القاهرة 05 فبراير 2023 الساعة 12:36 م
بقلم: أمل زيادة
عزيزي عمر خورشيد..
عندما أكتب لك أترك عقلي وإدراكي جانبًا، أترك قلمي يكتب ما يخطر على باله دون ترتيب أو حساب، ربما هذا سر انجذاب القراء لرسائلنا كونها عفوية وتعبر عن الحالة دون تجمل أو تلون!
خلال الفترة الماضية لاحظت أمرًا، جعلني أتوقف أمام نفسي وأسأل دائرتي المصغرة من المقربين هل فعلت كذا؟!
رافقت ابني كالمعتاد لمكاننا الذي نحب، والذي أكتب لك منه كالعادة، تعرفت على أصغر الموجودين، طفل يافع لا يتجاوز عمره 13 عامًا، ربما أقل! وجدته يقف بعيدًا عن ابني وزملائه، يبتعد ويقترب منهم على استحياء، يقف على بعد ولا يشاركهم الحديث! تجاذبت معه أطراف الحديث.. وجدته ينطلق ويحكي تفاصيل عديدة كلها سعيدة، هكذا رأيت من قسمات وجهه الباسمة.. وافترقنا!
ومرت الأيام ولم أره مرة أخرى إلا مؤخرًا، لأجده يخترق الصف ويقترب مني دون أن انتبه ليصافحني ويتحدث معي! قص على ما استجد، وما فعل خلال الفترة التي لم أكن فيها على تواصل معه.. أراني صورًا لقطته التي حدثني عنها ولم تكن صورها بحوزته آنذاك!
توقفت أمام تصرفه وتساءلت: أيحتاج أبناؤنا لمن ينصت إليهم ولقصصهم التي قد تبدو لنا غير ذا قيمة؟!
سألت أبنائي هل كنتم تحتاجون إليّ في مثل هذا العمر؟! ليجيب الأكبر سنًّا: لا أتذكر، وإن كنت لا أكترث، لأني لست من هواة التحدث كثيرًا، حياتي تدور بين قالبين لا ثالث لهما، وختم حديثه بجملة حاسمة.. لا لم أشعر بذلك!
أجاب الآخر باسمًا: لم نفترق لحظة، وكل أحاديثنا وذكرياتنا معًا لا سيما أسرارنا، لذا لم أشعر بحاجتي لذلك، لوجودها بالفعل!
ربما يترفق بي أخوه، حتى لا أحزن لعلمه بمدى تأثري بهذه الأشياء التي قد تبدو صغيرة أو غير ذات قيمة من وجهة نظر البعض، لكنها الأهم بالنسبة إليّ كشخص يقدس العائلة ووجود الأشخاص، بعيدًا عن أي مواقف قد تكون جمعتنا، ومهما كانت الذكريات التي جمعتنا، ومهما كان حجم الإساءة والأذى الذي طالني منهم.. ليس ادعاء للمثالية، ولكنه تقديس للحياة بما فيها من خير وشر، ويقيني أن أي تجربة سيئة كانت تجربة مفيدة، حتى ولو كانت مؤذية بشكل ما.
رجعت بالذاكرة للخلف قليلًا، لأكتشف أنني سقطت في دائرة الخطأ، دائرة تسقط فيها العديد من الأسر! ألا وهي ترك أنفسهم فريسة للأيام تطحنهم -تبتلعهم في دوامتها- دون الانتباه أن هناك أفراد/ شركاء لنا في تلك الرحلة الحياتية.
أشخاص من لحم ودم، لهم حقوق علينا وواجبات، وجودهم بيننا ليس قاصرًا على مهمة الطعام والكساء فقط! إنهم أشخاص حقيقيون، وليسوا دمى أو آلات لابد أن ينفذوا ما نمليه عليهم من أوامر وأفعال!
ليسوا دمى لا تشعر، وإنما أشخاص لها احتياجات وحقوق، بل إنهم يبذلون كل ما يستطيعون لإرضائنا وإسعادنا ومع ذلك لا نراهم بفعل الحياة وضغوطها وقلة خبرتنا..
لذا أنا من أنصار التروي في الإنجاب.. والارتباط بعد سن النضج.. وهو من وجهة نظري الخاصة بالنسبة للشابات في النصف الثاني من العشرينيات، وبالنسبة للشباب في أوائل الثلاثينيات.
لا أشجع الارتباط في سن صغيرة، فكل تجربة ارتباط جاءت في سن مبكر كانت غير ناجحة.. المشاعر تتغير والقلوب تتقلب كذلك.. لا حقيقة مطلقة ولا جواب نهائي وواضح في العلاقات الإنسانية.. هكذا أؤمن!
أدرك أن العلاقات الإنسانية والأشخاص التعامل معهم غاية في التعقيد.. رغم ذلك أجد أن تدارك هذا التعقيد قد يبدو بسيطا ومتاحا.
لذا توقفت أمام موقفي مع صديقي اليافع، وراجعت نفسي، هل فعلت؟ أم لا؟! وكتبت عسى حروفي تضيء لكم دروب الحياة!
كذلك صديقي الفيلسوف، عندما نتناقش أجده يتفق معي ربما لأننا أبناء نفس الجيل! أخبرني أنه يحب أن يعلم من يحب الانتماء.. الحب.. العطاء.. المساندة.. الحب المطلق وليس المشروط! الحب ذاته!
يسترسل قائلا: أُعلم من يهمني أمرهم أن يحبوا الكيان الذي يحبونه بكل هفواته، بكل سقطاته، بكل حالاته، وإلا ما يجمعكم به ليس حبًا على الإطلاق.! حب أي شيء سواء كان معنويا أو ماديا يماثل "حب الوطن".. هل نكره الوطن لأنه ليس مثاليًا بالنسبة لنا؟!
كذلك هو الحال مع حب: صديقك المفضل، فريقك الرياضي، مدرسك، مطربك، فنانك، وكاتبك المفضل!
يجب أن نتعلم أن نحب الكيان بأكمله، بكل مميزاته وعيوبه وليس الإقبال عليه والافتخار به أثناء أيام قوته وأوقات رخائه فقط!
"الانتماء".. هذه الكلمة التي نفتقد وجودها هذه الأيام، يظن البعض أن ما نتحدث عنه نوعًا من أنواع السلبية والميل للاستكانة.. لكن الأيام أثبتت أنه لا شيء مطلق، لا أبيض مطلق، ولا أسود مطلق، كذلك لا رمادي بالشكل المطلق..
عزيزي عمر خورشيد..
ربما الحقيقة الوحيدة المطلقة في رسائلنا.. هي أنت وحبك، وحب من يحبك مثلي..
كن بخير لأكتب لك مجددًا.. وإلى لقاء.
|