القاهرة 11 يناير 2025 الساعة 01:29 م

بقلم: د. حسان صبحي حسان
تؤسس المملكة العربية السعودية ملامح حداثية معاصرة لتشكيل وصياغة مشهد الفنون البصرية لتهيئة مناخ ابداعي ابتكاري وحراك فني نشط، عبر تخطيط ووضع الاستراتيجيات، وأبرزها الرؤية الطموحة التي أعلنها ولي العهد الأمير "محمد بن سلمان" ضمن الاستراتيجية الشاملة لرؤية 2030، والتي أطلقها في جوانبها الثقافية، بهدف استحداث الفرص لتنمية المجتمع وإطلاق طاقات أفراده، وتمكين المجتمع من التعلم والتطور في المجالات الأدبية والثقافية والاجتماعية والتكنولوجية، عبر إطلاق البرامج والمبادرات وعقد شراكات عالمية على أعلى المستويات، بما يؤهل للريادة في الفنون البصرية محليا وعالميا ووضع البصمة الفنية السعودية على خريطة الفن العالمية.
فالثقافة طريقة معيشة وجودة حياة وأحد أهم ممكنات جودة المجتمع، وتسطير مشهد ثري، عبر نهج تشاركي ركيزته وزارة الثقافة، وعدد من جاليرهات العرض الخاصة، لتزدهر المملكة بألوان من الثقافة، تسهم في تعزيز الهوية الوطنية، وتسطير ملامح للمشهد البصري المعاصر وتميز فنانيه وتدعمهم، عبر عزم فنانين نسجوا بأساليبهم ومواقفهم الفكرية صوره بالغة الثراء لهذا الفن في المملكة. حيث يمتلك"Gallery 015" بالرياض، الذي تمثله الأميرة "سارة بنت عبد الله أل سعود" مساحة من الفن والفنانين، وتقديم كل ما هو حداثي فريد، ينحاز(للاختلاف) في ساحة امتلأت بالأعمال الفنية والتجارب المنسوخة، والفرادة بما يتسق مع قفزات المملكة في المجال الثقافي، ونحت حاضر يصبو لمكانة عالمية، وحضور فاعل في المحافل البصرية العربية والدولية. ليأتي ما يقدمه "جاليري 015 “ ليؤكد على دور فاعل يمتد من اكتشاف المواهب وتدشين العروض الفنية، ومد الشراكات الفنية والثقافية، وتوثيق التاريخ والتراث، ليمتلك بذلك الفن السعودي (البصمه الدامغة) (والظهور المتمايز) في مشاركاته الخارجية.
• "نحو العالمية بروح عالمية" "خالد المطلق" وتوثيق المعالم السياحية والثقافية:
وكنوع من التقدير والإشادة بالمبدع السعودي وخبراته وقدراته، والتشاركية عبر قيم مضافة مع مؤسسات احترافية مكينة تثري مجال الفنون البصرية والتطبيقية، وإيصال المفهوم الأصيل للثقافة والتعريف بالفنون البصرية والمكتنزات التراثية والتاريخية لتسطير صورة ايجابية للمملكة العربية السعودية، والتعريف بثقلها الثقافي والاجتماعي. وبمناسبة المشاركة في مهرجان الخط العربي في محافظة (العلا)، اختارت "كريستال سانت لويس" العالمية، الفنان السعودي "خالد المطلق" لإبداع وتجسيد إصدار خاص بالمملكة العربية السعودية، مؤسس على توظيفات الخطوط العربية، التي تتناول أسماء مناطق ومعالم سياحية وثقافية، واستثمار (تقاليده وجمالياته وامكانيات التشكيلية والمعاصرة)، ومفاهيمه البنائية بالغة الإحكام الجمالية التعبيرية. لتوثيق التراث والمعالم السياحية والثقافية في المملكة، من خلال مزاوجة بين (أصالة الخطوط العربية كمفردات تراثية في تاريخ وبيئة المملكة- والمعاصرة التي تطرح تقنيات وأسلوبيات حداثية عالمية)، والارتكان لأساليب حداثية وتفكير فني ذو لغة بصرية عالمية تدعم التواصلية الدؤوبة الإيجابية، وتبرز حيوية الفن والثقافة السعودية في المشهد الدولي أمام الثقافات العالمية، في تواصلية وتثاقف وتلاقح للأفكار ونهضوية متفردة، ومد جسور التفاعل والحوارية، وتوسيع الآفاق وتحسين القدرة وتعزيز طرق التعاون والشراكات العالمية وتبادل المعارف والخبرات مع االآخر، والتفاعلية الإيجابية مع ثقافات فنية مختلفة.
