القاهرة 24 يناير 2023 الساعة 01:20 م
كتبت: نضال ممدوح
مع الإعلان عن صدور ترجمة جديدة باللهجة العامية المصرية لرائعة الكاتب الأمريكي إرنيست هيمنجواي، "العجوز والبحر"، قبيل انعقاد الدورة الرابعة والخمسين لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، عاد الجدل من جديد حول الترجمة بالعامية المصرية، وهل تنتقص هذه الترجمة من العمل الأصلي، وهل تصلح العامية المصرية لنقل الأعمال العالمية، خاصة مع تعدد اللهجات داخل العامية المصرية؟ وغيرها من القضايا، كان لـ "مصر المحروسة" هذا التحقيق مع عدد من المبدعين والكتاب حول هذه القضية.
بداية قال الروائي مصطفي البلكي: من ثوابت الكتابة اللغة، والفصحى تمثل هوية راسخة، تجمع كل الناطقين بها، وتعمل على حفظ تراثهم، لا يمكن التعامل معها باستهانة من خلال تغليب صوت اللهجات المحلية عليها، فلكل قطر قاموسه الخاص، وكل من يفكر في نقل آداب الآخر بها هو شخص يلعب بأهم عوامل الهوية، وبدلا من العمل على الحفاظ عليها ونشرها، يتم هدمها، وتلك الخطوة لو تمت ستكون بداية الانهيار، فالتخلي خطوة فاصلة عن كل شيء يمد جذورنا في الأرض..
هناك عدة محاولات لكتابة نص باللهجة العامية، لم يكتب النجاح لأغلبها، فالنص الادبي تشكيل لغوي، جماله مستمد من جمالها..
وبدوره قال الشاعر مؤمن سمير: في الحقيقة لقد اندهشت عندما قرأت خبر صدور رواية مترجمة بالعامية المصرية، لكني كعادتي لم أغلق الأبواب وتذكرت بشكل عفوي مشاعر من تلقوا خبر كتابة رواية كاملة بالعامية وكيف رفضوا الأمر ثم مرت السنوات وصارت هذه الروايات مستساغة ومعتادة، لكني عدت سريعًا لريبتي وتشككي لأن العمل الإبداعي المصري الخالص الخارج من بيئة نفسية مصرية ومناخ وعيي مصري وهو ما يسوغ كتابة عمل بالدارجة المصرية - أمر يختلف قطعاً وبالكلية عن عمل عالمي يخرج من سماوات أخرى.. بعدها قررت أن أؤجل الأمر حتى أرى النتيجة وأقرأ أجزاء من العمل، وحدث ذلك وكانت النتيجة سيئة جدا بمنتهى الصراحة ولم أجد ثمة مبرر واحد لهذه التجربة، ولم أجد أي منفذ لإضافة العمل لسجل الأعمال المغامرة التي يحتاجها الأدب طول الوقت حيث العمل الإبداعي بالطبع في حد ذاته مغامرة ولعب مع غير المألوف.. ثم أين التعبير عن توجهات الكاتب وفلسفته وبيئته وثقافته ووعيه وزمنه هنا، لقد جررناه إلى سكة بعيدة عن بصره وبصيرته، أليست الترجمة محاولة لنقل روح كاتب ما للغة مغايرة؟ نحن وفق التوجه الغريب إذن، لا نكون إلا قد توغلنا ومارسنا جَوْراً فظيعاً على المبدع الأصلي ومسخناه وبهذا لم يعد الكتاب كتابه بكل صراحه..
ومن جانبه قال الشاعر سمير الأمير: سبق أن ترجم الشاعر الكبير فؤاد حداد أشعارا بالعامية. وأعتقد أننا لم نشعر كقراء بنقصان المتعة، كانت مجموعة أشعار فيتنامية، أبرزها كان للشاعر والبطل هوشي منه.
أعتقد أن اللغة هي مجرد وسيط وإن كانت حاملة لمضامين ودلالات تختلف مع اللغة التي يتم الترجمة منها ولكن الأمر هنا سينطبق على اللغة العربية الرسمية، كما سينطبق على العامية.
