القاهرة 27 ديسمبر 2024 الساعة 01:59 م

كتبت: نهاد إسماعيل المدني
أقيم أمس أولى فاعليات مؤتمر “الرواية والدراما المرئية “، برعاية وزير الثقافة الدكتور أحمد فؤاد هنو، والدكتور أشرف العزازي أمين عام المجلس الأعلى للثقافة بمشاركة نادي القصة والجمعية البصرية لأصدقاء مكتبة الإسكندرية.
جاءت الجلسة الأولى تحت عنوان “تجربتي مع تحويل الرواية إلى دراما تليفزيونية”، تحدث فيها المخرج “ الكبير محمد فاضل عن تجربته.
أدارت الجلسة الدكتورة زينب فرغلي أمين عام المؤتمر وبدأت الدكتورة زينب فرغلي الندوة بسرد السيرة الذاتية للمخرج محمد فاضل وتاريخ أعماله الخالدة في الدراما المصرية.
وفي بداية حديثه وجه المخرج الكبير محمد فاضل كلمته موجهاً الشكر إلى الدكتورة زينب فرغلي لفكرتها العظيمة، لإتاحة الفرصة للأجيال القادمة من الكتاب لعرض موهبتهم، وأعرب عن سعادته بحركة النشر بمصر واستدل علي ذلك بوجود معرض الكتاب وأيضا اشتراك الناشرين المصريين بالمعارض الدولية العربية بنجاح منقطع النظير ، وأكد فاضل أن أساس الإبداع هو الكتابة ولا يوجد مخرج دون نص لذا يجب أن نحترم الدراما فهي لها قدسية بدليل أن الله استخدمها بالكتب المقدسة فالقرآن الكريم مليء بالقصص والحكي، وأن الله الخالق وضع بداخلنا الاهتمام والإنصات للحكي لاستخدامها كصيغة لنقل المعلومات والحكي والتحاور مع الله وبعضنا البعض فكلمة يقص أو القص وردت بالقران حوالي خمس وعشرين مرة ،فقصة سيدنا يوسف تعد سيناريو محكمًا وبه كل العناصر التي نحتاجها بالسيناريو بداية من إدارة حوار مباشر بين يوسف وأبيه وتعد الآيات نموذجا لكل من يريد أن يدرس سيناريو فيوجد بها نقطة الانطلاق حيث يوجد بالأحداث الغموض والخيانة والجريمة والتحول الدرامي والصراع والمصادفة التي تؤدي إلى انقلاب درامي محكم .وأضاف "فاضل":
النموذج الثاني للحكي في القرآن وجدناه في سورة الكهف فقال الله تعالي " إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى"صدق الله العظيم وتحمل نفس السورة قصة سيدنا موسى مع سيدنا الخضر وهنا يصنع نموذجا للتضامن في السيناريو والحوار ونتعلم من هنا إخفاء المعلومة للتشويق وإظهارها في الوقت المناسب. واستكمل بسرد قصة ذي القرنين وتعد نموذجا ثالثا: "وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا " فيعد نموذج يحتوي على الأكشن وتشكيل المواقف المتنوعة بالآيات الكريمة له هدف ليس الترفيه إنما الحكي هنا للتفكير والتدبرفقال تعالى: " فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ،" ومن هنا انصح كل أولادي وكل كتاب الدراما أن تكون نظيفة وليس المقصود أن تكون بدون صراع بالعكس فينبغي من إيجاد صراع بين الخير والشر، ولكن النهاية تكون "لعلهم يتفكرون"، فالدراما ينبغي أن تكون محمله بمبادئ ورسائل قوية للجمهور من خلال بطل حاول وتخطى وقدم رسالة بعيدا كل البعد عن ما يقدم من أعمال الشباب المحملة بالسنج والمطاوي وكأن داخل كل بيت مصري أسلحة وقتلة!
وأيضا الأعمال المحملة بأفكار بعيدة وغريبة على مجتمعنا وهذا كله تحت شعار حرية التعبير وعندما نريد أن نحكمه بقواعد نعد من المنبوذين.
