القاهرة 12 سبتمبر 2023 الساعة 01:59 م
كتب: صبري ممدوح
خرجت علينا جريدة اليوم السابع في ذكرى وفاة الكاتب الكبير نجيب محفوظ لتعلن عن انفرادها بنشر سيناريو فيلم عن القائد صلاح الدين، وهو فيلم (مُغاير) لفيلم (الناصر صلاح الدين) 1963، وأن الأستاذة أم كلثوم ابنة الراحل نجيب محفوظ صرحت بأن من كلف الكاتب الراحل بكتابة الفيلم لتمثيله وإنتاجه فريد شوقي؟!
ويعلق المحرر وصاحب السبق الصحفي أحمد منصور نائب رئيس القسم الثقافي باليوم السابع (إذن نجد أمامنا نتيجة واحدة وهى أن الروائي العالمي ربما انتهى من كتابة السيناريو الذى لم ير النور في عام 1960م تقريبًا).
وسنحاول جاهدين تفكيك الطرح الذى قدمته اليوم السابع لنقف على مدى صحته..
• صحة نسب الوثيقة لنجيب محفوظ
أول شيء وجب علينا طرحه هو هل تُنسب هذه الوثائق إلى نجيب محفوظ؟!
لم تذكر اليوم السابع شيئا عن آراء أي من نقاد نجيب محفوظ في هذه الوثيقة، كما لم تذكر رأي أي من الباحثين في المشروع الروائي للأستاذ، وهل ثمة رفض أو موافقة لها، أو حتى أحد من تلاميذه، وهذا أمر كان يتوقع من جريدة اليوم السابع والصحفي الذي اكتشف الوثيقة أن يسعى لتحقيقه؛ ضمانًا للموضوعية والمهنية، فهذه وثيقة مهمة كان من المفترض أن يتم عرضها على تلاميذ الأستاذ ونقاده والباحثين في مشروعه الإبداعي.
اعتاد نجيب محفوظ الكتابة على الورق المسطر، وخطه الذى وجدناه في رسائل متنوعة، ومنها خطابه الذي ألقاه الكاتب محمد سلماوي أمام الأكاديمية السويدية، ونشره سلماوي في كتابه "في حضرة نجيب محفوظ"، ورسائله التي نشرها الباحث الأدبي إبراهيم عبد العزيز في جريدة الدستور في عام 2018، وكلها تؤكد صحة نسب الوثائق التي نشرتها اليوم السابع إلى نجيب محفوظ.
• نجيب محفوظ السيناريست!
في ديباجات نشر وثيقة السيناريو في اليوم السابع ذكر المحرر شهادة الفنان فريد شوقي عن بداية التعارف بينهما في فيلم (جعلوني مجرمًا) الذى عرض للمرة الأولى في 18أكتوبر 1954، وأن فريد شوقي استعان به لضبط الشخصيات، لتميزه في رسم الشخصية بتفاصيلها، وبالفعل تم الاتفاق على ذلك مقابل 100 جنيه، ولكن مع نهاية تنفيذ الفيلم ذهب نجيب محفوظ ليرد الأجر الذى أخذه، وظن فريد شوقي أن الأجر لم يعجب نجيب محفوظ، ولكن الدهشة أن الروائي الكبير قال: «أنا تعلمت منك ومن الأستاذ سيد بدير ما هي عملية السيناريو، فأنا لو عندي فلوس أدفع كنت دفعت لكم أكثر، اللي ادتهولي لازم تاخده».
وشهادة فريد شوقي مقبولة، لكن هناك جزء وجب الإشارة إليه أن نجيب محفوظ قبل هذا الفيلم كتب السيناريو لخمسة أفلام وهم على التتالي الزمني:
المنتقم 1947، مغامرات عنتر وعبلة 1948، لك يوم يا ظالم 1951، ريا وسكينة 1953، الوحش 1954.
فكيف لنجيب محفوظ أن يُصرح لفريد شوقي بأنه تعلم منه ومن السيد بدير ما هي عملية السيناريو؟ في حين عمل نجيب محفوظ مع مخرج الواقعية صلاح أبو سيف في الخمسة أفلام السابقة؟! بل يذكر رجاء النقاش في كتابه (صفحات من مذكرات نجيب محفوظ) على لسان نجيب محفوظ:
(ذهبت إلى صلاح أبو سيف، وعرفت منه أنه يعد لفيلم جديد عن "عنتر وعبلة"، ويريد أن يكلفني بكتابة سيناريو الفيلم، وعلى مدار عدة جلسات متواصلة، علمني صلاح أبو سيف التفاصيل والدقائق في كتابة السيناريو) ويسترسل في الحديث ويعود ليؤكد:
(ثم أعطاني أبو سيف مجموعة كتب عن فن السيناريو فقرأتها بنهم شديد، كما قمت بشراء مجموعة كتب أخرى، ودرستها بعناية، حتى أتقنت هذا الفن) ص122
تضارب الشهادات وارد ولكن في هذ المقام وجب الإشارة من محرر اليوم السابع أن صلاح أبو سيف هو صاحب الفضل الأول في تعليم نجيب محفوظ فن السيناريو.
