القاهرة 10 ديسمبر 2024 الساعة 10:32 ص

عاطف محمد عبد المجيد
إن التصور الأساسي وراء هذا الحظر الشامل ضد صفوة المثقفين والمبدعين كان هو: إذا كنا لا نستطيع أن نُدخل هؤلاء الكتّاب إلى السجون لأنهم لم يرتكبوا جريمة، فإننا يجب أن ندخلهم إلى سجون النسيان الأدبي. إن أسماءهم سوف تبهت يومًا فيومًا في ذاكرة الشعب، ويمكننا بطريق التكرار والإلحاح أن نفرض أسماءنا نحن على الحياة الثقافية، وعلى الأجيال الجديدة من الفاشلين.
هذا ما يقوله الشاعر الراحل أمل دنقل في مقاله الثقافة المصرية في المنفى الذي يضمه كتاب ببليوجرافيا أمل دنقل، من إعداد وتقديم عبلة الرويني، وصدر مؤخرًا عن مجموعة بيت الحكمة للثقافة، وفيه يجد القارئ كل ما يتعلق بمسيرة أمل دنقل الحياتية والشعرية.
في تقديمها لهذا الكتاب تقول عبلة الرويني إنه جهد سنوات، وجهد باحثين حرصوا جميعًا على إمدادها بكل ما نشر لهم من كتب، دراسات، أبحاث، ومقالات، حول الشاعر، وبتراكم المواد البحثية والكتب والدراسات التي أُعدت عن أمل دنقل كان من الضروري إعادة ترتيبها وتصنيفها وفقًا لتسلسل تواريخ النشر بالصحف والمجلات المصرية أو العربية، إضافة إلى رصد الكتب والرسائل الجامعية التي صدرت حتى الآن، ذاكرة أن العمل في هذه الببليوجرافيا قد استغرق أكثر من عشرين عامًا، قبل أن يرحل الشاعر، وأن هذا هو التحديث الرابع لها، طامحة أن تقدم، في هذه الطبعة، عملًا أكثر دقة وصوابًا، إضافة إلى نشر ما كتبه أمل نثرًا، وإضاءة بعض التواريخ في حياة الشاعر، ترى أنها ضرورية للباحث في أعمال وحياة أمل.
في هذه الببليوجرافيا نجد تواريخ وأحداث حياة أمل دنقل الذي ولد في العام 1940 في قرية القلعة مركز قفط محافظة قنا، بينما مات أبوه وهو في العاشرة من عمره، ونشرت أول قصيدة له في مجلة المدرسة عام 1957، وتتوالى الأحداث والتواريخ حتى نصل إلى يوم الواحد والعشرين من شهر مايو من العام 1983 حيث هو يوم رحيل أمل دنقل في الغرفة رقم 8 بمعهد السرطان، كذلك نجد عناوين أعماله الشعرية بداية من ديوانه البكاء بين يدي زرقاء اليمامة، مرورًا بتعليق على ما حدث، فمقتل القمر، ثم أوراق الغرفة 8 وأقوال جديدة عن حرب البسوس، فانتهاءً بأعماله الكاملة، ونجد أيضًا أسماء الدوريات التي نُشرت فيها قصائد أمل دنقل ومقالاته النثرية، وبيان بتسجيلاته الصوتية، الموسوعات والكتب المترجمة التي ورد اسمه فيها، الكتب التي تناولت حياته وأعماله، الرسائل الجامعية التي اتخذت من أعماله مادة لها، المقالات التي نشرت في الصحف عن كتاباته.
الكتاب يضم، في الجزء الأخير منه، تسعة مقالات لأمل دنقل، منها مقاله الصمت بين صوتين، الذي يكتب فيه قائلًا: دائمًا الخوف من أن يكشف الآخرون كم أنت رقيق فيدوسونك بسنابكهم! إن الصمت النبيل الكامن يدافع عن نفسه بصوتين متنافرين، فهو يلفت الانتباه إلى الخشونة المتعمدة، التي يجب أن تبدو وكأنها لا متعمدة، حتى يضلل الناس عن الرقة الحزينة التي لوّحتها "شمس الأيام" "ودارت عليها، كالشمعة، يد الفنان فلا ترتفعان إلا إذا أمن عليها من جنون الريح!
بينما في مقاله عن صلاح عبد الصبور، واصفًا إياه بشاعر العصر، يقول أمل دنقل إنه الشاعر الذي تستطيع أن تتحدث معه عن أبي تمام، عن كفافيس، عن الخنساء، أو ليلى الأخيلية، عن كارولين دي موناكو في نفس الوقت، عن مقام الحجاز كار وعن موسيقى البوب، عن خمارات قطربل التي كان يختلف إليها أبو نواس وعن ساقي نوفابيان، مشيرًا إلى أن رأس صلاح عبد الصبور كان يحتوي كل العصور.أمل دنقل الذي كان يرى أن الحرية هي المستقبل، يقول إن الثقافة ليست في يد حفنة من أشباح الماضي، إنما في يد الأجيال الجديدة التي تبحث عن المعرفة الجديدة، التي تعرف أن العالم العربي الجديد لا بد أن يولد من خلال الفكر الإنساني الجديد، ومن خلال الديمقراطية الحقيقية التي يتعدد فيها أقطاب الصراع.
|