القاهرة 07 نوفمبر 2024 الساعة 02:26 م
بقلم: د.حسان صبحي حسان
تتأطر قدسية الفن في هباته وعطاياه، كمحيط يروم لبناء الإنسان، ومنحه حرية التعبير عن المعاني العميقة، والاستقلالية، والقدرة عمدا على الإبداع والخيال لما هو أصيل، واستنشاق رحيق الإبداع، واستجلاء لغة يتخطى صداها اي عائق مادي (فالفن لغة لا تؤمن بالعراقيل والحواجز) وطرح يزاوج المضمون التعبيري بالمحتوى الفكري، للمخاطبة بحداثة مع عقلية المتلقي،وشق دروب واسعة المدي تتنامى فيها طرق التلقي والإدراك والاستقبال العاطفي والفهم لمقاصد وأفكار الفنان.
• سحر الشرق وجماليات الوجه الأدمي لدي"أشرف رضا":
"أشرف رضا" أستاذ ورئيس قسم التصوير ووكيل كلية الفنون الجميلة بالقاهرة، والمستشار الثقافي المصري بإيطاليا2008م، ورئيس قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة المصرية 2011م ،ومدير الأكاديمية المصرية للفنون بروما، ورئيس مجلس الأمناء بمؤسسة أراك للفنون والثقافة، ورئيس تحرير سلسلة ذاكرة الفنون2023م. وقد أقام العديد من المعارض الفردية داخل وخارج مصر.. منذ بواكيره قفز الفنان داخل الإبداع الطلائعي لبلورة رؤية شخصية متفردة حالمة تنطلق من فعل مستقبلي وجمالية، أعادت تفسير الفضاء والعلامات والرموز وتموضع الأشكال، في توكيد لحدثه الخاص، وتأمله المتعمق عبر سياقات فكرية وفنية، واستلهام الوجه الأدمي كشخصية رئيسة ومرتكز راديكالي في نصه الفني.
فعبر تنامي التقصي البحثي لديه في ذلك الجانب،مزج الدكتور أشرف رضا (الشكل-اللون-الضوء) وإضفاء صبغة نبيلة، ولغة عليا كتأويل وثني (للوجه الأدمي) وفق إعادة قراءة (ابستمولوجية)، والارتجال المبرر لتحليل طبيعة المعرفة وكيفية ارتباطها بمفاهيم مماثلة عبر الاستنادية لأسس فلسفية منهجية (كالاعتماد على العقل والمنطق كمصدر للمعارف والخبرة والتجارب الشخصيه، والديالكتيك المنبثق من التفاعلية بين الأفكار المتنوعة وانثروبولوجي الثقافات) للولوج للحقيقة والمعنى، واجترار دلالات أيديولوجية وأنطولوجية كركائز معززة للحسي الروحي والجمالي في سردياته البصرية.
وبشغف متعمق في مدارات التجريب الفني، جسدت السرديات البصرية للفنان"أشرف رضا" مظاهر سيمفونية وقصائد موسيقية مفعمة، تُقرأ بالبصر والبصيرة، وتدرك وجدانيا وحسيا وروحانيا، وتظهر قدرة مكينة على استحضار بنيات مشبعة بهوية مصرية ومعاصرة، ضمن مشاهد بصرية عابقة بسحر الشرق وجمالياته التي يأتي" الوجه الآدمي" في مقدمتها، حيث تشكل تلك المفردة شاغل فلسفي تعبيري، وأحد أهم القضايا الفكرية، والحيز التحليلي الفاعل الذي تجسدت تجلياته الحداثية في تياره الفني.
لينطلق بذلك الفنان "أشرف رضا" كفيلسوف وجودي يلتحم بعمق مع ممكنات الهوية الثقافية، والتواصلية مع الجذور، والتحرر من السطحي لصالح التجديد الراديكالي، وتصدير أمثولات فنية قادرة على خلخلة الثوابت، وتلمس نوافذ تطل على الفضاء الآخر الخفي والكينوني في أعماله التي تحاور الجدران، وذلك عبر حساسية مفرطة في التعامل مع الكادر التصويري وتفاصيله، والطقس الشاعري الذي يبثه اللون، والافصاح عن طاقات وخبرات أسست بمزاجية عقلية معرفية منظمة، والنقائية في القبض على اللحظة الزمنية الحية في (الوجه الآدمي) بما يستنطق العين بصريا وحسيا، ويستفزها للقراءة والفهم والتأويل الأنطولوجي. فالفن لديه معادل للوجود بوصفه حقيقيا في تظاهراته الظاهراتيه مع مضمون متماسك تجاه ذاته.
