القاهرة 28 مارس 2023 الساعة 11:28 ص
أجرى الحوار: محمد زين العابدين
الشاعر السعودي إبراهيم الجريفاني في حوار لمجلة "مصر المحروسة"
* شعراء المهجر هم الأكثر تأثيرا في وجداني
* الشعر العربي عرف فن الومضة الشعرية خاصة عند المتنبي
* الشاعر الحقيقي يجب أن يكون نبيلاً وأن يقوم بدور تجاه مجتمعه
الشاعر إبراهيم الجريفاني هو شاعرٌ وكاتبٌ وناشطٌ اجتماعيٌ سعودي، من شعراء قصيدة النثر، يعتمد على أسلوب الومضة الشعرية، والمفارقات المدهشة، والتوقيعات التليغرافية المركزة، التي تكثف المعنى في جملٍ قصيرة.
وامتاز أسلوبه بالتأثر بالرافد الصوفي والتأملي؛ حيث تأثر بشدة بشعراء مدرسة المهجر -وخاصة جبران خليل جبران- وارتبط بصداقة وطيدة مع المفكر اللبناني وهيب كيروز، رفيق مشوار (جبران) ومدير متحفه في لبنان؛ والذي كتب له مقدمة بعض دواوينه.
ولد (الجريفاني) بمحافظة (القصيم) بالسعودية، وعمل لفترة في الحكومة السعودية، كما عمل بالصحافة والإعلام، كاتباً ومراسلاً لصحف سعودية وخليجية، ومعداً ومُقّدماً للبرامج بالتليفزيون السعودي. وبالإضافة لنشاطه الأدبي والثقافي، ساهم في إدخال رياضة (البولينج) للمملكة العربية السعودية، وترأسَ أول اتحاد لها، بالإضافة للاتحاد العربي، وترأس اللجنة الأوليمبية السعودية، وله كتاب عن رياضة البولينج. ويحرص (الجريفاني) في حفلات توقيع كتبه، على المزج بين الجانب الأدبي والجانب الفني، من خلال إشراك الفنانات التشكيليات فيها بلوحاتهن، ويتوج هذا بتقديم مبادرات لجمع التبرعات الخيرية للأعمال الإنسانية؛ وكان آخرها إطلاقه لحملة تبرعات للمعهد القومي للأورام بمصر-بحضور عميد المعهد- في حفل أقيم بفندق (ماريوت)، خلال توقيع كتابه الجديد (بخورُ الروح).
أصدر(الجريفاني)عدة كتب، منها: "أنسنة الحرف"- "نثيث الروح"- "ترائب نورانية"- "وردُ الحب"- "رواءُ الشاعر"..
وفي هذا الحوار نطل على عالمه الخاص، ونتعرف على آرائه تجاه الطفرة التي تشهدها المملكة العربية السعودية في الفترة الأخيرة..
• نريد أولاً أن نتعرف على المنابع التي تشكل من خلالها وجدانك؟ وكيف بدأت علاقتك مع الكتابة؟
أولاً أنا سعيد بوجودي في مصر بين أهلي. ولا أجامل إذا قلت إن المصريين هم من أكثر الشعوب طيبة وجمالاً وترحابا بالضيوف. أما بالنسبة لسؤالك فأقول لك أن ابن الصحراء يتأثر بشدة بسمات الحياة في البيئة الصحراوية؛ فما بالك إذا كان شاعراً، فإنها تؤثر في مخيالِهِ الأدبي. وربما كان اللون الأدبي السائد في البادية-وهو المسامرات الشعبية، والشعر النبطي- من أهم المؤثرات في وجداني.