والفنان "خالـد المطلـق" من مواليد مدينة أبها عـام 1981، حيث ظهرت بواكيره الفنية وشغفه الفني منـذ الصغر، لتدفعه التعالقية مع الوسائط التشكيلية والتجريب والتوليف وتلمس قوالب فنية متناوعة، تنقـل الفنان بيـن مجالات فنية عديدة مثل (الرسـم والتشـكيل بالطيـن ومحـاكاة الخطـوط مـن الجرائـد والمـج?ت) وانضم فـي سـن السادسـة عشـرة، إلـى قريـة المفتاحـة التشـكيلية، لتمثل المحطـة ا?ولـى التـي اندمج فنييا وفلسفيا مـع أطروحات فنية لمبدعين نابغين وتشـكيليين ومصوريـن، حيـث كانـت القريـة براحا ابداعيا ومناخا مواتيا لفنانـي المملكـة فـي فتـرات الصيـف، عبر أنشطة وفعاليات فنية ومعارض وورش وندوات حوارية ثقافية شـارك فيهـا الفنـان بعـرض أعمالـه. ومـن أهـم تلك الـورش الفنيـة- ورشـة للفنان الراحـل الرائد "عبدالحليـم رضـوي" في صيف عام 1999. ثم توالي بعد ذلك نهمه الفني ونبوغه ومشــاركاته الحيوية فــي المعــارض الفنيــة التــي نظمتهــا رئاســة رعايــة الشــباب داخــل وخــارج المملكــة.
وعــن تجربــة الفنــان "خالــد المطلـق" فـي مجال (الحروفيـات) فقـد اجتذب الخـط العربـي وجمالياتـه ود??تـه، دافعيته نحو الدراسة والتعمق الاحترافي كمبدع لديه قاعدية الصياغة، فبدأ بالتعلـم الذاتـي للخـط العربـي مـن الكتـب والمراجـع التـي تختـص بتفاصيل الحروف، ثم اتجه لكنف الخطاط الراحل "عباس البغدادي" في عام 2020، والتزود بخبرات رصينة في نسب المفردات وعلاقاتها وطرق الصياغة كممارسة وديناميكية تعرض مزاوجة بين أصالة الخطوط العربية كمفردات تراثية والمعاصرة، حتى نال منه ا?جازة.
والفنان "خالد المطلق" موهبة نابهة من جيل الشباب، وصاحب تجربة فريدة ذات سياق فني مؤسس على (امتلاك القدرات القاعدية والمنهجية لطرز الخطوط- والتفكير التأليفي بين المقومات التشكيلية والتعبيرية للخط العربي- والانفتاح على المعاصرة والعالمية التي تعكس وعي وقدرة وتفرد وخصوصية الفنان)، حيث يتعامـل الفنـان مـع كل عمـل كأنـه معزوفـة منفـردة بالحـروف واتصا?تهـا، سـواء كانـت مـن أبيـات شـعر أو جماليـات اللغـة العربية مثل الجناس والتطابق والتضاد والنحو والصرف.
• "كريستال سانت لويس" كإرث للأناقة والحرفية الفاخرة:
وتأتي شركة "كريستال سانت لويس" كصرح فرنسي، وواحدة من أقدم وأرقى دور صناعة الكريستال والديكور وأدوات المائدة والإضاءة والأثاث في العالم، لتصبح إرث للأناقة والحرفية الفاخرة، حيث تأسست عام 1586 في منطقة لورين بفرنسا، وتعود أصولها إلى ورش الزجاج في مونسثال، والتي حصلت على الاعتراف الملكي من قبل الملك لويس الخامس عشر عام 1767، مما منحها اسم "كريستالييري رويال دو سانت لويس"، ليعزز هذا الاعتراف الملكي نقطة تحول بارزة في مسيرة العلامة التجارية، داعما سمعتها في مجال الحرفية المتميزة والابتكار. فتمايزت "سانت لويس" بالريادة في فن الكريستال، حيث أتقنت تقنيات النفخ اليدوي للزجاج والنقش اليدوي على الكريستال، وهي مهارات لا تزال تمثل جوهر هويتها حتى اليوم. كما كانت من أوائل المبتكرين في استخدام الكريستال الملون والزخارف المزدوجة، مما دفع بصناعة الكريستال نحو مستويات غير مسبوقة من الفخامة.
