القاهرة 24 سبتمبر 2024 الساعة 10:09 ص
بقلم: أمل زيادة
"ليس المهم أن يموت الإنسان قبل أن يحقق فكرته النبيلة، بل المهم أن يجد لنفسه فكرة نبيلة قبل أن يموت".
استوقفتني هذه المقولة، وتحديدا مفهوم النبل في حد ذاته.. ما الذي يجعل الشيء نبيلا؟ بل ما هي الفكرة النبيلة؟!
ولأن النبل لا يليق إلا بسكان كوكبنا التاني.. هؤلاء الذين آثروا البعد عن كل ما نعيشه ونعاصره من قبح وحماقات وتعصب وسخف.. لذا فسنظل نبحث معا عن النبل..
• "البحث عن الحب فكرة نبيلة"..
تجربة الحب في الإطلاق تجربة نبيلة، قد لا ترقى للمثالية المطلوبة، لكن مجرد تناوله من خلال الحكايات والأعمال الدرامية منتهى النبل، يكفي وجود قصة حب ملحمية لتستمر الحياة وننتصر على الظروف، لذا عاشت أسطورة الحب ليومنا هذا رغم انقياده المطلق للجنون.
• "البحث عن الذات فكرة نبيلة"..
رحلة البحث عن الذات من أصعب الرحلات التي قد نصادفها على مدار حياتنا، الغوص داخل أغوار النفس البشرية واستفزازها أمر مرعب، خاصة عندما نضعها تحت كافة الضغوط، اختبار لمدى صمودها وحفاظها على فطرتها أمام هجمة الآخر الشرسة التي يحاول تلويثها بشتى الطرق.
• "العطاء ومساعدة المحتاجين فكرة نبيلة"..
النبل في طريقة العطاء مشروع يصعب تنفيذه على أرض الواقع، يقع صاحبه بين شقي الرحى، هل يجاهر بالعطاء ليحث الآخرين على نفس الفعل؟! أم يكتفي بالعطاء سرا منعا للقيل والقال والاتهام بالرياء؟!
مهمة أخرى شاقة تحاول الاستمرار وسط أمواج الانتهازية والأطماع الفردية، التي قد تشكل عائقا أمامها كفكرة ومحاولة لإعادة التوازن بين طبقات المجتمع المختلفة.
كم من فكرة نبيلة ولدت وماتت على الورق؟! كم من فكرة جاهدت وحاولت الخروج لأرض الواقع ثم هربت مجددا للورق، لاكتشافها أنه لا وطن لها إلا أوراق الكتب وسطور كل قصة ورواية؟!
لم أتعجب حيرتي عندما طلب ابني مساعدته في البحث عن فكرة مبتكرة لعيد ليس له وجود أو معتاد، لكتابة تدريب عنه خلال أحد الكورسات التعليمية التي التحق بها مؤخرا ..
بدا الأمر يسيرا للوهلة الأولى، توقفت أمام الفكرة مليا، ثم بدأت في اقتراحاتي التي لم ترقه في البداية، أو اخبرني أن هناك آخرين سبقوه في الكتابة عنها!
أنارت رأسي فكرة "عيد الكتب".. ما أجمل أن يحتفل العالم بعيد الكتاب، يتاح من خلاله زيارة المكتبات مجانا عبر العالم، وتنظم الهيئات والمدارس والجامعات رحلات إلي أشهر المكتبات خلال هذا اليوم، يشارك كافة الناشرين في معرض مفتوح في أكبر الساحات بالمدن، تطرح كميات من الكتب للجمهور مجانا، يتواجد المؤلفين لمشاركة الجمهور هذه اللحظات النادرة..
على الرغم من أن فكرتي بدت معتادة كون رفاقه سبقوه وكتبوا عنها، إلا أنني سعدت كون هناك من فكر في تمجيد الكتاب خاصة الكتاب الورقي، لأنه يتعرض هذه السنوات لأزمات طاحنة تهدد وجوده، لذا أنصح الجميع بمحاولة اقتناء أكبر قدر ممكن من الكتب الورقية حتى ولو كانت مستعملة، لا لشيء، وإنما لندرة الدعم المطلوب لصناعة هذا المنتج المهم الذي تقتات عليه العقول.
يواجه الكتاب تحديات كبيرة وسط كل هذا الغلاء الذي يهدد استقرار أي سلعة، كونه انتقل من اعتباره منتجا رئيسيًّا على قائمة أولويات الأفراد، إلى شيء ترفيهي يمكن الاستغناء عنه!
اقترحت عليه أيضا إقامة أعياد للموسيقى، أو للقطط، أو للنباتات، لنكتشف أن الآخرين سبقوه في الكتابة عنهم.
اقترح صديقه فكرة عيد ليست نبيلة فقط بقدر كونها فريدة من وجهة نظري، فقد اقترح إقامة عيد لأصحاب الأذن الكبيرة!! مستشهدا بأن إحدى الدول الشرق أسيوية لديهم عيد مماثل!
راقتني الفكرة، فكم من شخص مختلف ظاهريا بيننا ويرى اختلافه عائقا قد يصل حد التعقيد والخوف من مواجهة العالم، فقط لكونه مختلف في المرآة!
كم شخص يرى أن كبر حجم أذنيه لا يتماشى مع تكوينه، بل ويراها إحدى علامات القبح التي قد تكون سببا في أذى نفسي ممتد!
على الرغم من حداثة الفكرة اعترض عليها ابني وشركاه، ليستقروا على الكتابة عن "عيد التاريخ المصري".. وجدتها أيضا فكرة نبيلة، فما أجمل أن نحدد يوما يخلد حضارة بلادنا، يسجل في الكتب ويرفق بالوثائق السياحية لأي بلد، ما أروع أن يكون يوما محددا خلال العام يكون مقصدا للأجانب من كل حدب وصوب، ويكون هدفًا رئيسيا لزيارة بلادنا خلاله.. فكرة نبيلة تعود بالنفع علينا جميعا، ولا تخدم فصيل بعينه..
هذا هو "النبل".. صفة نادرة ترتبط بمشروع أو حلم أو فكرة تخدم أكبر قدر من البشر بأقل الإمكانات، حتى ولو كانت اعتبارية.. يكفي ارتباطها بالنبل لتدوم، وهذا ما نطمح لوجوده على سطح كوكبنا.. الكوكب التاني.
|