القاهرة 08 نوفمبر 2024 الساعة 09:39 ص
بقلم: د. علاء حافظ
الفن الشعبي هو حصيلة الثقافات الشعبية المتراكمة على مر العصور، وهو يتميز بالأصالة التي لها صفة الاستمرارية لأنه نتاج لتفاعل الشعب ووحدته، ومسايرته للتاريخ على طول و تنوع مظاهر حضارته الإنسانية.
إن القائمين على دراسة الفنون الشعبية ورموزها ومعتقداتها إنما يقومون على دراسة جوهر الإنسانية الناتج من تفاعل الأفراد مع مجتمعهم، فالفن الشعبي ليس فن الأميين أو الريفيين من أبناء الشعب، بل هو إنتاج أفراد من نسيج المجتمع يشعرون بكل ما هو كائن حولهم، ينفعلون بكل ما في المجتمع من ثقافة ولغة وفكر ونشاط إنساني، وينتجون الفنون الشعبية التي تعكس صورة هذا المجتمع دون افتعال، هو فن ملك للجماعة الشعبية.
* دلالة الرمز في الفن الشعبي:
من الناحية الفنية يعتبر الرمز لغة تشكيلية أصيلة يستخدمها الفنان الشعبي للتعبير عن أحاسيسه ومشاعر أسرته وانفعالاتهم، نحو ما يهز مشاعرهم من أحداث أو معتقدات أو أفكار، فالرمز تلخيص بلغة الأشكال لفكر وعقيدة الفنان، وتعبير عن أحاسيسه نحو بيئته، وهو عادة تمثل أحاسيس وانفعالات وأفكار وعقائد ووجهات نظر الجماعة الشعبية.
ويتجه الفنان الشعبي إلى الرمزية دون تخطيط مسبق، فهو عندما يختار رمزه الفني ويقوم بعملية تجريد للشكل فيحوله إلى خط، أو مجموعة من الخطوط، أو شكل هندسي بسيط، وعندما ينفعل بحادثة معينة أو موقف ما يبتكر شكلا يرمز به إلى هذا الموقف، ثم تتعارف عليه الجماعة فيصبح رمزاً يعيش على مر السنين.
فالأشكال لا ترتقي إلى رموز إلا إذا كانت محملة بالقيم الاجتماعية والثقافية والفكرية للبيئة، لأن الرمز ليس مجرد شكل في حد ذاته، بل يتصل بموضوع في حياة الفنان الشعبي وعاداته وتقاليده ومجتمعه، والمجتمع هو الذي يحدد قيمة الرمز ويضفى على الأشياء المادية معنى، فتصبح رموزاً ذات ارتباط وثيق بالتراث الشعبي.
* سمات رموز الفنون الشعبية:
رموز الفن الشعبي هى من ابتكار فنان يميل إلى الفطرة، بعيد عن الدراسة الأكاديمية، يقوم بتسجيل عناصره وأشكاله الممتزجة بمشاعره ووجدانه، ويعبر من خلالها عن مشاعر ووجدان الجماعة التي يشاركها أفراحها وأحزانها وردود أفعالها حيال أمور الحياة، لذا سنجد أن كثير من هذه الرموز تشترك في خصائصها مع فنون الإنسان البدائي، وأحيان أخرى تشترك مع رسوم الأطفال التي تتميز بالبساطة و الاختزال والنزعة الزخرفية، والتأثر الواضح بالتراث القديم والسير الشعبية التي تتضح في لغة الأشكال، والتعبير التلقائي والتسطيح والرؤية الممتزجة بالخيال والبعد عن الرسوم بالأساليب الأكاديمية (المنظور)، مع شيوع استخدام الوحدات الهندسية بمفردات تجريدية هندسية بسيطة نابعة من البيئة الشعبية.
