القاهرة 30 ابريل 2014 الساعة 12:55 م
كتبت: ميرفت عياد
احتمل السيد المسيح الآلام كفارة للفداء، لذلك فهي آلام فوق مستوى البشرية موجهة ضد الخطية مباشرة، ليست لمجرد غفران الخطية، وليست لمجرد المصالحة مع الله، ولكن لاقتلاع الخطية نفسها من أصولها، ومحوها، والإنقاذ من سلطان الخطية وسطوة الموت ، ولذلك كان الإيمان بموت المسيح على الصليب ليس لمجرد قبول غفران خطايا ولا المصالحة مع الله وحسب، ولا للحصول على البراءة أو التبرير، ولكن: لقبول نصرة على الموت، وعل سلطان الخطية، بقبول القيامة كحياة أبدية، حياة جديدة، خليقة جديدة بالروح القدس.
ويعد أسبوع الآلام أقدس أيام السنة, وأكثرها روحانية ، فهو أسبوع مملوء بالذكريات المقدسة في أخطر مرحلة من مراحل الخلاص, وأهم فصل في قصة الفداء ، وقد أختارت الكنيسة لهذا الأسبوع قراءات معينة من العهدين القديم والحديث, كلها مشاعر وأحاسيس مؤثرة للغاية توضح علاقة الله بالبشر. كما اختارت له مجموعة من الألحان العميقة, ومن التأملات والتفاسير الروحية.
ويبدأ أسبوع الآلام بسبت لعازر وهو السبت الذي أقام فيه الرب لعازربعد أربعة أيام من موته ، وكان هذا سبب تصاعد غضب كهنة اليهود لأن تلك المعجزة جعلت الكثيرين يؤمنون بالسيد المسيح ويتبعوه ، ويعد أحد الشعانين ذكرى دخول السيد المسيح إلى مدينة القدس، ويسمى هذا اليوم أيضا بأحد الزعف أو الزيتونة لأن أهالي القدس إستقبلت السيد المسيح بالزعف والزيتون المزين فارشينً ثيابهم وأغصان الأشجار والنخيل تحت أقدامه ، ويعرف خميس العهد بالخميس الكبير وهو يوم مقدس يسبق عيد الفصح وهو ذكرى العشاء الأخير للسيد المسيح مع تلاميذه ، وفي هذا اليوم غسل السيد المسيح أرجل تلاميذه ووعظ فيهم بأن يحبوا بعضهم البعض كما أحبهم هو وترك لهم وصيته ، وتشتهر جمعة الآلام باسم الجمعة العظيمة أو الجمعة الحزينة هو يوم احتفال ديني بارز وعطلة رسمية في معظم دول العالم، يتم من خلاله استذكار أحداث صلب السيد المسيح وموته في الجلجثة ودفنه .
المحاكمة والصلب
وتذكر الأناجيل رحلة الأم السيد المسيح حيث ضرب وأهين ولفق عليه شهود الزور وعقد السنهدريم اجتماعًا رسميًا بكامل أعضاءه وأقر عقوبة الموت لذلك سيق يسوع إلى بيلاطس البنطى المتواجد فى القدس للإشراف على الأمن في عيد الفصح ، وقام باستجواب يسوع مرتين وأرسله إلى هيرودس حاكم الجليل، وعبّر صراحة أنه لا يجد فيه ذنبًا، إلا أن الأحبار اتهموا يسوع بالثورة على الحكم وبالتجديف ومن هنا حكم على السيد المسيح بالجلد إلا أنه تحت ضغط الأحبار سلم ليصلب ، وقد خرج يسوع حاملاً صليبه من دار الولاية إلى تل الجلجثة، ولم يستطع أن يكمل الطريق بسبب الآلام التي ذاقها نتيجة الجلد بالسوط الثلاثي وما استتبع ذلك من إهانات وتعذيب من قبل الجند الرومان كوضع تاج من شوك على رأسه، فسخّر له سمعان القيرواني لمساعدته على حمل الصليب ، وفي الجلجثة صلب يسوع مع لصين ورفض أن يشرب خمرًا للتخفيف من الآلام التي يعانيها في حين وضعت فوقه لافتة تتهمه بوصفه "ملك اليهود " واستمرّ نزاع يسوع على الصليب ثلاث ساعات وفى الآخر مات يسوع، وتزامن موته بحوادث خارقة في الطبيعة إذ أظلمت الشمس وانشق حجاب الهيكل كما أعلن قائد المئة إيمانه به ، وقبل بداية مساء الجمعة وهو بداية سبت اليهود، أنزل يسوع عن الصليب بناءً على طلب يوسف الرامى ودفن في قبر جديد في بستان الزيتون .
