القاهرة 09 يناير 2024 الساعة 12:16 م
بقلم: عاطف محمد عبد المجيد
ربما لم يشغل الناس، العامة قبل الخاصة، من قبل ومن بعد، وعلى مدار عقود وعقود، كتاب قدْرَ ما شغلهم كتاب ألف ليلة وليلة، إذ شغلهم بمحتواه من قصص وحكايات يُعجب البعض بها ويرفضها البعض الآخر، بل يصل الغلوّ ببعضهم إلى المطالبة بمصادرة الكتاب وعقاب كل من شارك في طباعته وظهوره، لما يحويه، في نظرهم، من إباحية وألفاظ بذيئة وسوقية لا ينبغي أن توضع في كتاب، ويشغلهم كذلك حين يحاول البعض أن يصل إلى نسب نصه الأصلي، هل هو عربي، أم فارسي، أم هندي..وهكذا، وينشغل آخرون بكم مرة تمت طباعته، أو لماذا يرفضه البعض ويبارك صدوره كثيرون واصفين إياه بأنه الكتاب الذي طاف الدنيا بكامل أرجائها، وتمثّل فيه سحر الشرق، وتُرجم إلى معظم لغات العالم، إن لم تكن كلها.
كتاب ألف ليلة وليلة هذا، وكما هو معروف لدى كثيرين، يتضمن مجموعة من القصص والحكايات التي كانت تُروى في جنوب آسيا وغربها، إلى جوار حكايات شعبية تم جمعها وترجمتها إلى اللغة العربية خلال العصر الذهبي للإسلام.
في اللغة الإنجليزية يعرف هذا الكتاب بالليالي العربية منذ أن صدرت نسخته الإنجليزية عام 1706، وقد جُمع الكتاب على مدار عدة قرون، وشارك في جمعه عدد من المؤلفين والباحثين والمترجمين من غرب ووسط آسيا وجنوبها، ومن شمال أفريقيا أيضًا. في الأساس تعود حكايات ألف ليلة وليلة إلى القرون القديمة والوسطى للحضارات العربية والفارسية والهندية والمصرية وحضارة بلاد الرافدين، فيما كانت معظم الحكايات قصصًا شعبية ترجع إلى عهد الخلافة.
وما هو شائع في جميع النسخ الخاصة بالليالي هي البادئة، أو القصة المحورية عن الحاكم شهريار وزوجته شهرزاد الموجودة في كل الحكايات، وهناك نسخ مطبوعة لا تحتوي إلا على بضع مئات من الليالي وهناك نسخ تتضمن ألف ليلة وليلة وأكثر، وقد كُتب الجزء الأكبر من نَصِّ الكتاب بأسلوب نثري متضمنًا أحيانًا أبياتًا شِعرية تثير العاطفة مع ورود بعض الأغاني والألغاز بالكتاب.
هذا ويحتوي الكتاب على قصص وحكايات شهيرة كعلاء الدين والمصباح السحري، علي بابا والأربعين حرامي، ورحلات السندباد البحري السبع. ومن نسخ الكتاب القديمة النسخة التي ترجمها إلى الفرنسية المستشرق الفرنسي أنطوان جالان عام 1704، غير أن العلماء اختلفوا في ما بينهم في ما يتعلق بالنص الأصلي للكتاب، إذ يرى بعضهم أن أصله عربي، وبعضهم يقول إنه هندي، ويرى بعضهم أنه ذو أصل يوناني، فيما ذهب بعضهم إلى أن أصله يهودي، في الوقت الذي يرى بعضهم أن هذا الكتاب قام بتأليفه أشخاص كثيرون من بلدان وجنسيات شتى. هذا ويرى بعض المتخصصين أن كتاب الليالي قد طُبع بالعربية للمرة الأولى في ألمانيا عام 1825 وبعدها توالت طبعات الكتاب حتى إن أحدًا لا يستطيع أن يحصي عددها، غير أن من أهم هذه الطبعات طبعة مصطفى البابي الحلبي في مصر عام 1960.
هذا ونرى أن أول من اهتم بطباعة هذا الكتاب هم المستشرقون.ومن طبعات الكتاب الأخرى طبعة بولاق الشهيرة ذات الأجزاء الأربعة وهناك أيضًا طبعة برسلاو.
أما النسخة الأصلية، كما يرى البعض، والممنوعة من التداول لاحتوائها على مشاهد إباحية سردًا ووصفًا فهي طبعة مطبعة بولاق عام 1935، ويقال إنها موجودة في مكتبة جامعة تورنتو.
بينما يرى آخرون أن أفضل طبعات كتاب الليالي هي طبعة دار الكتب المصرية على الرغم من أنها طبعة غير مكتملة، وآخرون يقولون إن طبعة دار الخيال في مصر هي إحدى الطبعات المكتملة من دون أي حذف. غير أن كتاب الليالي كتاب سييء الحظ إذ دائمًا ما يُواجَه بالمنع والمصادرة وافتعال الأزمات نتيجة طباعته، ويتم هذا من قِبل بعض المتأسلمين الذين يُنصّبون من أنفسهم دروعًا تحمي الدين بغير حق، ويستندون في رفضهم للكتاب إلى أنه يشمل ألفاظًا ومشاهد جنسية لا ينبغي ذِكْرها أو ورودها في كتاب يُتاح للجميع بهذه الصورة الهادمة لأخلاقيات المجتمع على حد زعمهم.
وآخر أزمة تعرض لها هذا الكتاب حينما أعادت الهيئة العامة لقصور الثقافة طباعته في مجلدين، وحينها ثار خفافيش الظلام ضد الهيئة ودفعوا ببعض المحامين لرفع دعاوى قضائية ضد الهيئة ومسئوليها بسبب طباعتها لهذا الكتاب.
هذا وسيظل ألف ليلة وليلة مثار جدل كبير ما بين معجب بالكتاب وبمحتواه وبين رافض لا يرى إلا من زاوية واحدة وحارمًا نفسه من سعة الأفق ورحابة التفكير التنويري.
|