* الرمز في الفن المصري القديم:
يتميز الفن المصري القديم بأنه فن رمزي فى معظم عناصره، فالأعمدة وتيجانها، والحوائط، والنوافذ، والبوابات العالية، كلها إشكال ذات دلالات تشير إلى موضوعات رمزية أسطورية، وأيضا قطع الأثاث كل قطعة لها دلالة ومحملة بالمعاني الرمزية.
- الرموز النباتيـــة: زهرة اللوتس، نبات البردي، أوراق النبات وسيقانها، وعناقيد العنب، وغيرها.
- الرموز الحيوانيـة: الثعبان، البقرة، الجعران.
- الرموز الكتابية: الرموز الهيروغليفية كان يصنع منها الأحجية والتعاويذ، ويعتقد بأنها ذات قوة سحرية يمكن أن تحمي من المخلوقات الخطيرة، كعلامة عين الحياة وأسفلها ريشة سوداء للوقاية من الظلم.
- الرموز والأشكال الهندسية: كالخطوط بأنواعها المنكسرة والحلزونية والمتوازية والتي ترمز للماء، والأشكال الهندسية كالمثلث، الدائرة، المربع.
- الألوان: استخدم اللون البني لتلوين أجسام الرجال، واللون الأصفر الباهت يرمز لأجسام الإناث، واللون الأزرق التركواز له علاقتة ورمزيتة الدينية وإرتباطة بالإله "أمون رع"، كما استخدم اللون الأحمر، الأصفر، الأسود، الأبيض، الفيروزي، والألوان الذهبية.
* الرمز في الفن القبطي:
من أهم سمات الفن القبطي أنه يميل إلى الرمزية للتخفي عن اضطهاد الرومان الذين كانوا متربصين بالأقباط على الدوام، ومن أهم الرموز الشعبية القبطية:
- رموز نباتيــة: كالعنب، سعف النخيل، نبات الزيتون، شجرة الحياة، نبات الغار.
- رموز حيوانية: الأسد، الجمل، الحصان، السمك، الثعبان، الحمل، الحمامة، الطاووس.
- رموز وأشكال هندسية: كالدائرة، والمربع، والمستطيل.
* الرمز في الفن الإسلامي:
الفن الإسلامي يحتوي على الكثير من الرموز والوحدات الزخرفية التي تختلف في دلالاتها الفكرية والجمالية، ولاسيما تلك المستعملة منها في العمارة والزخارف.
- رموز نباتيـــة: سعف النخيل، الزهور، شجرة الحياة، حبات الرمان وثماره، أوراق العنب، والنخلة رمز الخصب وهي محببة في الفن الاسلامي لأنها ذكرت بالقرأن الكريم، و ترمز إلى الوفرة، وهي من الأشجار المقدسة في الفلكلور العربي.
- رموز حيوانية: الأسد، الجمل، الحصان، السمك، الحمامة، الطاووس، الأفعى، الحرباء.
- رموز كتابيــــة: الكتابة بالخط الكوفي، بعض الآيات القرانية، والأدعية.
- رموز وأشكال هندسية: المربع، المعين، الدائرة، والمستطيل، رسوم وزخارف نباتية.
إن رموز الفن الشعبي المصري ومعتقداته على امتداد العصور التاريخية، منذ الحضارة المصرية القديمة والعصور القبطية والإسلامية استعارت من بعضها البعض، وتأثر كل عصر بالعصر السابق له، مع احتفاظه لنفسه برموزه الخاصة المحملة بالقيم الأصيلة.
والجدير بالذكر أن هناك العديد من الرموز الشعبية المشتركة على مر العصور مثل: النخلة، السمكة، الحمامة، الخطوط والأشكال الهندسيةكالمثلث، المربع، الدائرة، الهلال، النجوم، كما أشتركوا في رمزية بعض الألوان فكان استخدام اللون الأحمر، الأزرق، الأصفر، الأبيض، والأسود مع اختلاف دلالته في كل عصر.
|