القاهرة 07 نوفمبر 2023 الساعة 11:42 ص
كتب: عاطف محمد عبد المجيد
ست سنوات من 1967 إلى 1973 حملت الكثير لهذا الوطن، فقد حولته من وطن مهزوم إلى منتصر.. هذا ما يبدأ به الكاتب الصحفي طارق الطاهر كتابه "الثأر من النكسة..سيرة ثقافية من 1967 إلى 1973" الصادر كهدية مع عدد شهر نوفمبر من مجلة الثقافة الجديدة، وفيه يقول أيضًا إننا في الوقت الذي كنا نتطلع فيه إلى بناء دولة قوية على المستويات كافة جاءت النكسة بما تحمله من دلالات انكسار، ليس على المستوى العسكري فقط، بل نالت من روح كثيرين آمنوا بثورة 1952 وقائدها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، مؤكدًا أن الروح المصرية لم تستسلم، حتى في أحلك الظروف، فهي روح قادرة على اجتياز الصعوبات.
هنا في "الثأر من النكسة" يروي طارق الطاهر حكايات الهزيمة والانتصار، الانكسار والصمود راصدًا الدور الكبير الذي قام به المثقفون والفنانون طوال سنوات المحنة، مؤكدًا أن الروح المثقفة لم تيأس للحظة، بل سعت إلى استخدام أدواتها كافة من غناء، وموسيقى، ورقص، وروايات، وكتابات، والأهم، يقول الكاتب، الخيال والأحلام من أجل تغيير الواقع، وأن تضع لبنة في بناء مجتمع كاد أن ينهار روحيًّا، بعد أن انهار معنويًّا وواقعيًّا عندما سُلب منه جزءٌ من أرضه.
في كتابه هذا رصد الطاهر مشروعات وفعاليات ثقافية ظهرت للنور بعد أيام قليلة من النكسة، كما توقفت عند محاولات البناء والتأسيس لفعاليات استمرت حتى الآن منها معرض القاهرة الدولي للكتاب.
هنا أيضًا يرصد طارق الطاهر اختلاف الرؤى بين الصحفيين الكبار وبين مسئولين بارزين، مثلما تعرض للأدوار الكبيرة التي لعبها الفنانون من أجل تدعيم المجهود الحربي، متوقفًا كثيرًا عند دور أم كلثوم، كما رصد الكثير من المفارقات منها انتخابات مجمع الخالدين، مشيرًا إلى أن كتابه هذا عبارة عن رحلة عاد بها إلى الوراء لأكثر من نصف قرن، متسلحًا، هكذا يقول، باطلاعه على أرشيف ضخم من الصحف والمجلات التي رصدت رغبة أمة في تجاوز محنتها، كما تسلح بوثائق، تنشر للمرة الأولى، وترصد لمجهودات فردية وجماعية ومؤسسية، تبرهن على قدرة الشعب المصري فيرسم مستقبله، من خلال مشروعات وأفكار ورؤى ثقافية وفنية، مر بها الواقع المصري الذي لم يستسلم للحظة لشعور الهزيمة، آزره مثقفون وفنانون وقيادات آمنوا بقدرة العمل الثقافي على عبور المحن.
هنا يكتب طارق الطاهر عن معارك سينمائية ومشاركات دولية تمت إبان فترة النكسة، عن تأسيس معرض القاهرة الدولي، وتأسيس أكاديمية الفنون، عن حريق الأوبرا، عن سرقات وقضايا ومحاكم، عن مشروع أم كلثوم المجهض، عن وزراء الثقافة من النكسة إلى الانتصار، مختتمًا كتابه بالكتابة عن المشروعات الرائدة، مذيّلًا إياه بملحق وثائقي.
هنا يتوقف الكاتب عند حدث ثقافي ذي دلالة كبيرة، وهو الاحتفال بألفية القاهرة الذي جاء في الثالث من يناير من العام 1969 بمثابة تجاوز ثقافي للمحنة العسكرية، على حد تعبير د. ثروت عكاشة وزير الثقافة حينها.
كما يتوقف عند إصدار وزارة الثقافة، بعد تسعة عشر يومًا من النكسة، لعدد من الكتب راعت فيها الظروف الراهنة حينها، كما يذكر هنا كذلك ما شهدته تلك الفترة من لجوء عدد لا بأس به من الفنانين إلى المحاكم لإثبات حقوقهم، غير أن القضية الأهم، يقول الكاتب، التي كسبتها جمعية المؤلفين والملحنين عندما حصلت على حكم نهائي يضمن لهم حقوقهم من بيع الأسطوانات، كما سجلت محاضر الشرطة عددًا من حوادث السرقات التي ارتبطت بشخصيات ثقافية، أو سرقة كتب، مشيرًا إلى حادثة اللص المثقف الذي سرق بيت وزير الثقافة.
كذلك لا ينسى الكاتب أن يشير هنا إلى رحيل د. طه حسين الذي كان واحدًا من ألمع المثقفين والمفكرين في الفترة من 67 إلى 73 رغم اعتلال صحته ومرضه المتكرر، إلا أن التقدير الكبير لمجمل حياته ومسيرته بدا واضحًا من الرغبة العربية والمصرية لحصوله على جائزة نوبل في الآداب، حتى أن جامعة الدول العربية تبنت محاولات ترشيحه للجائزة.
وفي نهاية هذه الرحلة التي عاد بنا فيها الكاتب إلى أكثر من خمسين عامًا إلى الوراء يُلقي الكاتب الضوء على عدد من المشروعات التي كُتب أمام بعضها عبارة "لأول مرة" مثل افتتاح معهد للترجمة الفورية بعد ثلاثة شهور فقط من النكسة، وانطلاق مشروع مسرح الشارع، ووضع خطة لعمل الثقافة الجماهيرية.
|