القاهرة 11 يونيو 2024 الساعة 10:33 ص
بقلم: كاردر ستاوت Carder Stout الولايات المتحدة
إعداد وترجمة: د. فايزة حلمي
نحن نعيش في عصر الإدمان، إنه وقت الرغبة الجامحة والاستهلاك المفرط غيْر المحدود، يبدو أن المدمنين بكل مكان، نشير بأصابعنا إلى السكارى الذين يترنّحون في الشارع، ونلاحظ الفاسقين مدمني المخدرات الذين يتجولون خلف المباني المهجورة في الأجزاء السيئة من المدينة.
ربما يكون الإدمان قد تسلل إلى عائلتنا المباشرة والدائرة المُقرّبة للأصدقاء أيضًا، ربما عَمّة بعيدة ينتابها استعداد للقتال في التجمعات العائلية؛ بعد رشفات قليلة من النبيذ أو يدخن ابن أحد الجيران أنفاس نرجيلة في منزل الشجرة المجتمعي.
الأخت تحد من تناولها للطعام وتمارس الرياضة عدة مرات في اليوم، يتردد الأب على النوادي ويلتقي بنساء في الفنادق بينما تتساءل عائلته لماذا لم يعد للمنزل بَعد، هذا هو الإدمان الذي نتحدث عنه على مائدة العشاء ونهمس به في ساحة المدرسة، إنه النوع الصريح والمُحدّد، نعبر عن آرائنا القوية حوله وفي بعض الحالات نحاول المساعدة، هؤلاء هم المدمنون الظاهرون، هؤلاء هم الذين نعرفهم.
بينما هؤلاء هم الأشخاص الذين وصفهم المجتمع بأنهم مدمنون حقيقيون، فإننا غالبًا ما نغفل حقيقة بسيطة؛ وهي أننا قد نكون نحن مدمنين، مثل الكثير من المشكلات النفسية الأخرى، يَظهر الإدمان بدرجات متفاوتة من الخطورة، قد يتم التغلب على بعض الأفراد من خلال تياره القوي بينما قد يواجهه الآخرون بمهارة أكبر، قد لا تكون على دراية بميولك الإدمانية أو ببساطة تتجاوزها باعتبارها عيوب شخصية لا تشكّل تهديدًا.
• "الإدمان بداخلك بغض النظر عن المدى الذي تطورت فيه رُوحك."
الحقيقة هي أن كل مِنا لديه نفس الصفات التي تغذي الشراهة الكحولية وأنماط الأكل التقييدية والخيانة الزوجية، نعم؛ الإدمان بداخلك مهما تطوّرت روحك، إنه يكمن في نفسك ويقيّدك مع جميع الكائنات المُدمنة الأخرى في العالَم، الإدمان هو نموذج أصلي، هذا يعني أننا جميعًا نشارك طاقته في الجزء اللاواعي من نفسنا، إنه شعور نعرفه بالفطرة وهو مطبوع في حمضنا النووي، لا يمكننا التخلص منه إذا حاولنا.
إذن؛ ما هو الإدمان على أية حال؟ هذا سؤال أثار بعض الجدل في السنوات الأخيرة، فريق مِن علماء النفس المرموقين يعتبرونه مرضًا وراثيًا، بينما يجادل آخرون بأنه حالة مكتسبة ناجمة عن زخارف بيئة الفرد.
أنا أختلف بكل احترام مع هاتين النظريتين، باعتباري شخصًا واجه إدماني الخاص لأكثر من 30 عامًا، فقد تعرفت عليه جيدًا، في اعتقادي أن الإدمان هو ببساطة طاقة؛ إنه الطاقة التي تتدفق خلال الجسد وتستقر في العقل.
بداية؛ يُروَي الجسم بإحساس اللهفة ويملأ العقل بالأفكار الوسواسية، لن تتوقف هذه الأفكار المتكررة حتى يتم القيام بنوع من الفعل القهري، هنا مثال؛ هناك قطعة صناعة بيتي بزبدة الفول السوداني ورقائق الشوكولاتة متبقية في العلبة، وأنت تفكر في الأمر بلا هوادة، لقد أكلت بالفعل اثنتين ولا تزال جائعًا بأي حال من الأحوال، ولا يزال لديك الرغبة في تناول آخر قطعة، في الواقع؛ يصعب عليك التركيز على أي شيء آخر حتى تصبح في فمك، لقد خضعت للتو؛ للإدمان.
الإدمان هو عدم القدرة على التحكم في رغباتك في مواجهة العواقب السلبية المحتملة، أنت تحاول البقاء بصحة، وهذا البسكويت لا يتوافق جيدًا مع برنامج اللياقة البدنية المقترح، لكن لم يمكنك التحكم في نفسك لذا أكلته على أي حال، عندما يصبح هذا السلوك نمطًا؛ فأنت في خضم دورة إدمان.
• "في اعتقادي أن الإدمان هو ببساطة طاقة، إنه الطاقة التي تتدفق خلال الجسد وتستقر في العقل ".
يعتقد البعض أن الإدمان داء لن يُؤثر عليهم بشكل مباشر أبدًا، يميلون لممارسة معظم الأشياء باعتدال ويؤكدون على حياة نظيفة، واتفاقيات متوازنة، قد نصفق جميعًا لأولئك الذين يُغنُون أنفسهم بالمساعي الصحية التي تُغذي وتلاطف الروح، هذا لا يبعدهم عن تجربة الإدمان.
هناك بعض أنواع الإدمان التي قد لا تعتبر مؤذية، قد يندرج اعتياد ممارسة الرياضة بقلق شديد؛ ضمن هذه الفئة، يصرح الكثيرون أن التمارين اليومية الصارمة تساعد الجسد والعقل والروح بطرق لا تعد ولا تحصى، أنا أتفق مع هذا الرأي، لكن هناك خط رفيع بين ما هو صِحي وما هو مُؤذي.
طريقة جيدة لقياس علاقتك بالتمرين؛ أن تسمح لنفسك بأسابيع قليلة من الراحة، انظر كيف تشعر، إذا ارتفعت مستويات قلقك، وانخفضت ثقتك بنفسك، وأصبحْت ممتلئا بالرغبة الشديدة في متابعة جهاز المشي؛ فقد تحتاج إلى إعادة تقييم، هذا صحيح أيضًا مع إدمان العمل، هناك أشخاص مستهلكون بوظائفهم لدرجة أن كل شيء آخر في حياتهم يصبح ثانويًا.
إذا أصبح العمل دافعا قهريا يريحك مؤقتًا من الأفكار السلبية عن نفسك؛ إذن؛ قد يكون له تداعيات خطيرة، يمكن أن تصبح معالجا لذاتك مِن خلال وظيفتك، يمكن أن تعتمد عليه للشعور بقيمة الذات؛ بدلاً من تعلّم كيفية تنمية سعادتك الداخلية.
لكل تفاعل بشري هناك إدمان محتمل، هناك أشخاص مدمنون على السخرية؛ نادرا ما يتكلمون بكلمة جادة، البعض الآخر مدمن على المبالغة؛ لا يمكنهم سرد قصة دون إضافة المزيد إلى النهاية، البعض مدمن على غضبه؛ قد تراهم يطيرون في عاصفة رملية أرجوانية من الغضب السام، لا يمكنهم مساعدة أنفسهم لأن الطاقة المظلمة تعميهم.. (يتبع)
|