• الخطوط المموسقة والصور الشعرية الملونة عند أشرف رضا:
يتكون سطح العمل لدى الفنان من مستويات سردية متتالية تميزها رهافة النسق، وتبدأ (بمستويات ابستمولوجية) تتلمس الحقائق والمعارف واختزال الأفكار وتشكيلها بخصوصية لونية (ومستويات غنائية موسيقية) تتسم بقوة الانفعال ودينامية التعبير الذي يفيض بصيرورة أثراها التجريب الحيوي (ومستويات تقنية) تصدر مستجدات تلخيصية تنحو عن التنميق، لصالح الانشغال بجرأة التعبير، بهدف استنطاق القدرات الإدراكية للمتلقي.
وشخصت المعزوفات البصرية للفنان "أشرف رضا" (وجوه آدمية) نتاج تنقيب تأملي وحس صادق، والنفاذ لأغوار الشخصية للقبض على أعماقها النفسية، وتجسيد الجليل باستخدام خطوط سوداء كنتوريه مناسبة رأسيا وأفقيا وحرة متموجة بكثافات متنوعة ومسارات تمزج (الصرامة- الرهافة)، (العقلانية-العاطفية الشاعرية) في تدليل على قدرات الفنان الرسومية، وترويض طاقة الخطوط ودلالاتها لبنائيات الوجه الآدمي، والنقائية وإظهار جمال التكوين، بما يدعم تأطير اللحظة، وتمرير الرسائل البصرية الخاصة في زجله الفني.
وعمد الفنان لاستحضار المعنى بتركيبات لونية متوقدة بانورامية تشخص الحالات الشعورية المختلفة للوجه الآدمي مثل (الفرح والحزن والغضب والقلق والاندهاش)، وتعزيز السرد الدرامي في العمل لصالح ألحان غنائية ملونة، حيث تنتقل الدرجات اللونية في رحلتها من (الأصفر للأخضر للأزرق للبرتقالي للبنفسجي للنيلي) ومن مناطق الإشراق والنهارية لمناطق الظل والإعتام، حيث يرتبط كل لون لدى الفنان بنغمة معينة وإيقاع يعضد التجربة الحسية والتعبيرات العاطفية.
وهو ما دفع الفنان لتدشين موسيقى عبر ممارساته التصويرية ترتقي لمدار روحي تدركه حاستي (البصر والسمع)، وتحويل الإيقاعات الخطية للاحتماء بذلك الجرس الموسيقي، والتغلغل في زادها الصيروري والتحليق بأجنحتها المفعمة والالتصاق بمداراتها، خلال تراكيب بالغة الذكاء رهيفة مشبعة بتمكن تقني في استخدام حلول أدائية تجسد مضمون أفكاره، ومغمورة بعبق سحري شديد الإيحاء يدلل على صفاء قلب الفنان وروحه الشفافة النقية.
إنها تراكيب وكأنها ايقاعات موسيقية، وتأليف ينتقل بين المقامات في تأليف موسيقي نابض عبر تنقلات متنوعة ما بين (التحول والانتقال الثالث بين المقامات والتحويل النسبي، والانتقال بين مقامين مرتبطين ببعضهما، والانتقال المفاجئ من مقام موسيقي لآخر بزخم التعبير العاطفي، مما يدشن التأثير الباقي القوي)، وإحداث التنوع وإضفاء طابع مميز متجدد والتفاعل التجاوبي مع مشاعر المتلقي ،وخلق عمق التجربة الموسيقية في أعمال الفنان لتتشابك في اتساق (الأبعاد السمعية والبصرية معا).
وينطلق التأليف الموسيقي لدى "أشرف رضا" من تأسيس مخزون مع ذات إيقاعات هارمونية ومهارات تقنية، وطرق تنظيم العناصر والبنية الكلية للعمل، بما يعمق التواصلية بين رسالة العمل ووجدانية المتلقي وبصيرته.
|