القاهرة 18 فبراير 2023 الساعة 02:48 م

بقلم: د. حسين عبد البصير
يقف هذان التمثالان المنعزلان وسط الفضاء الشاسع شاهدين على مكان المعبد الضخم الذي شيده الملك أمنحتب الثالث؛ إذ كانا قائمين أمام مدخل صرحه الأول، وقد اندثر ذلك المعبد تمامًا، ولم تبقِ منه ســـوى لوحة من الحجر الرملي ملقاة خلـــف التمثالين، تم ترميمها مــؤخرًا، وبعض الأجــزاء من عناصر مـختلفة، كما تم اكتشاف بعض التماثيل الضخمة الخاصة بالملك أمنحتب الثالث خلف التمثالين الأشهر.
أقام الملك أمنحتب الثالث هذين التمثالين عند مدخل معبده الجنائزي، فلما كان القرن الأول قبل الميلاد، أي بعد حوالي 1300 عام على إقامـتهما، تصدعت بعض أجزائهما، وحدثت بالأيسر منها بعض الشقوق، وكان إذا مر هواء الصباح في تلك الشقوق المشبعة بالندى، سـُـــمع له أزير وصفير كالغناء، مما حـدا بمؤرخي اليونان الذين زاروا مصر في القرن الأول قبل الميلاد أن زعموا أن التمثال يغني مع شروق الشمس، وسجلوا تلك الظاهرة الغريبة كتابة على ساق التمثال وقاعدته، وكتبوا قصائد باليونانية عن ذلك، واهتم كثيرون بتلك الظاهرة حتى جاء الإمبراطور الروماني "هادريان" وزوجته فـقضوا عدة أيام بجوار التمثال للاستمتاع بغنائه، وحرص كثير من العظماء والمؤرخين على تسجيل أسمائهم على التمثال، فنجد ثمانية أسماء من حكام مصر من الرومان مسجلة عليه.
أما عن الربط بين هذين التمثالين وبين "ممنون"، فقد كانت لليونان في ذلك أسطورة لا تخلو من طرافة، لقد نُسبا التمثالان إلى أحد الأبطال الأثيوبيين، ويدعى "ممنون"، الذي اشترك في حرب طروادة، وحدث أن قتله "أخيل" أحد الأبطال اليونانيين في تلك الحرب، وكان ممنون يعتبر ابنًا لإلهة الفجر "إيوس"، وزعموا أن ذلك البطل الذي مات مقتولاً كان يحيا مع نسمات كل صباح بصوت حزين، وزعموا أن الندى الذي كان يتساقط حينذاك هو دموع أمه الثـكلى.
وأراد القدر أن يضع حدًا للأساطير التي كانت تحاك حول هذين التمثالين، وذلك أنه عندما قام أحد الأباطرة الرومان بإصلاح ما كان قد تصدع من التمثالين في حوالي عام 200 ميلادية، فتوقف الصوت إلى الأبد، ذلك الصوت الذي كان زمنًا طويلاً سببًا لتوافد الزوار والرحالة إلى مصر.
وبقيت الحقيقة الواقعية، وهي أن هذين التمثالين كانا للملك أمنحتب الثالث، أحد ملوك الأسرة الثامنة عشرة، التي كانت ربما أقوى أسرة حاكمة في التاريخ المصري القديم.
|