القاهرة 26 ابريل 2023 الساعة 10:36 ص
كتب: أحمد محمد صلاح
يعد هذا الجيل الذي نشأ في أوروبا ابتداء من عام 1830 هو الجيل الذي عاصر ما يعرف بالربيع الأوروبي، حيث قامت عدة ثورات في عدد من دول أوروبا، وكان لها تأثير بالغ الأثر على الحركات الفنية في أوروبا.
ففي فرنسا أطاحت ثورة يوليو بالملك شارل العاشر الذي أعيد بعد سقوط نابليون بونابرت وإمبراطوريته، وتولى العرش بدلًا منه ابن عمه لويس فيليب دوق أورليانز.
وفي بلجيكا اندلعت الثورة البلجيكية يوم 25 أغسطس 1830، بعد الانتهاء من تأدية الأوبرا القومية (لا مويات دي بورتيشي) في بروكسل، حيث بدأ الحضور يصفقون تصفيقًا حادًا وانطلقوا خارج المسرح إلى شوارع المدينة مشحونين بغضب عارم وصارخين بعبارات ثورية، وانضم بعدها حشد كبير من الناس لهؤلاء الثوار وشرعوا يحطمون كل ما يصادفهم في الطريق من رموز للسلطة الهولندية الحاكمة منذ 1815، ثم تمكنوا بعدها وبسرعة من الاستيلاء على عدة مبان للحكومة، وشهدت تلك الفترة محاولات من ملك بلجيكا لمهاجمة الثوار إلا أنه فشل.
وفي بولندا حدث نفس المشهد، ولكن تدخل الجيش الروسي الذي كان متفوقا عدديا ليسحق تلك الثورة، ليتبقى منها فقط حركتها الفكرية، وكذلك الحال امتدت الثورات إلى سويسرا التي كانت المناطق الريفية فيها تعاني من الفقر الشديد، فطالبوا بتعديل الدستور لتوزيع عادل للثروات، وفي إيطاليا كذلك ظهر الشعور الثوري لإيطاليا الموحدة بدءًا من 1830، فبدأت بسلسلة من التمردات وضعت الأسس لإنشاء أمة واحدة على طول شبه الجزيرة الإيطالية.
كانت كل تلك الحركات الثورية قد أدت إلى ما يعرف بالثورات الرومانسية والقومية، وفي خلال هذه الحقبة من القرن التاسع عشر أرسيت للمرة الأولى أسس هذا القرن ووضعت خطوطه العامة، التي ما زالت ممتدة حتى هذا اليوم من نظام اجتماعي وسياسي وحتى فني وأدبي.
كانت السمات المميزة للقرن التاسع عشر قد تحددت معالمها بعدما تحددت معالم الطبقة البرجوازية واكتسبت قوتها الكاملة، واختفت الطبقة الأرستقراطية من مسرح الأحداث التاريخية، وأصبح انتصار الطبقة الوسطى مؤكدًا لا نزاع فيه، وأطبحت الحركة الرومانتيكية حركة برجوازية في أساسها.
انبثقت حركة الفن من أجل الفن من الرومانتيكية، وكانت تمثل واحدًا من أسلحتها في صراعها من أجل الحرية، فهي نتاج النظرية الجمالية والرومانتيكية، حيث كانت الطبقة الوسطى حتى عام 1830 تأمل أن يعمل الفن على تحقيق مثلها العليا، وأصبح الشعار بالنسبة للرومانتيكيين هو البرج العاجي الذي ينعزلون فيه عن جميع الشئون العملية ويحققون لأنفسهم هدوء الموقف التأملي والباحث، والترفع على حساب التفاهم مع النظام السائد وقتها، وأكدت على الطابع المثالي للفن المترفع عن السياسة.
ولم تقتصر التيارات الرئيسية الفنية التي ولدت مع تلك الثورات على الفن لأجل الفن فقط، بل تعددت المدارس مثل الفن الاجتماعي، ومدرسة العقل السليم، وتلك المدارس ترتبط ببعضها بطرق معقدة ومتناقضة.
ونستطيع أن نقول إن تلك الفترة من عمر الفن في أوروبا قد شهدت متغيرات عظيمة في طرق التفكير الفني، بعد أن قامت تلك الثورات التي أدت بدورها إلى تغير مسارح الاحداث التي هي مصدر إلهام الفنان ومصدر رزقه بالطبع، فأدى ذلك إلى حالة حالمة ثورية، انعكست بالضرورة على روافد تلك الفنون التي أثرت على الفنان، ومن ثم بدأ طابع الفن يأخذ منحى آخر، ومسيرة أخرى، ومدارس حداثية جديدة، وكان القرن التاسع عشر هو البداية الحقيقية لمختلف المدارس التي ظهرت بعد ذلك حتى اليوم.
|