رحلة السيد المسيح إلى أورشليم
لم يستح مارمرقس في أن يعرض قصة الصليب والفداء للرومان رغم عرضة السابق للسيد المسيح أنه الملك وأنه المعلم وما ركز عليه في إيضاح إلتفاف الشعب حوله وكثرة المعجزات وشفاء الأمراض المستعصية وإخراج الشياطين الكثيرة ، بل نجد على العكس خصص حوالى نصف إنجيله لهذا الموضوع فقد ذكر رحلة السيد المسيح إلى أورشليم وصلبه وقيامته ، فقد كانت قضية الصلب والقيامة بالنسبة له معادلة لباقى خدمة السيد المسيح ، وقد شرح القديس مارمرقس كيف سار السيد المسيح في طريقة للصليب بكل شجاعة وهيبة فسار بنفسه إلى أورشليم حيث يتآمر عليه أعداؤه وذهابه بنفسه إلى بستان جثسيمانى رغم معرفته بما سوف يحدث فيه ، وقد ركز مامرقس فى إنجيله على أن لا يصور السيد المسيح للرومان ضعيفًا في أيدى اليهود أو أن قصته قد انتهت بموته بل أظهر أنه قام وظهر لكثيرين فالقيامة هي سر القوة ، و لم يمُت مثله مثل أي إنسان يموت ولا يقوم ولكنه هو الإله المتجسد مات ليفدينا من خطايانا وينقذنا من حكم الموت الموقع علينا وقام ليقيمنا معه ويجلسنا معه في السموات .
أكثر العقوبات ترويعا
ويعد الصليب أكثر العقوبات ترويعا وقسوة وإثارة للاشمئزاز هكذا وصفوا هذه العملية البشعة لهذا الاختراع الجهنمى ساعات من العذاب البطئ الشديد يتلوى فيها الجسد العارى تلفحه الشمس الحارقة وندى الليل البارد والطيور الجارحة والعيون المستهزئة ، لقد بدأ الصلب كطريقة للاعدام بين الفرس لأنهم كانوا يعتقدون أن الأرض مقدسة وطاهرة أطهر من أن تتنجس بجسد مجرم أو قاتل لذلك كانوا يعبقون المجرم فى الهواء مسمرين أياه على الصليب ويتركونه يموت هناك ، وتقوم الطيور الجارحة والنسور بعد ذلك بنهش لحمه ، وعن الفرس انتقل إلى قرطاجة شمال إفريقيا ومنها إلى الرومان ، ولكن الصلب لم يكن عقوبة تسرى على أى رومانى مهما ارتكب من جرائم ، لقد كان عقاب العبيد وعقاب سكان المستعمرات فما كان المجتمع الرومانى يتصور روماني معلقا على الصليب ، كان الصلب عند الرومانيين من أشد العذابات المبرحة لما فيه من التشهير والعار الذى يلحق بالشخص المصلوب والآلام الشديدة حيث يبقى المصلوب معلقا ثلاثة أيام أو أكثر فيعتريه جوع و أرق و حمى من إلتهاب الجراح بحيث إن أدنى حركة يأتيها تسبب له ألما شديدة فى كل أجزاء الجسم .
صانع وملك السلام
وتدل قصة الفداء على عود الصليب على أن السيد المسيح هو صانع السلام وملك السلام ، وحينما قال السيد المسيح " من ليس له فليبع ثوبه و يشتر سيفا " لم يقصد مطلقاً السيف بمعناه المادى بدليل أنه فى وقت القبض عليه أستل بطرس سيفه وضرب عبد رئيس الكهنة فقطع أذنه اليمنى فقال له يسوع رد سيفك إلى مكانه لأن كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون ، فلو دعا المسيح لاستخدام السيف ما كان يمنع بطرس عن استخدامه فى مناسبة كهذه ، كما أن السيد المسيح شفى أذن عبد رئيس الكهنة على الرغم من أنهم جاءوا للقبض عليه ، وهذا لكى يظهر لليهود قدرته على كل شىء ورحمته الكبيرة ، ولكى يفهم التلاميذ أنه لا يقصد التسلح المادى بل التسلح الروحى بسيف الايمان و الجهاد ، موضحاً لهم أن معلمهم ليس بحاجة إلى مساعدات بشرية ولا هو يسلم نفسه للموت عن ضعف لأنه إن أراد أن يحارب الجمع المسلح الذى جاء للقبض عليه لاستطاع ذلك بطريقة سماوية ، معلماً إياهم بالتطبيق العملى كيف يواجهون الشر وكيف يحبوا أعدائهم ويحسنوا إلى مبغضيهم .....؟ أما استخدام السيف فهو دليل على الحقد والكراهية ، وإنما الدفاع عن الحق والايمان ليس بالعنف واستخدام السلاح والقتل بل بالمحبة والصفح والغفران .