ثم تأتي الدراسة، وصاحب ذلك الاهتمام بالقراءة والاطلاع. كنت شديد الانجذاب منذ فترة مبكرة لعالم الأدب والشعر، كما أنني-وبنوعٍ من التمرد- خالفت الشائع من سيطرة الشعر الشعبي(أو النبطي)؛ حيث لم أجد فيه نفسي. وقد وجدت عالماً رحباً واسع الآفاق في الشعر العربي الفصيح، من خلال قصائد بدر شاكر السياب، وجبران خليل جبران، وميخائيل نعيمة وغيرهم، وازدادت وتنوعت قراءاتي الشعرية، وأحببت أن تكون لي بصمتي الخاصة. ولقد أخذت الأمر بمحمل الجد، واشتغلت على موهبتي حتى أحقق فيها ما يرضيني.
• من هم أبرز الشعراء الذين قرأتَ لهم وتأثرت بهم؟
ربما كان شعراء المهجر هم الأكثر تأثيرا في وجداني، لسبب أساسي، وهو خروجهم عن المألوف في الشعر العربي، وأسلوبهم الجديد في الكتابة؛ الذي سع للابتعاد عن قيود القصيدة العربية الكلاسيكية، وهو ما أتاح للقصيدة العربية أن تصبح قابلة للترجمة والانتشار عالميا.
• لماذا اخترتَ كتابة قصيدة النثر؟ هل لسهولتها أم لأنك وجدتَ نفسكَ فيها؟ وهل كانت لك محاولات قبلها في القصيدة العمودية أو التفعيلية؟
الحقيقة أنني بدأت بكتابة الشعر النبطي، ثم تحولت لكتابة الشعر الفصيح. ولكن لأن تطلعاتي في الكتابة كانت أبعد من نطاق المحلية؛ فقد أخذت المنحى الخاص بالشعر العالمي الحديث، حيث وجدت أن الشعر الموزون مليء بالقيود التي تحول دون ترجمته. ومنذ بدايتي في خط قصيدة النثر الحديثة، وجدت اهتماماً بكتاباتي، وتقديراً لها. واستطعت أن ألمس هذا من خلال قاعدة الجمهور الأوسع التي تتيحها وسائل التواصل الإجتماعي.
• أنتَ تكتب أيضا التوقيعات الشعرية التليغرافية المركزة؛ فهل تجد أنها تستوعب كثافة المعنى الذي تريد التعبير عنه؟
الحقيقة أن الشعر العربي عرف فن الومضة الشعرية -وخاصة عند المتنبي- بالرغم من تفاخر معظم الشعراء القدامى بالقصائد الطويلة، والمعلقات الشعرية؛ فنحن في زمن يحتاج إلى تكثيف الشاعر للمعاني التي يريد التعبير عنها بأقل قدر من الإسهاب اللغوي.
• يبدو الرافد الصوفي واضحا في كتاباتك، حتى في عناوينها: "ترائب نورانية"، "نثيث الروح"، "بخورُ الروح"؛ فكيف طورتَ هذا الرافد الصوفي لخدمة نصوصك؟ وكيف استفدت منه في حياتك؟
أولاً نحن يجب أن تكون علاقة قوية وسامية مع الله سبحانه وتعالى. وأى علاقة تعّبد ما لم تكن ممزوجة بالحب، لا يمكن أن تكون إلا حالة اعتياد. وبالنسبة لي-وبحكم القراءة-وجدت أن الطريقة التي نصلي بها ربما تفتقر عند الغالبية إلى إحساس الحب الذي أشرت إليه.
وعندما تعمقت في عالم التصوف، وجدت أن هناك حالة عشق مع الله والرسول(ص)، وأردت أن يظهر هذا البعد الصوفي من خلال نصي الشعري؛ وإظهار هذه الحالة من الإشراقات والتجليات الروحية، واستبدال الحديث عن عذاب القبر، وأهوال يوم القيامة، بالحديث عن الحب الإلهي، والقرب من الله. وعلى الجانب الآخر لا يعرف معظمنا للأسف ما يسمى بصلاة الحواس؛ فانتهجت في بعض نصوصي مفردة (الصلات)، كتعبير عن الصلاة، لأن الصلاة في حقيقتها هي صلة مع الله أثناء أداء شعيرة الصلاة. ويجب أن نربي الجيل الجديد على هذه المفاهيم في علاقتهم مع الدين ليرتبطوا به ارتباطا حقيقيا؛ لأن مجتمعاتنا العربية للأسف الشديد أصبحت تعاني من انتشار ظاهرة الإلحاد والمجاهرة به. ولا يمكن أن ندفن رؤوسنا في الرمال، لأن العالم أصبح بالفعل قرية كونية صغيرة.
