القاهرة 21 يناير 2025 الساعة 10:14 ص

تحقيق: مصطفى علي عمار
ينطلق معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته رقم 56 هذا الأسبوع، تزامنا مع إجازة نصف العام الدراسي 2025، ويستضيف المعرض دولة عمان الشقيقة ضيف شرف المعرض هذا العام.
وفي هذا السياق، سنستعرض بعض الجوانب المهمة من الحركة الأدبية في عمان، بدءًا من تاريخها وتطورها، مرورًا بالحركة الأدبية والخصائص الفنية في الأدب العماني الحديث، وانتهاءً بالرواية العمانية والشعر العماني.
تاريخ الأدب العماني يعتبر جزءًا مهمًا من تاريخ البلاد، حيث يمتد من العصور القديمة حتى الوقت الحاضر. الأدب العماني، بكل أنواعه، يشكل جزءًا لا يتجزأ من الهوية الثقافية للبلاد، ويعكس التطورات الاجتماعية والثقافية التي مرت بها عمان على مر العصور.
والحركة الأدبية في عمان تعكس تاريخًا غنيًا ومتطورًا، يمتد من العصور القديمة حتى الوقت االحاضر، وتشهد تطورًا مستمرًا، حيث تظهر أجيال جديدة من الكتاب والشعراء، وتنتج أعمالًا أدبية متنوعة تعكس الواقع العماني والطموحات المستقبلية.
سنبحث في كيفية تأثير التحولات الاجتماعية والثقافية على الأدب العماني، وكيف استجاب الأدباء العمانيون لهذه التحولات.
فكانت هذه الأسئلة التي عرضناها على عدد من الأدباء والكتاب بعمان والدول العربية وطلبنا منهم أن يحدثوننا عن: "تاريخ وتطور الأدب العماني"، و"الحركة الأدبية في عمان: قراءة في الإنتاج الأدبي"، و"الخصائص الفنية في الأدب العماني الحديث" "الأدب العماني في ظل التحولات الاجتماعية والثقافية" و"الرواية العمانية: دراسة في البنية واللغة"، و"الشعر العماني".
-
المزروعي: تميز الأدب العماني المعاصر بتنوع موضوعاته واهتماماته بتقديم صورة حية عن الواقع العماني
استهل الكاتب العماني الخطّاب المزروعي الحديث فقال: لو تناولنا الحديث عن الأدب العماني وتاريخ تطوره؛ قد يطول ويتشعب من الناحية البنيوية، حيث أن معظم الأدب العُماني القديم يقتصر على الشعر الفصيح الذي تحتفل جلّ قصائده بالبطولات التاريخية والحكمة والغزل؛ حتى القرن السابع الميلادي ودخول الإسلام إلى عُمان، حيث تناول الأدباء العمانيون في أدبهم الجوانب المرتبطة بالناحية الدينية والفقهية والتاريخية؛ شعرًا أو نثرًا، مع وجود تأثيرات فنية من الشعر العربي الكلاسيكي. كما حَفَل الأدب العُماني القديم وتراثه بالفلكلور الشعبي من قصائد وحكايات شفهية.
يستطرد: في هذه العجالة المبسترة، أسلط هذه الالتماعة الخاطفة على الأدب العُماني الحديث؛ حيث بدأت الإرهاصات الأولى على يد الأديب العُماني الرائد عبد الله الطائي، في أربعينيات القرن العشرين، وقد أخذت تنمو تلك الإرهاصات بإيقاع بطيء؛ مع مجايليه، مع غياب المدارس والجامعات الحديثة، حتى أواخر الستينيات من القرن العشرين، والتي ركزت تلك الإنتاجات الأدبية على الواقع الاجتماعي والسياسي لعُمان ونقده وتفنيده في مرات كثيرة.
في بداية السبعينيات وظهور الدولة الحديثة الذي قادها السلطان قابوس؛ انتشرت المدارس الحديثة وبدأت الحياة العصرية تدب في نواحي عُمان جمعاء، مما عكس الواقع الاجتماعي للفرد ونمط الحياة.
في العقود الأخيرة من تاريخ الأدب العُماني المعاصر تميز الأدب العماني المعاصر بتنوع موضوعاته واهتماماته بتقديم صورة حية عن الواقع العماني في ظل التطورات الحديثة؛ مسلطًا مجهره الإنساني بالدرجة الأولى وعاكسًا رؤيته وجمالياته، مما جعل الأدب العُماني يحصد جوائز أدبية عالمية ودولية وعربية رفيعة؛ تقديرًا لما قدمه كتابها وأدبائها، عاكسين فكر وأحسايس المجتمع العُماني وتفاعله الكوني مع البشرية.
