القاهرة 19 نوفمبر 2024 الساعة 10:33 ص
تحقيق: مصطفى علي عمار
• هل تراجع دور الصحافة الورقية أم أن دورها ما يزال مؤثرا خاصة في صفحات الأدب والثقافة؟!
في ظل تراجع مبيعات الصحف الورقية على مستوى العالم الملحوظ بل مما يؤسف له أن أغلب الصحف تحولت إصداراتها إلى صيغةpdf وبعضها اكتفى بالنشر على الموقع الخاص بها، وهناك صحف أغلقت نهائيا بسبب أزمة انخفاض المبيعات، حتى تكررت خسائر الجرائد المالية في إنتاج الصحيفة وبيعها مما دفع رؤساء مجالس إداراتها لغلقها نهائيا..
فحاولنا طرح الموضوع للمناقشة مع كبار الكتاب والصحفيين في الوطن العربي، ومعرفة مدى تأثير هذه الأزمة على نشر الثقافة والأدب، ومدى تراجع دور الصحافة الورقية
وكانت أسئلتنا لهم:
هل ترى دورا مؤثرا للصحافة الورقية في نشر الثقافة والأدب؟ أم تقلص دورها بعد ثورة الإنترنت؟ وهل يمكن الاستغناء عنها مستقبلا؟! وما هي المقترحاتك لكي تعود كسابق عهدها منارة ثقافية وأدبية؟
• مجدي بكري: الثقافة الآن تم تهميشها تماما في الصحف
ابتدرنا الكاتب الصحفي المصري مجدي بكري مدير تحرير جريدة عالم الثقافة العمانية، الذي أكد على أهمية الصحافة الورقية قائلا: إن الصحافة الورقية ساهمت إلى حد كبير في خدمة الثقافة والأدب ونشرهما علي نطاق واسع، فلولا الصحف الورقية لما عرفنا رموز الفكر والأدب والثقافة، فقد كانت الصحافة دائما هي النافذة الرئيسية التي يطل من خلالها هؤلاء العمالقة العظماء ليسعدونا بإبداعاتهم وآرائهم، ولكن كان هذا في وقت وزمن ازدهار الصحافة وتألقها، ولكن تدريجيًا تم سحب البساط من تحت أقدام الصحافة الورقية فتم إهمالها تهميشها وانصراف القراء عنها، وأصبح باعة الصحف والمجلات في حالة يرثى لها جراء عدم الإقبال عليهم.
يضيف: ولم تكن الصحافة الإلكترونية وحدها هي التي قلصت دور الصحافة الورقية فهي هينة أمام المستقبل الرهيب الذي ينتظر الصحافة عموما سواء أكانت ورقية أو إلكترونية، وهو "الذكاء الاصطناعي" الذي يشبه الإعصار الذي ينسف كل شيء أمامه، فهو يفعل كل شيء، كتابة أخبار، وتصحيح، وتقديم تلفزيوني، وتأليف، وجرافيك، وصناعة أفلام، وهذا يعني أن دور العنصر البشري سيبدأ في التضاؤل والتلاشي أمام هذا الغول الذي يسمي الذكاء الاصطناعي.
وأعرب بأسى عن عودة الصحافة الورقية كسابق عهدها منارة ثقافية وأدبية قائلا: هذه أمنية بعيدة المنال على ما أعتقد، فالثقافة الآن تم تهميشها تماما في الصحف الورقية اليومية أو الاسبوعية، أما الصحف والمجلات الأدبية المتخصصة فنسبة مبيعاتها أصبحت ضئيلة جدا وهي مهددة بالإغلاق أو الدمج مع مجلات أخرى.
• المصطفى الصغوسي: الوقت ما يزال متاحا أمام الصحافة الورقية كي تمارس دورها في نشر الثقافة والأدب
فيم يرى الكاتب والناقد المغربي المصطفى الصغوسي أن الصحافة بما تحمله هذه الكلمة من نوستالجيا الزمن الجميل، زمن المصادر الموثوقة، زمن التكوين الرصين والصحفي المبدأ حيث للخبر قدسية وللمقال مقام تهتز له العروش والكراسي، سلطة رابعة ما كانت خاضعة أو راكعة، أخذت سطوتها من قيمة الحرف والكلمة، ومن قيمة الموثق والمكتوب والمدون على الورق، ومن اعتبارية الكتاب والمخطوط في كل الثقافات والحضارات، وهي اعتبارية لن تزول وإن كانت تفتر وتضعف.
