القاهرة 28 يناير 2013 الساعة 10:49 ص
قصة /عزة بدر
تأججت أنفها كرة حمراء مستديرة .تدلت شفتها السفلى على ذقنها ملتهبة مشدودة الوثاق .. دوائر سمراء حلقت فوق حاجبيها .. وضعت دائرة من كريم ملطف بخفة على أنفها .. قطبت ثم ابتسمت - وكمان بلياتشو ! ..هتسمعوا نتشه ! .. وشوفوا هيعمل إيه .. قولوا هيه ! - اتسعت ابتسامتها وهى تنظر إلى ملامحها فى المرآة لم تصدق مافعله البحربها ! .. لطمها على خديها فلم تحرك ساكنا .. ضربها على ظهرها بسياط موجه فلم تفه بحرف دفعها إلى الوراء وإلى الأمام وهى تضحك جذلة لأمواجه .. لم تقاومه أبدا .. عضها فى شفتيها .. وهاهى تلتمس ملوحة شفتيه .. وضعت مسحة جديدة من بودرة التلك على جبينها .. ورسمت بأحمرالشفاه دائرة حمراء على أنفها .. رسمت زوايا جديدة لشفاه قديمة .. زوارق صغيرة تتسع عند الخدين تدمع وتبتسم هذا مافعله بها البحر فماذا فعلت هى به ؟ خرجت إلى مظلتها .. رمقته من بعيد يمارس نفس طقوس العشق مع أخرى وأخرى .. يضرب بأمواجه الصدور . العارية .. يقبل ويعض ويخمش ويقضم ولاتحرك إحداهن ساكنا .. عاتبة على البحر .. تزدرد صمتها .. كن لى . يابحر .. لا أفرط فيك ولا تفرط فى .. كن لى وحدى . اختزنك تحت جلدى وتحت جفنى وفوق هدبى وكحلى .. أركب معك مترو الأنفاق فلا تول .. أصعد بك السلم المتحرك فأتعثر فتأخذ بيدى .. دو .. رى .. مى .. فأقفز معك وأتعلم موسيقاك فتقفز أمامى ومعى وخلفى . كن لى يابحر فى نومى وصحوى .. تمطى فى سريرى واشرب معى شايا باللبن وتمدد فى صحنى حلوا ومشعشعا.
بالملح والسكر .. بغزل البنات وحلو الغناء وحلوالغزل . أسمع نداءك فأخضب أذنى بالحناء أبتنى بيتا لك ولى .. كن لى .. فتهمس من بعيد حاملا صندوقا زجاجيا مبطنا بالفضة من دورين ومرايا وعلى كفك بختى .. بسكويت هش كانت تختبىء فيه المليمات الحمرلجدتى ! كان العسل يمسك بها ولا يفلتها إلا إليها .. بسكويتك محلى بالعسل وأقراص الزبيب وحبات السمسم والبندق وكلها غارقة فى العسل . كن لى يابحر واهمس لى وقل لى كلمة سرك كما قلتها لجدتى .. فتتخطر حاملا صندوقك الزجاجى وتهمس : " فرسكا . . فرسكا " .. فأعدو إليك كاشفة صدرى .. أمد يدى إلى حلواك فتقرصنى فى خدى .. يتحلب ريقى فأطلب المزيد فتلوح بأقراص الزبيب مغموسة فى العسل . أعطنى يابحرملاليم جدتى الحمر .. كان العسل يمسك بها ولايفلتها إلا إليها . وهل تعرفين ماذا أعطتنى جدتك ؟ فأغضى . - وهل تعرفين بماذا كانت تنادينى جدتك ؟ - أعطنى ياروحى .. ياروح قلبى - تضحك .. ترشنى بالماء فأعدو خلفك .. أتعلق بجلبابك وأهتف : - - فرسكا .. فرسكا ! - فتستدير إلى حانيا مقطبا : - - أنت ثانية ؟ - نعم .. أنا ! - تشبهينها .. ولكنك لست هى - كانت لها ضفائر معقوصة كالتاج على رأسها .. كانت لها ضحكة رنانة وخلخال يسمع الخلائق صوته وهو يغنى .. أجراس أقراطها كانت تجلجل وعندما تعزف نوبة بالعود تسحر الخلق .. كانت نوبات عزفها تنتصر للجند .. نوبات موسيقاها لا تتوقف فيجالدون حتى النصر .. يثبتون للموت - - وأنا سأعزف لك يابحر .. بكى عودى حين كان غصنا .. بكى عودى على شجرة فاجتذب الطيور وامتص تغريدها . . فتستدير إلى حانيا : - أتعرفين عاقبة أمرك ؟ - أعرف ! - أنت التى جئت برجليك - أنا - أنت التى عدوت ورائى - أنا - ففتح صندوقه الزجاجى على مصراعيه أمامى .. صعدت دورين من زجاج ومرايا .. درت على السمسم فأكلت وعلى البندق فتنهبت وإلى الزبيب فاختزنت ما استطعت وفى البسكويت المرقق بالعسل دفنت صدرى .. علقت شفتى على الصندوق بمسمارين من أقراص الزبيب وصرت أدقها بحبات من البندق فيتناثر فى فمى جوز الهند أقبل جدار الصندوق الزجاجى وشفاهى مسمرة عليه .. وأرفع ناظرى إلى البحر .. إلى عينيه العسليتين أحدق فيهما فيبعدهما عنى .. أتعلق برقبته وأترك له جسدى فيمد يديه إلى منابت نهدى .. يكسر ثمار جوز الهند ويترشف .. تتفكك أوصالى وأترك له نفسى - - أعطنى يابحر فقد شغفتنى حبا مررأنامله .. غمسها فى العسل ورقرق ألف نهر فى جسدى همس وهو يغمض عينيه - كل الأنهار تجرى إلى البحر .. والبحر ليس بملآن فأيقنت أنها ليلة الوداع .. ليلتى الأخيرة معه ساعتها ألتقط شفتى والتقم حبات الزبيب .. ووشوشنى : " فرسكا .. فرسكا " فأيقنت بالهلكة .. سابت مفاصلى فعضنى فى خدى .. ترك خالا من فوقه فصرت أداريه بيدى وبأطراف ثوبى وهو يضحك جذلا .. يقهقه وهو ينصرف عنى بعينيه العسليتين وأنا أشخب عسلا ولبنا ودما ! - تعلقت بصندوقه الزجاجى .. فتحت قفله بأسنانى فوجدت حسانا يضربن بالعود ألحانا لم أسمعها من قبل .. ووجدتهن يخرجن إلى .. فى أيديهن أكياس وجرابات من الحرير الأخضر والأحمر ولكل كيس وجراب شرابة مذهبة .. تطل الحيات منها راقصة على صوت الموسيقى - قالت إحداهن : وهل تعرفين العشق يامخلوقة ؟! .. ثم ضربتنى على رأسى بفرع شجرة وهى تضحك ساخرة . - عود حور وقع من السما يابنت ! - واستلفتتنى أخرى .. أنا قوت القلوب حبة عينيه - ودارت من حولى أخرى وهى تهمس : - وأنا محبوبة .. عشقه الأول والأخير - ثم قصدتنى إحداهن فرفعتشالى الذى كنت أدارى به خدى .. جذبته جذبة واحدة وهى تتأمل خالى ! .. " وأنا زاهية البحر أنيسته وجليسته فى الليل والنهار .. صوت نفسه .. ونعمة الله عليه - أما هى فتقدمت نحوى صامتة .. بصت فى وجهى فعرفتنى وعرفتها .. كانت تخفى خدها بيدها .. تحاول أن تفرد شعرها لتخفى نفس الخال .. لقد عضها البحر مثلى وكانت لاتزال تشخب عسلا ولبنا ودما ! . - توارت عنى وأنا أهتف بها : - - جدتى ! - أما هو فقد التفت إلينا وبغتة أغلق صندوقه الزجاجى علينا .. حملنا على كتفه ومضى يتخطر .. يغمز بعينيه للحسناوات على الشاطىء .. فى بدنه رجفة شوق وفى عينيه جرة عسل وكان يهمس بصوته الساحر : - " فرسكا .. فرسكا " - أما كيف نزعت من أذنها غزل البنات ! وشالت الخلاخيل والأجراس وودعت وتودعت ؟ وماذا عزفت ؟ وعلام بكت فهى نفسها لاتستطيع أن تصف كل ما حدث ! - كانت ترتعد وهى ترى جدتها تستحثها على الهرب من الصندوق .. تلاحقت أنفاسها مبهورة .. تأرجحت مشاعرها بين الشوق إليه والرغبة فى التمرد عليه - حسمت جدتها الأمر .. فتلت ضفائرها الطويلة حبالا ناعمة .. ثبتت فى كل مجدولة بندقة كبيرة وفتحت الصندوق بليل .. تدلت ضفائرها الطويلة فى الفضاء الرحب .. دفعتها برفق للتعلق بالجدائل وكانت كلما اجتازت بكعبها العارى حجم بندقة تسمع نوبة عزف جديدة واستمرعزف الجدة موصولا حتى لامست قدماها الأرض .. ولكن صوته الساحر كان لايزال يتردد فى سمعها وفى قلبها : - - فرسكا .. فرسكا . ! .
|