• ماذا تمثل لحظة الكتابة الشعرية بالنسبة لك؟
الكتابة تعتبر حالة فكرية، ولحظة مخاض إبداعي. وبالنسبة لي أدخل في حالة تحدي بيني وبين نفسي، بحثا عن الصورة الشعرية الجديدة التي يمكنني تقديمها. وهذا العنصر الهام أسعى لتنميته من خلال القراءات والاستماع، بما في ذلك سماع القرآن الكريم؛ حيث تجذبك صورة معينة مدهشة تثري خيالك الإبداعي، وتحاول استيعابها جيداً، وترسخ في وجدانك. وكذلك الأمر بالنسبة للحالات الإنسانية التي يمكن أن تصادفها في حياتك. فكل هذه المؤثرات تظل تعتمل بداخلي وتتفاعل حتى تأتي لحظة المخاض الشعري. والنص بالنسبة لي ليس مجرد تعبيرات إنشائية، بل حالة إنسانية يجب أن تولد، وأن تكون مؤثرة. وبالنسبة لي من الشخصيات التي أثرت في اتجاهاتي في الكتابة، المفكر اللبناني وهيب كيروز، والذي كان هو الصديق المقرب للشاعر جبران خليل جبران، وهو الذي حافظ على مكتبته ومتعلقاته، وقد توفي منذ أربع سنوات في بيروت، وكان مديراً لمتحف جبران، بحكم كونه صديق طفولة جبران ورفيق مشواره؛ وقد كتب عني في مقدمته لكتابي الثالث عام 2009؛ أنني"شاعر الإنسانية"، و"شاعرُ الحياةِ في عرائها"-على حد تعبيره- مما حملني مسئولية كبيرة، لأنه أقام حالة تماهي بين نصوصي ونصوص الرمز الشعري الكبير جبران خليل جبران؛ وهو ما جعلني أتوقف عن الكتابة لمدة ستة أشهر، وعدت للقراءة من جديد.
• تهتم بالكتابة عن المرأة وتنحاز لها؛ فماذا تمثل المرأة بالنسبة لك؟
الحقيقة أن المرأة هي أساس الرجل الناجح، وهي المكمل الأساسي لكمال الرجل. ولكن يجب علينا التخلص من بعض الموروثات التي تلغي هوية المرأة في الوطن العربي ككل. وقد تبنيت قضايا المرأة في الوطن العربي لتشابهها مع بعضها؛ وذلك لأن هذا الجانب يمس الإنسان. فالرجل لديه الفرصة لدخول معترك الحياة وإثبات ذاته وفق رؤيته، وبقيت المرأة في الوطن العربي مجرد ظل للرجل، والآن كسرت المرأة العربية الكثير من القيود، وأصبحت شريكاً فاعلاً للرجل تحت الشمس.
• من الواضح اهتمامك بالمزج بين الشعر والفن التشكيلي. هل لأن اللوحة الشعرية كاللوحة الفنية؟
بالفعل. السبب الرئيسي لهذا الاهتمام بالفن التشكيلي هو أن القصيدة هي لوحة بحد ذاتها. فعند دخولك لعالم القصيدة والمخيال الشعري؛ فأنت ترى لوحة مُجَّسَمة متكاملة الأبعاد. وفي محاضراتي ببعض الجامعات التي أدعى للحديث فيها، أركز على أننا نكتب قصيدة تشكيلية. فما لم تكن في الكتابة الشعرية صورة ما، يريد الشاعر نقلها للقراء، فهي بعيدة عن الشعر. أنا أحرص دائماً على المزج بين الحرف واللون، وأعطي الفنانات التشكيليات الفرصة لإظهار إبداعاتهن من خلال حفلات توقيع كتبي.