واستطرد: الوقت ما يزال متاحا أمام الصحافة الورقية كي تمارس دورها في نشر الثقافة والأدب على الرغم من شراسة المنافسة في وقت سابق من الإعلام المرئي، وحاليا من الإعلام الإلكتروني سريع الانتشار واسع التداول فاقد الصدقية والموثوقية في كثير من الأحيان، خاضع لمنطق السوق والبوز والطوندونس والاستهلاك السريع، وهي نقط ضعف يمكن للصحافة الورقية أن تستغلها حتى لا يتم الاستغناء عنها من جهة، وحتى تعود إلى سابق عهدها منارة ثقافية وأدبية رائدة.
وعن مقترحاته قال: من مقترحاتي لتحقيق هذا المستقبل للمنشود للصحافة الورقية ما يلي:
- مصالحة الأجيال الناشئة مع الورقي ومع الكتاب من خلال إدماج هذا البعد البرامج الدراسية والتعليمية.
- إحياء مبادرات كانت رائدة داخل المؤسسات التعليمية والجامعة من قبيل مجلة الفصل أو المؤسسة.
- ترسيخ اشتراط النشر الورقي على طلبة الجامعات والمعاهد ومراكز البحوث من أجل نيل التسمية والاعتراف بالشهادة العلمية (ماستر ودكتوراه)
- عودة الأسماء الأدبية والثقافية الوازنة للنشر في الصحافة الورقية.
- الدعم المادي الحكومي وغير الحكومي للمنشور الصحفي والورق بعيدا عن منطق الولاء والهيمنة.
• شعبان خليفة: لو كان الاستغناء عن الصحافة الورقية ممكنا لاختفت في أمريكا و دول أوروبا
وأشار رئيس تحرير جريدة النهار المصرية الصحفي شعبان خليفة بأن: نشر الثقافة والأدب يتطلب تكاملا بين المقروء والمسموع والمرئي، وهو ما يعنى أن دور الصحافة الورقية هو الأول والمستمر ولا يمكن تقزيمه، فحتى المسموع والمرئي لا بد أن يعتمد على المقروء في إعداده، وليس بإمكان الإنترنت ولا الذكاء الاصطناعي ولا أي تطور جديد محو أو التقليل من دور الصحافة الورقية، والمؤثر الأكبر على الصحافة الورقية هو الاقتصاد وتكلفة الإصدار و إمكانيات القارئ ليشتريها، إضافة لعامل الأمية، ولو كان الاستغناء عن الصحافة الورقية ممكنا لاختفت في أمريكا ودول أوروبا من عشرات السنين، هي فقط فى حاجة لتطوير أولوياتها ومادتها وإخراجها والخدمات التي تقدمها، وهذا لا يأتي إلا من تدريب وحسن اختيار القائمين عليها والعاملين بها من حيث ثقافتهم ووعيهم وقدراتهم المعرفية والفكرية.
• سهير المصادفة: أصبح النشر الإلكتروني هو الأوسع انتشارًا
ووضحت الكاتبة والروائية د. سهير المصادفة دور النشر الإلكتروني قائلة: أصبح النشر الإلكتروني هو الأوسع انتشارًا، وعندما يُنشر لي حوار أو مقالة أو خبر عن رواية من رواياتي لا يُقرأ جيدًا إلا بعد نشره على صفحتي بالفيس بوك، حيث يتابعها الآلاف، أو موقع الجريدة الرقمي.
وقد عانت الصحف والمجلات وخصوصًا الثقافية من مشاكل كبرى في العقد الأخير، منها انغلاقها على نفسها ومحرريها، وانخفاض سقف الرقابة فيها، وذلك قبل أن يهمشها تدني مستوى التوزيع وعزوف جمهور القراء عن شراء الجرائد والمجلات الورقية، بالإضافة إلى السهولة والحرية التي يتيحها النشر الإلكتروني.