وعبر تاريخ يمتد لأكثر من أربعة قرون، تظل كريستال سانت لويس رمزًا للفن، والتقاليد، حيث تعاونت العلامة التجارية عبر القرون مع مصممين وفنانين بارزين، مما أسفر عن مجموعات خالدة تتنوع بين كؤوس الشرب والثريات والقطع الديكورية والمشاريع المصممة حسب الطلب.
كل قطعة يتم إنتاجها يدويًا في ورش "سانت لويس" بفرنسا، حيث يحافظ الحرفيون على تقنيات تراثية أصيلة، مع دمج لمسات تصميم معاصرة. وتشتهر "سانت لويس" كجزء من مجموعة هيرميس (Hermès) المرموقة، بشكل خاص بمجموعاتها الأيقونية مثل تومي (Tommy) وثيسل (Thistle) وفوليا (Folia)، التي تعكس تراث العلامة التجارية مع جذب الأذواق العصرية، مما جعل "سانت لويس" مرادفًا للأناقة والرقي حول العالم، في القصور الملكية والفنادق الفاخرة، وكذلك المجموعات الخاصة، مع الحفاظ على حضور قوي في أسواق التصميم العالمية.
• الخطوط العربية بين التجديد الإبداعي وتأصيل الهوية الثقافية:
تميز الخط العربي ككيان ثقافي معرفي وكيان جمالي ابداعي بقدرات من الطاقة وإمكانيات تشكيلية خاصة وقدرة على النمو والتطور حسب ذائقة العصر وطبيعة المتلقي، مما أكسبه القدرة على فعل المعاصرة والحداثة، كخط فني، يدلل بجلاء على مهارة ومقدرة الفنانين والخطاطين وخصوصيتهم في ذلك القالب الفني المتفرد. والمعالجات الفنية والتعبيرية التي تم طرحها، حيث (المد الرأسي والأفقي للمدات، ومطاطية الحروف والتدوير وعمليات التقويس وقابلية ضغط الحروف، وتداخل وتشابك وتضافر الامتدادات والحروف، والتزوية، والعجم، وتوظيف علامات التشكيل، وقابلية التحوير) بما يحقق إحساس بصري ونفسي يدشن الايقاع النابض، كلغة للتواصل المعرفي والبصري الجمالي عبر مكونات مركبة وأنماط جمالية حيوية تمتلك التأثيرات الفاعلة في وجدانية وعقلية المتلقي.
ويمثل الخط العربي أحد أهم ركائز المقوم الفكري للحضارة والثقافة العربية، والمعبر الأول عن هوية الأمة الإسلامية والعربية، الذي يعكس عمق القيم والمفاهيم الدينية وثراء الثقافة العربية الموروثة، والموسوم بجماليات خاصة وتنظيمات هندسيه رصينة، فالخطوط العربيه ليست أشكالا مجازية تنطوي على معاني معينة وتؤدي وظيفة المقابل في اللغة فقط، بل هي في حقيقتها أشكال مجردة وأمثلة دالة على تجريدية واختزالية فصيحة وجمالية مطلقه لا ترتكن لتقليد عناصر محددة في الطبيعة وتشبيها بها، بل هي جمالية ذاتية في حركاتها وعلاقاتها وفلسفتها الشكلانية، وتشكيل بصري (لديه الحضورالقوي والانتشارية) وظف على الأسطح ثنائية وثلاثية الابعاد، جماليا ووظيفيا.
ويتطور الخط العربي عبر فنانين وخطاطين عرب لينسجوا منه لغة فنية ذات أبجديات خاصة شغلت الصدارة في الفنون الإسلامية، حيث شغلت صياغات الخط العربي مخيلة الفنان المسلم وفتحت له طاقات الإبداع، والمنطلق لإضافة بعداً جديداً للتراث العالمي الفني. ليحقق الخط العربي بذلك قيماً جمالية تشكيلية في تراكيبه ونسجيات حروفية، تحمل في ذاتها البصرية قيماً جمالية (استطيقية) رفيعة ومن طبيعة تجريدية خالصة. باعتبار أن الخط العربي وحدة دالة (علامة – شكلانية) ذات قيمة جمالية، معبأة بالدلالات الرمزية التلخيصية من منظومته التعبيرية الرسومية، ليتجاوز الخط العربي اللغة والشكلانية والوظيفة الكتابية فقط، لصالح توظيفه كعناصر بصرية، مؤسسة على (إيحاء الحروف وتحويرها لصياغه قالب فني تعبيري حداثي- والمزاوجة بين مدلول العبارات وبين شكلها التجريدي وتكاملها معاً في تكوينات معاصرة).



|