واستطرد متحدثا عن أصول الدراما وهي بداية الكتابة منحصرة في صراع بين الشخصيات، ففي التاريخ نجد أرسطو في كتابه فن الشعر لتأصيل الدراما بدأ بالرواية، بالحكي عن طريق رواة يتحدثون عن شخصيات درامية، ثم تطور ذلك عندما جاءت فكرة المسرح والشخصيات الدرامية التي تتحول وليس رواة يتحدثون عن الشخصيات وكل هذا يندرج تحت رسالة مهمة يصبو إليها أرسطو وهي إعلاء قيم الحق والخير والجمال.
واستكمل:الرواية هي الأكثر تنوعاً بين الأشكال الأدبية لأنها غير مقيدة بقواعد فالشعر له قواعد كالقوافي والأوزان وحتى إن تخلى عن هذا في الشعر الحديث يجب أن يكون له إيقاع إنما الرواية حرة، تختلف طريقه تقديمها فمنها رواية تعتمد على حوار ومنها رواية تعبر عن حالة من الرومانسية، فمثلا روايات توفيق الحكيم بها جزء من الحوار ومن هنا تعد الرواية من أنسب المقومات لنسج وتقديم العمل الدرامي.
لي مقولة شهيرة عند تراجع العمل الدرامي وهي أن "الدراما التلفزيونية أدب" أي تعتمد على الأدب القصصي أو الرواية في كثير من صورها . وأوضح فاضل أن الدراما التلفزيونية في عام 1960 بدأت بالروايات: مثل خماسية الساقية لعبد المنعم الصاوي وهارب من الأيام وكلاهما من إخراج الأستاذ نور الدمرداش كذلك لا تطفئ الشمس مع إحسان عبد القدوس، وغيرها من الأعمال ويأتي بعد ذلك المزيد من الأعمال العظيمة لأسامة أنور عكاشة وغيرها من جيل العمالقة فبدأ عكاشة طريقه ككاتب روائي وفي عام 1980 قدمنا مسلسل وقال البحر وهي قصه مستوحاة من أسطورة هندية وصنعه لها أسامه السيناريو واعلنا أنه مستوحى وهكذا يكون السيناريست الأمين، وهكذا فعلنا في مسلسل أبو العلا البشري وأكدنا أيضا أنها مستوحاه من رواية.
وعن الدراما المصرية الآن قال: أنا حزين لما وصلت إليه حال الدراما في مصر لعدم وجود مبدعين والاعتماد على "الورشجية" وكتابة الورش في الأعمال الدرامية المقدمة الآن مما يؤدي إلى كتابة تتشابه غير متفردة فالكتابة عمل فردي وفي الدراما التلفزيونية يتعاون عدة مبدعين كل متميز في مجاله، ولذا نحرص على تقديم المؤتمرات لتنمية الوعي بأن الرواية هي عماد الدراما.
واختتمت الدكتورة زينب فرغلي لقاء المخرج الكبير محمد فاضل بكلمة للحضور قائلة:
كثيرون من المحطين بي تساءلوا لماذا اخترت موضوع يخص الرواية والدراما، والآن سأفصح عن هذا فأنا مدرس بالجامعة، أدرس النقد الثقافي وأسمح لطلابي بمناقشتي في السياسة والاقتصاد والاجتماع وأدركت أن كل النماذج التي يشاهدونها على الشاشات تعد نماذج سلبية يراها الطالب فيصاب بالإحباط، ولذا اعتبر المؤتمر بمثابة صرخة للمخرجين والمنتجين والكتاب للرجوع إلى الرواية لأنها تستحق فيوجد الآن مسلسلات تحمل فكرا مختلفا وغريبا عن مجتمعنا مثل المساكنة وغيرها فلماذا نصدّر للشباب هذا الفكر الخطأ، فيجب أن نناقش أفكارنا وعاداتنا وتقاليدنا حتى لا تتلعثم القيم فيجب أن نحافظ على الثوابت ولا ندمرها ونصنع وعيًا جديدا للمجتمع فالدراما مؤثرة في الشباب لذا لا يجب ان تختل القيم والمبادئ بتقديم دراما غير هادفة.

|