وعلى مدار حفلات التوقيع الأربعين التي أقمتها بمختلف الدول العربية والأجنبية، شاركت فيها أربعون مبدعة.
• عملت بالصحافة لفترة طويلة، فمن واقع تجربتك ما الذي يستفيده الشاعر من الصحافة والعكس؟
الصحافة ميزتها الكبرى أنها تتيح لك الالتقاء بكل الأعلام والرموز. وأحياناً عندما تجلس مع بعض أصحاب الهالات، تكتشف الجانب الآخر في حياتهم، بلا هالات ولا رتوش. كما أن الصحافة تفتح لك بوابة لعلاقات جميلة، وبوابة أهم للتعرف على حالة المجتمع، والتأثير عليه من ناحية أخرى. فالصحافة هي عالم آخر، يجعلك مثل الجرّاح الذي يقترب من الجسد، وبيده المشرط، ليرصد تفاصيل الجسد من الداخل. أعتقد أن الصحافة أفادتني كثيرا، وأنضجت تجربتي بالنسبة للكتابة ومعرفة الناس في نفس الوقت.
• هل تسعى من خلال إطلاق المبادرات الخيرية في أمسياتك الشعرية لإعادة الدور الاجتماعي للمثقف؟ وكيف يمكن للشعراء أن ينهضوا بالوعى في مجتمعهم؟
أعتقد أن الشاعر يجب أن يكون له تأثير كبير بالنسبة للتفاعل مع هموم الناس وقضايا المجتمع؛ فلا يقتصر دوره على الكلمة. وفي مجتمعنا هناك الكثير من أوجه المعاناة، ونحن نحتاج لتسليط الضوء عليها من خلال الحرف واللون والمساعدات الإنسانية أيضاً. أنا أرى أن الشاعر الحقيقي يجب أن يكون نبيلاً، وأن يقوم بدور تجاه مجتمعه. وللأسف -وعلى العكس- نرى مثقفين ونجوم مجتمع، يمارسون تأثيرا سلبيا؛ ولو قام هؤلاء بممارسة دور إيجابي، فسيصبح مجتمعنا أفضل بكثير.
• ختاما ما تقييمك للطفرة الثقافية والفنية والحضارية التي تشهدها المملكة ودول الخليج عموماً؟
من الطبيعي جداً حدوث حالات تغيير في العالم كله. فالثبات يجعل الماء آسنا. والحمد لله تمر المملكة حاليا بحالة تغيير كبيرة، وبمخاض حضاري لجعلها تواكب العالم؛ لأن المجتمع السعودي منفتح عل العالم من خلال السفر، لكنه كان مقيدا ببعض الأعراف والتقاليد. ويجب على الإنسان السعودي والخليجي أن يكون حريصا على تقديم صورة إيجابية عن نفسه، كبديل للصورة النمطية السلبية المتداولة في بعض وسائل الإعلام الغربية. وربما أدت هذه التغيرات إلى إحداث صدمة كبيرة وتصدعات فكرية عند من لا يقبلون بالتغيير، من أنصار الجمود؛ ولكنني أعتقد أن المجتمع السعودي الآن بدأ يلمس نتائج التغيير ويتفاعل معها. وأتمنى أن نصل إلى مرحلة الاستقرار، حتى نكون في حالة توازن فكري جديدة.
• وما هي طموحاتك للمرحلة القادمة على المستويين الأدبي والإنساني؟
أتمنى الاستمرار في أداء رسالتي، وأن أكون من عوامل التغيير لصورة العرب والمسلمين في الخارج؛ وربما لهذا السبب الرئيسي حرصت على أن تترجم كتاباتي منذ البداية إلى عدة لغات، وأجهز حاليا لكتاب جديد، أعتمد فيه على أسلوب الومضة الشعرية التي تحاكي شعر (الهايكو) الياباني، وتتم ترجمته لليابانية.
|