وبعد ترك نجيب محفوظ كتابة السيناريو، يحاول أن يقيم تجربته لرجاء النقاش في نفس الكتاب السالف ذكره فيقول:
(وفي أول فرصة للانسحاب من مجال الكتابة للسينما انسحبت غير آسف على ذلك) ويسترسل ثم يقول:
(تحولت نظرتي لهذا العمل-يقصد العمل للسينما-على أنه مجرد حرفة أو صنعة لزيادة دخلي المالي فحسب، بدليل أنني كتبت اثنى عشر عملا للسينما ولم أنشرها في كتاب أو أحتفظ بأصولها، بل لا أتذكر حتى أسماءها).
• تعاون فريد شوقىي مع نجيب محفوظ
أسس فريد شوقي شركة (العهد الجديد) للإنتاج الفني مع زوجته هدى سلطان عام 1952، وكانت باكورة إنتاجهما فيلم الأسطى حسن.
ويذكر فريد شوقي في لقاء متداول على اليوتيوب عن أول تعاون بينه وبين نجيب محفوظ لكتابة سيناريو لصالح شركته، كان في فيلم (جعلوني مجرما) 1954، وكان هذا هو التعاون الأول بينهما والأخير، ولم يطلب فريد شوقي من نجيب محفوظ كتابة سيناريو مرة أخرى إلا في واقعة ذكرها الناقد رجاء النقاش في كتابه (نجيب محفوظ صفحات من مذكراته وأضواء جديدة على أدبه وحياته)، ويلخصها رجاء النقاش في اقتراح قام به فريد شوقي إلى الدكتور ثروت عكاشة لكتابة فيلم عن المخابرات، فأسند عكاشة المهمة لنجيب محفوظ، وكتب نجيب محفوظ السيناريو، واستدعاه بعدها عكاشة إلى مكتبه، وطلب منه الذهاب إلى المخابرات لمعرفة رأيهم، وبالفعل يذهب محفوظ، وكانت وقتها أزمة رواية "أولاد حارتنا" أي بين عامي 1959 عند نزول الرواية مسلسلة في الأهرام وعام 1967 وقت نزولها من لبنان في كتاب، ولم تمانع المخابرات إطلاقا السيناريو، لكن لأسباب مجهولة لم يكتمل مشروع الفيلم.
• يوسف شاهين والناصر صلاح الدين
في فيديو متداول على اليوتيوب أذاعته من قبل قناة ماسيبرو زمان، يروي لنا المخرج الراحل يوسف شاهين عدة تفاصيل عن الفيلم، فيقول أنه أطول سيناريو في تاريخ السينما ومدته ثلاث ساعات ونصف، وأن كل من الكُتاب الثلاثة للفيلم كانت له رؤيته عن صلاح الدين، وأنا أيضًا كانت لي رؤيتي -الكتاب الثلاثة يوسف السباعي، نجيب محفوظ، عبد الرحمن الشرقاوي- وقد أخذ من يوسف شاهين سنتين ونصف عمل.
بل إنه في أثناء التصوير اعترض مدير الرقابة محمد علي ناصف على السيناريو ورفضه بحجة إغفال الفيلم الجانب السياسي والإنساني لدى صلاح الدين، وأن القصة ضعيفة، فتدخل الوزير الراحل "ثروت عكاشة" وأمر بتصوير الفيلم بعد أن تشكلت لجنة من مؤسسة دعم السينما لقراء السيناريو، وتم تكليف الأديب يوسف جوهر بمطالعة السيناريو، وكتابة تصوراته.
فإذا كان تاريخ العرض الأول للفيلم 25 فبراير 1963، فتكون بداية الإعداد للفيلم من منتصف عام 1960، فكيف تستقيم رواية محرر اليوم السابع بأن أديب نوبل كتب (السيناريو) الذى تم الكشف عنه في 1960؟!
• استنتاجات تقود إلى فرضيات مقبولة
إذن مع تفكيك فرضية كتابة السيناريو عام 1960، وأن من المستحيل أن يكتب نجيب محفوظ نسختين من الفيلم في عام واحد، نخلص من ذلك أن أبسط فرضية لهذا السيناريو، أن هذا العمل كتب ليوسف شاهين قبل إجراء عدة تعديلات مر بها الفيلم، منها الفنية والرقابية، وأعتقد أن كلاً من الكاتب يوسف السباعي وعبد الرحمن الشرقاوي قدما رؤية وسيناريو مختلفين عن بعضهما، وفي النهاية رؤية المخرج بالتوافق هي التي نُفذت.
|