القاهرة 26 يوليو 2023 الساعة 09:56 م
بقلم: أحمد محمد صلاح
كان أكثر ما أتعب المؤرخين ورواة الآثار ما فعله الفلاسفة أنفسهم، حينما رفضوا تدوين الفلسفة وكأنها اسمى من أن تكتب!
وكانت المشكلة التي تواجه المؤرخ هي معرفة تلك الفلسفة التي فقدت، وهؤلاء الفلاسفة الذين ضاعت آثارهم، وأدى ذلك إلى نسب بعض الفلسفات إلى غير قائلها، فوصلت الفلسفة قبل سقراط مشوهة إلى حد كبير، بل نسب إلى سقراط كتاب يتعارض مع فلسفته كل التعارض وهو "الأثولوجيا".
وخلال عصر النهضة ظهرت اتجاهات جديدة في القرن السادس عشر، تطالب بالعودة إلى القديم والنظر في أصول الفلسفة اليونانية ذاتها، حتى نضجت وأثمرت في إطار من البحث العلمي الجاد علي يد هرمان ديزل، الذي نشر نصوص فلاسفة الإغريق في كتابين، أولهما عام 1879 بعنوان "آراء الإغريق"، وفي عام 1903 نشر كتابا آخر بعنوان "ما قبل سقراط"، ثم صدر عن الأستاذ أوستر كتاب عن مصادر الفلسفة الأيبقورية.
أما المنهج العلمي الذى اتبعه ديلز هو تتبع النصوص الواردة عند مختلف المؤرخين واستخلاصها ونسبتها إلى صاحبها، وقد تيسر له من ذلك أن يعرف أن المتأخرين كانوا ينقلون عن المتقدمين واحدا بعد الآخر، حتى يبلغ المصدر الأول.
من تلك الأطروحة التي كتبها الدكتور احمد فؤاد الهواني نجد أنفسنا أمام مجهود بحثي ضخم، كرس له نفسه هرمان ديلز، في أن يدرس ويفند مئات بل آلاف من الأطروحات الفلسفية ونسبتها، ويحدد معها إذا كان قائلها هو قائلها أم سواه، وعني هرمان ديلز بأن يتتبع المصادر المتاحة في وقته، ويرجعها إلى نسبها الأول، ويصل إلى حقيقتها، وقائلها، فهنا نحن أمام عمل بحثي مضن للغاية لا تقل روعته عن االتفلسف بشكل عام.
|