أضافت: على كل حال، هذا تطور تكنولوجي طبيعي في أدوات ووسائل الكتابة والنشر، وقد اعتدنا عليه منذ فترة طويلة، فهو لغة الشباب الأكثر قراءة، وقد تحولوا إلى القراءة إلكترونيا بالفعل، نعم، يمكنهم أن يشتروا الكتب الورقية، ولكنهم لا يهتموا مثل جيلنا بالاحتفاظ بالجرائد والمجلات، وفي الواقع كنا على حق، وهم الآن على حق، ففي مكتبتي أعداد مهمة من مجلات الرسالة والزهور وأبولو، التي تم إعادة طبعها في التسعينيات، وكم أدهشتني ملفات ومواضيع هذه المجلات المؤسسة، التي لا يمكن الاستغناء عنها، بل كل ما طرحته من قضايا ومعارك ثقافية كبرى ما زالت أصداؤها تتردد في واقعنا حتى هذه اللحظة، مثل الأصالة والمعاصرة، وأسئلة الثقافة العربية، والنثر والشعر، والحداثة، وقضايا التعليم، وحدود حرية التعبير، إلى آخره.
• أيمن الدراوشة: لا أرى أي دور للصحافة الورقية في نشر الثقافة
أما الناقد الأردني د. أيمن دراوشة فقد نفى دور الصحافة الورقية في ظل انتشار المواقع الإلكترونية قائلا: لا أرى أي دور للصحافة الورقية في نشر الثقافة والأدب خاصة بعد طغيان المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل على الساحة الثقافية، حيث أصبحت المواد التي تنشر بالصحف والمجلات الورقية مواد تافهة وضعيفة ولا يقرأها أحد، خاصة الصحف المجانية، أما الصحف والمجلات التي تمنح مكافآت فليست بأفضل لأنها تعتمد على المحسوبيات والواسطات والنفاق الأدبي والاجتماعي، من يقول إن الورقي ما زال حاضرا لا يرى أبعد من أنفه، فهذا التحول من الورقي إلى الإلكتروني أضعف الورقي وجعل من هب ودب يكتب وينشر المواد الركيكة والهزيلة في تلك الصحف والمجلات، كما انعدم التدقيق للمواد، ومن المؤسف أن يتحول الناشرون ومسؤولو المجلات والصحف إلى تجار همهم الكسب المادي وليس المحتوى المكتوب، فهناك مجلات تسمي نفسها محكمة ينشرون لك مقابل أن تدفع نقودا بدلا من أن يدفعوا لك، صراحة لقد وصلت الثقافة الورقية إلى الحضيض، وبظهور مواقع الفيديوهات مثل التيكتوك ولايكي وكواي فقد قضي على الورقي نهائيا، فلم تعد طباعة الكتب إنجازا ولا النشر بالصحف إبداعا.. التحول الإلكتروني حوّل المثقفين إلى إقطاعيين همهم الوحيد الربح المادي.
وعن مقترحاته قال: أما مقترحاتي ليعود الورقي لسابق عهده فهو إلغاء النشر الإلكتروني، وهذا مستحيل طبعا فالعالم في تقدم وليس تأخر، كما أن كل شيء أصبح إلكترونيا حتى المعاملات الحكومية والبنوك، فلا يمكن مثلا أن نعود لعهد الطوابع البريدية والرسائل الورقية والموبايلات القديمة.. الورقي انتهى شئنا أم أبينا، ومعارض الكتب ليست سوى فلكلور وعادة، وسوف تلغى قريبا.. لا أنكر أن قراء الورقي موجودون لغاية الآن لكنهم نادرون وإن شاهدهم أحد اتهمهم بالتخلف.. أكرر قولي أن المسيطر الآن هو المادة المرئية الترفيهية مثل الأغاني والألعاب وفيديوهات الفضائح، أما الثقافة المفيدة والجادة فعليها السلام..
• بدوي الدقادوسي: لا يمكن عودة الصحف الورقية لسابق عهدها فالتطور حتمي ولكل مرحلة تقنياتها
واختتمنا بكلام الكاتب المصري بدوي الدقادوسي الذي أكد على اقتراب نهاية الصحف الورقية قائلا: نعم تقلص دورها جدا وتراجع بشدة، وأظن أن خطوة الاستغناء عنها صارت حتمية، وقد فعلت ذلك عدة صحف عالمية.
وعن اقتراح عودتها لسابق عهدها قال: إن اقتراح أن تعود لسابق عهدها مردود عليه تماما، فالتطور حتمي، ولكل مرحلة تقنياتها، والورق لم يعد من تقنيات المرحلة، والرسالة الصحفية الإلكترونية صارت هي البديل.
|