القاهرة 29 يناير 2023 الساعة 06:47 م
بقلم: أمل زيادة
عزيزي عمر خورشيد..
مرت الأيام مجددًا، مرت بشكل مثير للتعجب نوعا مًا! مر أربعون يومًا على وفاة أمي الحبيبة! مرت الأيام بسرعة الريح، وفي الوقت ذاته مرت ببطء قاتل!
تبدو أربعين عامًا!
لست أدري كيف مرت هذه الأيام لكن ما أنا متأكدة منه، أنها مرت بفضل ولطف الله سبحانه، زرت أمي من جديد للمرة الأولى منذ تركتها هناك وحدها! فكرت كثيرا ماذا أخبرها عندما أزورها؟! هل أخبرها أن العالم أصبح مظلما دونها، أم أخبرها أنني أفتقد نبرة صوتها المعاتبة أحيانًا والرقيقة أحيانًا والعنيف أحيان أخرى؟!
هل أخبرها أن وجودها كان كالصخر مهما ارتطمت به أعود كما كنت من جديد! كموج البحر انكسر على الشاطئ ولا أفنى؟! أم هل أخبرها أنني أتذكر مزاحها وكلماتها العفوية التي تقولها بغتة فنغرق في الضحك.
احترت كثيرًا ماذا أخبرها! وحانت لحظة المواجهة!
تقابلنا من جديد، يفصل بيننا هذا الباب المعدني الذي أغلق للأبد! والذي سيظل حائلًا بيننا أبدًا ما حييت.. وجدتني أقف بارتباك، نسيت كل ما رتبت له! ثم انهمرت دموعي رغمًا عني، تماسكت.. جاهدت أن أبدو كذلك، أكثر ثباتًا! أوصتني صديقة ألا أشكو لها أي شيء وأن أطمئنها.
أطمئنها فقط لأنهم يتألمون مثلنا!
وجدتني أخبرها أني كتبت عنها منذ رحلت، وبدأت أقرأ لها ما كتبت، أحبس دموعي تارة، وأتركها تنسال تارة أخرى! مكثت معها كثيرا لا أدري كم من الوقت!
أخبرتها بعد أن انتهيت..
"أعلم أنك قادرة على التأقلم وأنك ستعتادين كل شيء، فأنت كنت طاغية الحضور دائمًا، حتمًا ستكونين كذلك في مكانك، وستجدين طمأنينتك برفقة من تحبين هناك!
مازحتها قائلة: "افتخري بي في عالمك كما كنت تفعلين في عالمنا"..
اجتمعنا كلنا إلا هي! ضحكنا، تناقشنا، مازحنا بعضنا البعض، ولعب الأحفاد وأحدثوا ضوضاء كبيرة، وجلبة أكبر! تساءلنا ماذا لو كانت هنا؟! لعنفتنا نحن دون أن توجه كلمة للأحفاد!
للمرة الأولى نجتمع كعائلة بشكل خاص، كبيرنا، وصغيرنا، أحفادها جميعًا، لم ينقص منا أحد.. لم ينقصنا سواها!
أتأمل مكانها الفارغ.. صورها هي وأبي، أغراضها المختلفة، لا سيما الكوب الزجاجي الذي تفضل! وأشعر بغصة في قلبي، مكانها ليس بفارغ فقط، بل أنه موحش، حزين لفراقها.
لدي قناعة بأن الأشياء تتأثر بموت أصحابها، انقسم كوبها الزجاجي لنصفين، وحده دون أن يقربه أحد، وكأنه يخبرنا أن القصة انتهت.. أنه آن الأوان كي نلتفت للمستقبل.. ننظر للأمام.. نودع الأحزان ونبدأ طريقنا الجديد..
نحن أبطاله بالمعنى الحرفي للكلمة، فهل نستطيع أن نكون ذوي تأثير في الآخرين مثلما كان السابقين معنا؟!
سؤال نتركه للأيام..
عزيزي عمر خورشيد..
نحتفل هذه الأيام بالمهرجان الثقافي للكتاب الورقي المهدد بالانقراض، بسبب طغيان التكنولوجيا وارتفاع أسعار الطباعة.. بدأ معرض القاهرة الدولي للكتاب فعالياته الثقافية.. أدعو الجميع لزيارته!
أن يحرص على اقتناء أي نسخ ورقية، فالناشرون يقدمون عروضًا كثيرة ومتنوعة.. كذلك أجهزة الدولة ومؤسساتها الداعمة للثقافة تقدم المنتج الأدبي من ترجمات وأدب ومسرح وخلافه بأسعار رمزية..
أنقذوا الكتاب الورقي، ولا تستجيبوا لدعوات الهدم التي تنادي بالمقاطعة.. ادعم ثقافة بلدك، وكن إيجابيا، ولا تساعد في هدم آخر نافذة للحرية.. نافذة القلم، والتعبير، والحلم.
زوروا معرض الكتاب وأنقذوا سمعة ومستقبل مصرنا الحبيبة.
يراهن الجميع على فشل هذا المعرض هذا العام، وأنا أثق في وعي وحكمة كل مثقف وقارئ، مصري وعربي.. في المحن تظهر معادن الشعوب، ونحن شعب يعشق الفن والتاريخ ويقدر قيمة القلم.
عزيزي عمر خورشيد..
مللت من تكرار جملة ليتك لحنت العديد من الألحان على شاكلة لحن رصاصتك الذي أعشق.. هذا اللحن الذي يشهد معي ميلاد أدق لحظات حياتي، يشاركني انكساراتي وتعافي وسعادتي..
عزيزي عمر خورشيد..
كن بخير لأكتب لك مجددا.. وإلى لقاء.
|