القاهرة 05 نوفمبر 2024 الساعة 10:33 ص
كتبت : هبة أحمد معوض
لماذا تخفت ذكرى أحمد شوقي عامًا بعد عام، وتخفت معها أصداء شعره؟ في عام 1963 طرح صلاح عبد الصبور هذا السؤال في كتابه حتى نقهر الموت، في مقالة حملت عنوان "ولقد ولدت بباب إسماعيلا"، وفي رده ألقى اللوم على الدراسات التي كُتبت عن شوقي، التي تتبعت أغراض شعره وتناولت وطنيته من عدمها، ولم تدرسه كإنسان.. فهل فعلًا خفت صدى أحمد شوقي وبهتت أشعاره؟
إن شوقي كان موهوبًا في مملكته الشعرية، التي أراد لها أن تصبح في أزهى صياغة وأداء، لكن مشكلته كمنت في كونه لم ينس شاعريته في كل أدبه، واعتمد عليها كأساس، حتى وإن أقحمها في النص، ولعله في شعره ذلك كان الامتداد المصري الأمثل للرؤية العربية للشعر، فقد كان سلفيًا لبس ثوب القدامى من البحتري وأبي نواس والمتنبي في اللغة والفكر، بنظرة شبابية، أظهر فيها مهارته دون شخصيته، لكن شاعريته هذه أيضًا كانت السبب في إخفاق مسرحه، فكما قال لويس عوض: إن فن شوقي المسرحي كان شعرًا كثيرًا ومسرحًا قليلًا، أو شعرا جيدا ومسرحا رديئًا.
ولعل مسرحيته مجنون ليلى هي أقرب مثال لذلك، ففيها عاد إلى صدر الدولة الأموية، أمام بادية نجد، حيث الحب العذري، بين قيس وليلى، وقصتهما الشهيرة في التراث الأدبي، التي نظمتها المسرحية في خمسة فصول، حول الحب، الذي يتحول إلى عقدة أكبر من أن يتحملها أي قلب بشري، لكنه -الحب- يتمكن من قلب البطل قيس منذ طفولته في جبل التوباد الذي شهد ولادة الحب، ونما بداخله وشبّ مع الزمن.
لكن هذا الحب الجنوني الذي يرتبط به حلم ينبغي أن يتوج بالزواج، لا تكون نهايته كذلك، حيث تقف التقاليد القبلية حائلًا أمامه، لكن الحلم يكبر شيئًا فشيئًا حتى يفضي إلى اللاشيء، ولا يتحقق، بل يودي بصاحبه إلى الموت حبًا.
لنجد أنفسنا أمام مسرحية تقول إن الموت حبًا في سبيل الأخلاق أهم من العيش بلا قيم، كما يظهر معنى كلمة التضحية، لكن هذه التضحية جاءت مؤلمة، وكأن شوقي تأثر بالمسرح الفرنسي الكلاسيكي، حيث اتخذ من مسرحه مدرسة للأخلاق، مثلما سبق وفعل كورنيي، إذ تضحي ليلى بحبها في سبيل تقاليد القبيلة، في الوقت نفسه الذي تظهر فيه النزعة الرومانسية، من خلال صورة الموت في نهاية المسرحية، فالمحب لا يموت، بل يغدو بين الملائكة.
وهذا ما جاء على لسان ابن ذريح:
يا ليل قبرك ربوة الخلد نفح النعيم بها ثرى نجدِ
في كل ناحية أرى ملكا يتنفسون تنفّس الوردِ.
إن "مجنون ليلى" مليئة بكل ما يمكن أن يضفي على البناء المسرحي قوة، من عمق وحديث وصراع وشخصيات وحوار.. لكن تبقى بعض الأبيات المقحمة عنوة فيها هي الأكثر طغيانًا عليها، وهذه الأبيات ليست بضعيفة، بل على العكس تمامًا، فمحتواها جمالي من الدرجة الأولى، لكنها كانت غير مناسبة الموضع، لا وظيفة لها داخل الأحداث، وهو ما جعل في النص عثرات تعوقه.
لكن مسرحية واحدة ليست بحكم منصف على ملامح فنه، لأن دراسته الحقيقية لا بد أن تؤخذ وفقًا للأربعة مجلدات من الشعر وكل المسرحيات التي وضعها، خلال عودته إلى السلف، وأيضًا محاولاته في التجديد.
وكما قال في مسرحيته: اصغوا لي إذن ثم ظنوا كيف شئتم بي الظنون.
والآن مع العودة إلى السؤال الأول حول أحمد شوقي وما بقي من أصداء سيرته، نجد أن أحمد شوقي ما زال حاضرًا، خاصة منذ أبدى عصريته وجدد صيغته وتجلت مفرداته وظهرت طبيعته، وإن كانت مجنون ليلى أخفقت في صياغتها، فإنها نجحت في بقائها واستمرارها حتى يومنا هذا.
|