-
يعقوب الخنبشي: الرواية العمانية أبرز الأشكال الأدبية التي رصدت تحولات التحديث
فيم يرى الكاتب والروائي العماني يعقوب الخنبشي أنه منذ دخلت أول مطبعة في عمان عام 1895؛ والأدب العماني يشكل مرآة عاكسة للتحولات الاجتماعية والثقافية التي مرت بها عُمان عبر القرون الماضية، حيث شهدت البلاد تغيرات جذرية في بنيتها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية؛ امتدت لتكون أكثر حضورا وبهجة منذ انطلاق النهضة المباركة في سبعينيات القرن الماضي.
يضيف: إن هذه التحولات لم تكن مجرد تغييرات سطحية، بل امتدت إلى عمق الهوية الثقافية والأدبية، مما أتاح للأدب العماني أن يتطور من محليته المكانية الساكنة إلى آفاق أرحب وأوسع، عربيا وعالميا، متفاعلاً بذلك مع القضايا الإقليمية والعالمية.
ومع ازدهار تلك التحولات التي جاءت نتيجة التحديث والبناء المؤسسي، شهد المجتمع العماني تغيرات في البنية الطبقية والتركيبة السكانية، وهو ما انعكس على الإنتاج الأدبي، حيث أصبحت الكتابات الأدبية في عُمان أكثر تنوعًا وانفتاحًا على مختلف الشرائح الاجتماعية.
حيث ساهم الأدباء العمانيون، الذين كانوا في السابق يميلون إلى تصوير البيئة المحلية بمعزل عن التأثيرات الخارجية، بعد أنهما بدأوا في تناول قضايا أكثر شمولاً، مثل العولمة، والتحولات القيمية، وصراع الأجيال والثورات العربية والعالمية.
وعن الرواية يقول: تُعد الرواية العمانية أحد أبرز الأشكال الأدبية التي رصدت هذه التحولات. وعلى سبيل المثال وليس للحصر فإن الكاتبة د. جوخة الحارثي، في روايتها "سيدات القمر"، جسّدت بعمق الصراع بين التقليد والحداثة في المجتمع العماني، مظهرةً بذلك؛ التغيرات التي طرأت على دور المرأة ومكانتها، بارزة بذلك ببراعة؛ الأثر الذي أحدثته التحولات الاجتماعية في المرأة العمانية، لتصبح بذلك أنموذجًا للدراسة الأكاديمية والنقد الأدبي.
وعن الشعر يقول: إن الشعر العماني- الذي لطالما كان متنفسًا رئيسًا للتعبير عن الهوية الثقافية- لم يقف مكتوفًا أمام رياح التغيير. حيث برز شعراء كبار وقامات شعرية كبيرة يشار لهم بالبنان في الوسط الشعري العربي مثل: الشاعر سيف الرحبي والشاعر سماء عيسى والشاعر زاهر الغافري، الذين استفادوا من الإرث الشعري التقليدي لإعادة صياغته بلغة حداثية تواكب تطلعات الإنسان العماني المعاصر. وبذلك فإن هذه النقلة النوعية في الشعر؛ انعكست على الصور الفنية والموضوعات المطروحة، فلقد انتقل الشعر من التركيز على المديح والغزل إلى تناول قضايا إنسانية عميقة، مثل الاغتراب النفسي وصراع القيم.
ويختتم الحديث عن النقد الأدبي فيقول: أن النقد الأدبي لم يكن بمعزل عن هذه الحركية الثقافية. فقد تطور ليصبح أداة تحليلية توثق التحولات الاجتماعية وتفسر انعكاساتها على الأدب. فهناك الكثير من الدراسات النقدية التي قدّمت قراءات معمقة للنصوص الأدبية العمانية، مركزة على التغيرات الثقافية التي شهدتها السلطنة، وكيفية تأثيرها على بنية النصوص وأفكارها.
ولم يكن لهذا التقدم أن يتحقق دون دعم المؤسسات الثقافية العمانية، التي برزت بكل مكانة واقتدار مثل: النادي الثقافي، والجمعية العمانية للكتاب والأدباء. مساهمة في نشر الإنتاج الأدبي، وتنظيم الملتقيات التي تجمع الأدباء المحليين والدوليين.
