القاهرة 29 اغسطس 2023 الساعة 01:15 م

بقلم: د. حسين عبد البصير
تعد الحضارة المصرية القديمة أطول وأغنى الحضارات في العالم، وأكثرها ثراءً وتنوعًا في كثرة وعدد وأنواع وتنوع الوثائق التي تركها لنا المصريون القدماء، ولقد اخترع المصريون القدماء الكتابة، ثم طوروا التسجيل والتوثيق لأعمالهم وآثارهم وأحداث حياتهم ووثائقهم بشكل مدهش.
انتشرت الكتابات والسجلات في مصر القديمة منذ بداية العصر التاريخي في مصر القديمة منذ حوالي عام 3200 قبل ميلاد السيد المسيح عليه وعلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم أفضل صلاة وأتم السلام. وتطورت السجلات في مصر القديمة بشكل كبير وفعال. وظهرت أهمية الكاتب في مصر القديمة بسبب تحقيق البلاد لفائض زراعي كبير في ظل وجود إدارة مركزية وفعالة في البلاد. وشهد عصر الدولة القديمة قبل الميلاد بناء الأهرامات. وكانت تلك المشروعات الرائعة والكبيرة شهادة على براعة المهندسين المعماريين والإداريين والكتبة المصريين القدماء في ذلك الزمن البعيد.
كانت عملية حفظ السجلات استجابة حقيقية لاحتياجات المجتمع المصري القديم. وعلى مدى آلاف السنين، خصب النهر العظيم أرض مصر، وجعلها واحدة من أكثر المناطق الزراعية خصوبة في العالم. لقد كان نهر النيل هو الضمان الأساسي للاستقرار الاقتصادي الذي سمح لسكان مصر بتحقيق كل شيء في حياتهم وتاريخهم واقتصادهم. وساهم موقع مصر المتميز في تقاطع العديد من طرق التبادل معها، وفي جعلها أيضًا واحدة من أهم دول العالم ذات المواقع الجغرافية الإستراتيجية المتميزة في العالم قديمًا وحديثًا. وأعطى ذلك أيضًا مصر مكانة محورية، وأكثر من ثرواتها. وكانت الجغرافيا والطبيعة كريمتين مع المصريين. عاش المصري الأصلي معترفًا بوجود أرض ثابتة وغير متغيرة، وهي مصر العظيمة. وقد تم إصلاحها الحدود الطبيعية، وهي منطقة منفصلة حتى عندما تكون في مركز إمبراطورية، أو مندمجة في إمبراطورية كمقاطعة.
كان لدى المصريين منذ أقدم العصور إحساس واضح ببلدهم كمكان له حدود محددة وسكان متجانسين. وتم تشكيل مصر من خلال الأحداث السياسية والاقتصادية القوية مع الاعتراف بوجود تأثير ضئيل أو معدوم لعوامل أخرى مثل تغيير الحدود أو وجود مزيج غير متجانس من السكان والثقافات. ونتيجة لذلك، قام المصريون بالحفاظ على أصول السجلات والمحاسبات أكثر من مجرد سرد قصة المال والأرقام.
إنها قصة تطور العالم من الأفكار البسيطة للتجارة المحلية إلى الأفكار العميقة والمعقدة للاقتصاد العالمي. وجاء الكثير من السجلات المكتوبة في مصر القديمة في شكل مستندات محاسبية من أنواع مختلفة. وكانت مدة الحضارة المصرية القديمة طويلة ومعمرة، فقدمت لنا بشكل استثنائي الفترة المصرية القديمة بكل وثائقها التاريخية والسياسية والاقتصادية والأدبية والدينية من خلال نظام اجتماعي يدل بشكل كبير على كيفية إدارة الدولة وكيفية نشأة المجتمع واستمراريتهما في مصر القديمة وما حدث لهما من تغييرات عدة عبر العصور.
لولا التوثيق، ما كانت مصر القديمة وما عرفنا الكثير من الأسرار والمعارف والعلوم والآداب والفنون والمعلومات عن مصر القديمة وحضارتها الخالدة. لقد تحقق مفهوم "الحضارة" في مصر القديمة كما هو واضح في الآثار المصرية القديمة من خلال إدخال الكتابة وثقافة التدوين التي اتخذت من المكان، مصر، في الألفية الرابعة قبل الميلاد، البيت الأول لها ونشأت الكتابة في مصر. وكانت الألفية الرابعة مرحلة مهمة ومناسبة في تاريخ التطور البشري ووصلت إلى مرحلة حاسمة في مصر. ثم ظهرت الأسس الاجتماعية في مصر بعد أن انفصل الإنسان عن العالم الطبيعي، وأصبح مزارعًا مستقرًا في وادي النيل. كانت الحضارة المصرية متماسكة الكيان وضمنت طول فترتها غير العادية لها مكانة خاصة في تاريخ البشرية. وخرجت حضارة مصر القديمة إلى الوجود بالفعل بشكل كامل في منتصف الألفية الرابعة قبل الميلاد. واختفت في النهاية في نهاية القرن الرابع الميلادي. ولما يقرب من أربعين قرنًا من الزمان امتلكت مصر جوًا من الاستقرار غير المتغير ونظامًا سياسيًا لم يتعرض للاهتزاز بأي شيء كثيرًا.
واعتمد تاريخ مصر القديمة، مثله مثل كل التاريخ، على إطار زمني متتابع. وامتدت مصر القديمة من حوالي 3200 - 332 قبل الميلاد. وتم تقسيمها وفقًا إلى ما جاء إلينا من وثائق مصرية عديدة إلى عدد من الأسرات، وضمت كل أسرة عددًا من الملوك، أو الملكات في بعض الأحيان، وكانت تجمعهم عادة عدة عوامل مثل القرابة أو موقع مقرهم الملكي الأساسي. وقد تم وضع ذلك التسلسل الزمني على أساس سياسي، ثم أصبح لاحقًا من الصعب التوفيق بين التغييرات الاجتماعية والثقافية التي تم الكشف عنها في الحفائر الأثرية منذ أواسط القرن العشرين الميلادي.
ويجمع التسلسل الزمني الحديث للتاريخ المصري في ثلاث مقاربات أساسية. أولاً، هناك طرق التأريخ أو التأريخ المتسلسل للقطع الأثرية. وثانيًا، هناك ما يُسمى بالتسلسل الزمني المطلق على أساس السجلات التقويمية والفلكية تم الحصول عليها من النصوص القديمة. وثالثًا، هناك طرق قياس الإشعاع التي تعيين تواريخ لقياس الاضمحلال النشط الراديوي أو التراكم في أنواع معينة من المصنوعات اليدوية أو البقايا العضوية. ونتيجة لذلك، يعد التاريخ الزمني لمصر القديمة موضوع جدل بين علماء الآثار. وهناك إجماع بشأن العصور، ولكن لا يوجد اتفاق في تاريخ البدء والانتهاء الدقيقين لكل عصر.
ويميز علماء المصريات بين أهم فترات التاريخ المصري القديم على أساس الحالة السياسية للبلاد. فكانت هناك دول محددة وموحدة في وحدة سياسية وحكومة مركزية قوية، ثم تخللتها بالتناوب عصور انتقال تميزت بمنافسات حكام الأقاليم على السلطة المركزية.
تلك هي مصر العظيمة التي علمت العالم الكتابة والتدوين والتوثيق أساس كل شيء.
|