداعي إنساني، ووسيلة لإاتقاط وتشخيص العالم، لا العالم المادي فقط، وإنما العالم ككل، ولون من ألوان الثقافة الإنسانية، يعبر بفصاحة عن التعبيرات الذاتية، كرحلة إبداعية يترجم خلالها الفنان أحاسيسه ومشاعره التي تختلج في نفسه، الى خطابات بصرية ملموسة مصطبغة بفعل الخيال، وثمرة فاعلية إنسانية ومشاركة متصلة للتعبير عن المعاني والحالات المعاصرة، وتصدير الحقائق الجديدة، التي تتلمس ايقاع دينامي يصدر على السطح التصويري حساسية فياضة وتداعيات تعبيرية وصورية، في منظومة تعكس الفهم والدراية والرؤية الخاصة، بهدف إثارة العواطف وتحفيز التفكير والتأمل والتجاوب التفاعلي مع التأليفات البصرية.
وترتبط الممارسات الفنية بالمهارة والخيال والابتكار، لذا فالإبداع الفني مؤسس على تصدير موضوعات وقوالب فنية تنحو نحو غايات جمالية، تنبثق روافدها من وجدانية الفنان لتفسير المحيط والحياة، واستعراض أحوالها وحقائقها، ليمتلك الفن قدرة إيصال رسائله متجاوزًا الزمن واللغة، ونشد الإنسانية المشتركة، كأحد أهم الوسائل الإعلامية التي ترقى بفكر المتلقي، وترسيخ الهوية الوطنية والقيم الأخلاقية، وتوليد المزيد من التسامح والاحترام المتبادل، لينبري دور الفن إلى الهدف السامي، والسعي نحو بناء مجتمعات أفضل، عبر دوره في تعميق مشاعر الفخر والاعتزاز فيما يتعلق بالتاريخ والثقافة، والتعريف بموضوعات حيوية نابضة.
• في معرض "بداية ..المرأة ما بين الميلاد والخلود":
برعاية المجلس القومي للمرأة "فرع الجيزة" ضمن فاعليات ختام المبادرة الرئاسية (بداية) (بداية جديدة لبناء الإنسان)، افتتح المعرض الدكتورة ماريان عازر نائبة البرلمان، وعضو المجلس القومي للمرأة المستشارة أمل عمار، وحضور الدكتورة ماجدة عبد الجليل مقرره المجلس القومي للمرأة فرع الجيزة. أفتتح معرض (بداية.. المرأة من الميلاد الي الخلود) بقاعة "آدم حنين" بدار الأوبرا المصرية، لخمس فنانات من كليه التربية الفنية: د. إيناس عزت، د. أميرة فهمي، د. سحر السعيد، د. مريم عبدالمنعم (قسم الرسم والتصوير)، د.عبير حسنين (قسم التصميمات البصرية والرقمية).
تعبر أعمال الفنانة الدكتورة "أميره فهمي" عن البداية وفلسفتها في الطبيعة، فبداية الخلق تنبعث مع شروق الشمس وانطلاق الحياة (فالشمس، عملاق الكون ومركزه، وسر الحياة على كوكب الأرض، الذي تمده بالضوء والطاقة، فضلاً عن دورها الرئيسي في تنوع الغذاء وفصول السنة، وبين سر الحياة ولغز النهاية تشرق الشمس وتدب الحياة في كل كائنات الأرض، فهي سر الطبيعة ونشأتها)
وتجسد الخطابات البصرية للفنانة الدكتورة “عبير عادل" أحوال المرأة بحالاتها المتطلعة للبدايات والتغيير وميلاد ما بعد الحياة والصعوبات التي تواجهها خلال فترات العمر المختلفة من صراعات اجتماعية وسياسية وثقافية، لذا فقد جاءت تجاربها الفنية لتعكس ذلك التكامل بين التركيبات الهندسية البسيطة مع شكل المفروكة غير المكتمل المستوحي من تراث فنون العصر الإسلامي، وبين العنصر الأدمي المتمثل في المرأة التعبيرات المجازية والإستعارات للعديد من المعاني والرموز الثقافية والاجتماعية والتي لها العديد من الدلالات التي تعكس حالات المرأة وانفعالاتها وتحدياتها في المجتمع المصري. وقد تعبر الزخارف الإسلامية متمثلة في شكل المفروكة عن العادات والتقاليد والتراث الثقافي والحضاري والذي يشير الي القيوم الثقافية المتوارثة ثقافيا واجتماعيا، والمربع كعنصر أساسي للعمل، يشير إلى الأعباء والتحديات وقد يتركب بزوايا تشير الي الطريق إلي الأمل، وأحيانا الي الركيزة الأساسية التي تستند إليها المرأة لمواصلة الحياة، وفي حين أخر يمكن ان تمثل الحيز المكاني الذي يحتوي المرأة وتسكن إلية للهروب من متاعب الحياة.
وجاءت المشغولات الفضية للفنانة الدكتورة “عبير عادل" كبداية ممارسات حرفة تأثرا بثقافات منطقة الواحات المصرية وخاصة "واحة سيوة" ومظاهرها البيئية والاجتماعية، واختيار بعض العناصر المستوحاة من الوحدات المستخدمة في اعمال التطريز اليدوي لملابس المرأة السيوية، حيث ترمز كل وحدة عن عنصر من عناصر طبيعة الواحة من نخيل وشمس وقمر وغيرها من الوحدات المصممة ونسجها في تركيبات مستحدثة وصياغتها بالفضة مع الأحجار شبه الكريمة وكان التوجه لذلك حيث ان للمرأة علاقة خاصة بينها وبين الحلي الذي يعبر عن شخصيتها، ويكسبها الثقة والراحة النفسية اللازمة لمواجهة تحديات المعيشة والحياة اليومية.
وتأتي الأشروحات الفنية للفنانة الدكتورة " مريم عبد المنعم مبارك " لتعبر عن قضايا المرأة ومعاناتها اليومية، فقضايا المرأة هي قضايا المجتمع بأسره، القضايا التي تواجهها المرأة تختلف من مجتمع إلى آخر، لكنها تتشارك في محاور أساسية، مثل الحق في التعليم، والحق في العمل، والحق ف حياة صحية خالية من الصعود النفسية وحقها المشاركة السياسية، والحماية من كافة أشكال التمييز والعنف سواء النفسي أو الجسدي وغيره.
وامتلكت أعمال الفنانة الدكتورة " إيناس أحمد عزت “، قوة العرض لقضايا المرأة في علاقتها بالبيئة والمجتمع حولها، عبر استعراض دلالات تعبيرية ورمزية فى التعبير عن المرأة، من خلال علاقة مبهجة متطلعة لحياة أفضل تمايزت ببساطة التكوين، المخصب بثراء التقنيات التشكيلية، الذي ارتكل الي استخدام وتوظيف الكولاح التلصيقي والخامات المختلفة للتعبير عن البيئة الغنية بمفرداتها الشكلية الحرة ذات التنوع.
وترتكل الفلسفة المفهومية لأعمال الفنانة الدكتورة " سحر السعيد الديب " فى المعرض على الاستلهام وفنون التراث، وخاصة النسيج المرسم لفنون الحضارات القبطي والبيزنطي والإسلامي من القرن الخامس الى الثالث عشر الميلادي، والتعبير عن مفهوم الخلود وارتباطه، والمرأة من خلال التجريب فى الشكل والخامة، وخاصة خامة الأقمشة بصورة منفردة وبإمكاناتها الشكلية واللونية والملمسية المتناوعة باستخدام اسلوب الكولاج واعادة صياغة العناصر.






|