ورغم الجذور العميقة التي تربط الأدب العماني الحديث بهويته المحلية، إلا أنه استطاع أن يفتح نوافذ نحو العالمية. فالأعمال الأدبية المترجمة إلى لغات أخرى، مثل رواية "سيدات القمر" التي تُرجمت إلى الإنجليزية والتي حصلت على جائزة "مان بوكر"، ورواية "تغريبة القافر" لكاتبها زهران القاسمي التي فازت بجائزة البوكر في نسختها العربية ورواية "الحرب" التي فازت كذلك بجائزة كثارا للرواية العربية. أكدت أن الأدب العماني قادر على المنافسة في الساحة الدولية، مع احتفاظه بخصوصيته الثقافية التي تعكس روح المكان والإنسان.
وفي الختام، فإن الأدب العماني في ظل التحولات الاجتماعية والثقافية يمثل شهادة حية على قدرة الثقافة العمانية على التكيف مع المتغيرات دون أن تفقد هويتها. باعتباره أدبا يجمع بين عبق الماضي وروح المعاصرة، ليؤكد أن الكلمة العمانية قادرة على أن تحفر مكانها في سجل الأدب الإنساني.
-
أيمن دراوشة : العلاقة بين الأرض والإنسان كانت دائمًا محورًا رئيسيًا في الأدب العماني الحديث
وينتقل بنا الناقد الأردني أيمن دراوشة ليحدثنا عن الخصائص الفنية في الأدب العماني الحديث فيقول: تتجلَّى الخصائص الفنية في عمق مسيرة الأدب العماني الحديث، حيث أضافت بُعدًا جديدًا إلى الفضاء الأدبي العربي. فهي ليست مجرد تراكمات لغوية أو صور مجرَّدة، بل هي طيور تسافر عبر الزمن لتروي حكايات الأجداد والأحلام، وتنسج معها خيوطًا من الثقافة العمانية الأصيلة التي تجلّت في كل تفاصيل الأدب.
ولا يقف الأدب العماني الحديث عند حدود الزمان أو المكان، بل يتنقَّل بين ثنايا الواقع والمتخيَّل، ليجسد معاناة الإنسان العماني وهمومه، بعمق فني يلامس جوهر الوجود. يتميز النص العماني الحديث باستخدامه للغة البسيطة، لكنها ذات دلالات عميقة، حيث يترك الشاعر أو الكاتب للقراء فسحة للتأويل والتفسير، بل إن العبارات المنطوقة تتسلَّل إلى الأعماق دون أن تترك وراءها سوى أثر دائم.
وتتجلى في الأدب العماني الحديث روح التغيير والتحوُّل، وهو ما جعل الأدباء العمانيين ينحون نحو الابتكار في أساليب التعبير، ويبحثون في المفردات والتراكيب التي تجعل من الكلمات لوحات فنية بديعة. وقد تكشف هذه الأساليب عن اهتمام بالغ بالرمزية، حيث يُستدلُّ عن المعاني الدقيقة من خلال أبعاد فنية لا تُقرأُ بسهولة، وإنما تكتسب معناها من تفاعل النص مع القارئ.
ولا يمكننا أن نغفل عن الدور الكبير الذي يلعبه التراث الشعبي في إثراء الأدب العماني، حيث تسهم الحكايات والأمثال الشعبية في تكوين هويَّة أدبية راسخة.
إنَّ العلاقة بين الأرض والإنسان العماني كانت دائمًا محورًا رئيسيًا في الأدب العماني الحديث، فالأرض التي يعتز بها العمانيون تشكل الملامح الكبرى للنصوص الأدبية، التي تصف وتُعبر عن جمالها، قسوتها، ومعاناتها. تلك الأرض التي تتحدث عن الأجداد، عن معركة البقاء، عن البحر والصحراء، تُقدِّم لنا أدبًا ذا طابع خاص، يشعُّ بالحنين والتجارب الإنسانية العميقة
وينوه: من الأدباء العمانيون نذكر على سبيل المثال لا الحصر الشعراء: سعيدة بنت خاطر وسيف الرحبي وصالح الفهدي وهلال بن سعيد العماني وغيرهم.
ومن الروائيين زهران القاسمي الفائز بجائزة البوكر العربية ومن مؤلفاته رواية القناص 2024، الكاتبة جوخة الحارثي ومن مؤلفاتها رواية سيدات القمر، بدرية البدري ومن مؤلفاتها رواية العبور الأخير 2017، محمد الجزمي ومن أشهر رواياته "الدماء تعود إلى مجاريها" عام 2012، توفيق الشحي ومن مؤلفاته مجموعة قصصية من أدب الرعب "إنه يبيع الموت" عام 2013.
