القاهرة 05 فبراير 2023 الساعة 06:33 م
عندما زرت معرض الكتاب في عام 2022 كانت أجواء المعرض مخيبة للآمال، وعندما زرته في 2023 لامست نجاحا كنا بحاجه إليه، نجح القائمون على تنظيم هذا العرس الثقافي في إخراجه في أبهى صورة تليق باسم مصر وكتابها ومبدعيها ومثقفيها؛ وتليق بجمهور متعطش للبهجة والفرحة، وتليق بضيوف المهرجان العرب والأجانب.
ومع هذا النجاح الباهر لمعرض الكتاب في دورته الـ 54 تحت شعار "على اسم مصر- معًا: نقرأ.. نفكر.. نبدع"، واختيار الشاعر "صلاح جاهين" ليكون شخصية المعرض هذا العام، ودولة المملكة الأردنية الهاشمية ضيف شرف الدورة، لابد من دراسة لماذا نجحت هذه الدورة عن سابقاتها من الدورات؟ أو لماذا حققت هذه الدورة كل هذا التفاعل وسطعت أضواؤها كل هذا السطوع عن الدورة السابقة؟ هذا هو السؤال المهم الآن..
عندما وصلت أرض المعارض بمركز مصر للمؤتمرات والمعارض الدولية بالتجمع الخامس -التي أصبحت موقع انطلاق المعرض منذ دورته الخمسين التي أقيمت في 2019- شاهدت كرنفالا لم يسبق أن رأيته إلا عند بوابة ستاد القاهرة أثناء حضور مباريات كرة القدم بين الأهلي والزمالك، أو لتشجيع المنتخب المصري في مباراة لتصفيات كأس العالم أو كأس الأمم الأفريقية، مشهد من النادر أن يتكرر من حيث الزحام اللذيذ التي تشعر فيه بالألفة والدفء والذوق والرقي بين جمهور جميعهم لا يعرفون بعض ولكنهم ودودون لأبعد حد.
غاصت قدمي خطوات في ممرات متفرقة أمام بوابة قاعات العرض، ولكن الزحام خارج القاعات جذبني لمزيد من التجول بين جمهور حجب رؤية الأسفلت، وما أرى سوى رؤوس فوق أجسام تزحف نحو متعتها في يوم طقسه معتدل، وآخرون افترشوا المساحات الخالية بين الطرقات وامتدوا فوقها يتسامرون ويرتشفون قهوة العصاري ويأكلون، وبعضهم يحتضن أطفاله ويتصفحون قصصا صفحاتها ملونة داخلها حكاية من حكايات الغابة الطريفة، وفتاة شابة تحتضن سيدة مسنة وتساعدها على التمايل مع نغمات أغنية السيدة شادية "يا حبيبتي يا مصر"، حينها شعرت بمصر التي طالما كنت أقرا عنها في الكتب والروايات، مصر التي كان يحدثني عنها أصدقائي في كل بلد عربي سافرت له، مصر التي حدثني عنها الأوروبيون على شاطئ البحر الميت في مدينة سوتشي الروسية، وتمنوا أن يعيشوا في رحابها ولو يوم واحد.
حرمني صديقي من استكمال هذه المتعة، ونبهني بضرورة التحرك نحو القاعات لمقابلة أحد الزملاء الصحفيين من أجل حضور ندوة ثقافية على هامش معرض الكتاب، وفي كل خطوة كنا نلتقي أصدقاء صحفيين نلقي عليهم التحية ويبادلونا مثلها في فرحة، وتذكرت أن معرض الكتاب هو عُرس لنا نحن الجماعة الصحفية ننتظر قدومه كفرحة طفل بقدوم العيد، ففيه يلتقي الأصدقاء منذ الطفولة وأيام الدراسة والجامعة وزملاء البدايات في بلاط صاحبة الجلالة، وتجمعنا الندوات بأساتذة الصحافة وكبار الكتاب والمثقفين المصريين والعرب، وأخيرًا قابلنا الصديق.
وكانت الأجواء داخل القاعات أكثر زهوًا عن خارجها فكل عارض لديه ما يبهر جمهور المعرض، وتعالت أصوات المسابقات الثقافية، وتهافت الأطفال على هدايا العارضين، وتركنا كل هذا الجمال، وصعدنا إلى الدور الأول، حيث تعقد الندوات وبجانبها يجلس الصحفيون في المركز الإعلامي لنقل أخبار هذا العُرس الثقافي المصري العربي لحظة بلحظة.
وأخيرًا أستطيع أن أقول لقد نجح معرض الكتاب في دورته الـ 54 تحت شعار "على اسم مصر- معًا: نقرأ.. نفكر.. نبدع"، لأنه استطاع أن يجد لنفسه موضعا على قائمة اهتمامات المصريين، رغم كل ما يحملونه فوق كاهلهم من ضغوطات غير مسبوقة.
|