ختامًا، يبقى الأدب العماني الحديث شاهدًا حيًّا على فترات التحوُّل العميقة في المجتمع العماني، حيث يُظلَّل النص الأدبي بظلال الشجاعة، القوة، والجمال الذي يتسرب من أعماق الأرض العمانية، ليكتمل بذلك هذا الإبداع الذي يلامس القلوب ويحفز العقول.
-
يونس بن مرهون البوسعيدي: الشِعر العُماني تجاوز بنصاعته وقوّته مرحلة الضعف في الشعر العربي
وينتهي التحقيق مع الشاعر والكاتب العماني يونس بن مرهون البوسعيدي فيحدثنا عن الشعر العماني ويقول: الشِعر العماني عريقٌ في أصالتِه، فالشواهدُ الشِعرية في أمّهات مصادر الأدب حفظتْ شذراتٍ لشعراءَ انتموا لجغرافيا عُمان الحضارية والتاريخية، خصوصا أن رقعة عُمان الحضارية مع اليمن وبطن الجزيرة العربية كانت موئل ومضارب قبيلة الأزد العربية الشهيرة، وقد ورد في ثنايا شِعر الأزد ذِكرُ عُمان، مما يعني بجلاء انتماء ذلك الأدب للأدب والثقافة العُمانية الحضارية.
يوضح: ومن أهمّ المصادر التي أشارتْ للأدب العماني شِعرًا ونثرًا كما يوردُهُ الباحثُ أحمد محمد عبيد في كتابه (شعراء عُمان في الجاهلية وصدر الإسلام) هي "كتاب أيادي الأزد لأبي عبيدة معمر بن المثنى، وكتاب تفرق الأزد لهشام بن محمد الكلبي، وكتاب أنساب أزد عمان لمحمد بن صالح النطاح، وكتاب أبي سعيد السكري المعروف بأشعار الأزد، والإصابة في تمييز الصحابة للحافظ ابن حجر العسقلاني، والمؤتلف والمختلف للحسن بن بشر الآمدي، ومعجم الشعراء للمرزباني والحماسة للوليد بن عبادة البحتري، وتاريخ الموصل ليزيد بن محمد الأزدي...إلخ)
ولم يكن ذلك الشِعرُ العُمانيّ عرضيًا أو هامشيًا، بل أشير لتفوّقه وجودته، وكمثلٍ نستشهد بالشاعر العُماني كعب بن معدان الأشقري الذي صاحب القائد العربي الأشهر المهلّب بن أبي صفرة وأولاده في حروبهم، وربما ربطهم في صحبتهم رباط الوطن، فقد اتفقتِ المصادر أنّ المهلّب عُماني الأصل، ولعل من أسباب ذلك أنه اختُص بمِدَح كعب حتى رُوِيَ عن عبد الملك بن مروان أنه قال للشعراء في بلاطه: تشبهونني مرة بالأسد، ومرة بالبازي، ومرة بالصقر، ألا قلتم كما قال كعب الأشقري في المهلب وولده (براك الله حين براك بحرا * وفجّر منك أنهارا غزارا) وفي كعب قال الفرزدق شعراء الإسلام أربعة: أنا وجرير، والأخطل، وكعب الأشقري.
يختتم: وسار الشِعر العُماني في نصاعته وقوّته غير معتَرفٍ بما صنّف نقّاد الأدب العربي عن مراحل الضعف في الشعر العربي في مراحله الزمنية، ولا مقتَنِعٍ بمدارِس الإحياء فهناك شعراءٌ عمانيون في تلك المراحل لم ينخفض أفقهم عن جودة الإبداع والسحر الشعري، ففي مرحلة الإحياء على سبيل المثال يبرز أبو مسلم البهلاني قامةً أعلى مع تلك الأسماء التي يؤرخ لها في تلك المراحل، ولكن يبقى أن عقدة عمان في جغرافيتها القصية وهدوئها الجمّ الطارد للضجيج، وسمتها النافر من التبجح والغرور، وحين أصبحتِ السماوات مفتوحة بسبب الإعلام المفتوح برز الشاعر العماني في المسابقات الشِعرية متوّجًا فيها باستحقاق وجدارةٍ مثبتًا ومؤشِرا على إبداع الشاعر العُماني في كافة مراحل الحضارة.
|