الفرق الوحيد أننا اعتدنا على تواتر الترجمات إلى العربية الفصحى، لكن اليوم مثلا طالعت ترجمة صدرت مؤخرا لرواية "العجوز والبحر " لهيمنحواي لمجدي عبد الهادي. لا أميل لفكرة أن لغة أكثر مناسبة من لغة.. لأن شروط نقل المعاني مرتبطة بقدرة وسيطرة المترجم على اللغتين.. ولا أميل لمنع أي نشاط فكري وإنساني او تأطيره في أطر معينه..
وكذلك لا أخشى على اللغة العربية من لغات أو لهجات أخرى لأن بقاء اللغات واندثارها مرهون بقدرة الشعوب على مقاومة الاستلاب، بالعموم لا أري أية غضاضة في ترجمة أعمال أجنبية للعامية طالما سيصل المعنى بطريقة أقرب للأصل، وأعود وأقول لقد استمتعت وأنا بعد صبي صغير بالشعر الفيتنامي الذي ترجمه فؤاد حداد للعامية. ولي تجربة أنا أيضا مع قصيدة لآنا اخماتوفا الشاعرة الروسية، حين وجدتني وأنا أترجم قصيدتها مدفوعا لاستخدام العامية وفي النهاية حصلت على شعر آخماتوفا بصوت مصري فوضعت القصيدة في ديواني الأول "يصل ويسلم للوطن" الصادر عن الهيئة المصرية للكتاب2001 وكتبت تحت عنوانها "عن الشاعرة الروسية آنا اخماتوفا.
• ما الفائدة التي ستعود على المتلقي؟
ومن جانبها قالت القاصة منال رضوان: بداية تعد العامية المصرية إحدى السمات الدالة على تفرد الشخصية المصرية، والتي تشير إلى ثقافة اجتماعية مميزة، وذهبت بعض الآراء إلى اعتبار أن العامية المصرية بمفرادتها الغزيرة هي الامتداد الطبيعي لهوية ضربت بجذورها في أعماق التاريخ المصري، فتشربت مفرداتنا اليومية بألفاظ وتراكيب ظلت معنا منذ القدم،
فنحن على سبيل المثال نقول: (أهري وأنكوت) وهي اشتقاقات لأفعال الصعود والنوم باللغة المصرية القديمة، وعندما نحذر أحد الصغار فنقول (بخ) أي العفريت أو نشير إلى الطاولة بقولنا (طرابيزة) وهي مفردة مصرية قديمة تنطق إترابيزة أو (يِخُم) أي يقوم بخداع غيره، كذا عبرت كلمة (ياما) عن الكثير، أو كلمة (دوشة) والتي مازلنا نعبر بها عن الضجيج، وغير هذا الكثير والكثير من مفردات تملأ حياتنا اليومية، ونستخدمها في تعاملاتنا.
وأوضحت "رضوان": وكي لا نبتعد كثيرًا عن صلب الموضوع، فإننا وإن كنا نؤكد على تفرد العامية المصرية ونثمن مدى الثراء الذي تتشرب مفرداتها به كنتاج طبيعي لتواتر الحضارات والثقافات المتنوعة عليها والتي أثرت فيها وتأثرت بها، غير أنه لا يمكننا بحال اعتبار أن استخدام العامية في الترجمة واستبدالها بالفصحى من الأمور المباحة أو التي تصب في صالح اللسان العربي الفصيح، أو حتى تخدم العمل الأصلي، فهذا الدمج أو الخلط قد يخلخل اللغة ويضعفها خاصة مع استخدام الألفاظ الدخيلة وغير المفهومة والتي دأبت شريحة من أصحاب الحرف والمهن على استخدامها كطريقة للتواصل فيما بينهم، فاعتادتها الأذن بمرور الوقت وتغير السلوك الاجتماعي، وبالتبعية سيؤثر ذلك على تلقي العمل الأصلي بالسلب؛ فهل يمكننا تصور المونولوج الأشهر لهاملت شيكسبير مثلا يقال بالعامية، وما الفائدة التي ستعود على المتلقي وقتها؟ وبما أن الارتقاء بالذوق العام يعد إحدى مهام اللغة؛ فبدلا من ذلك الاقتراح الذي لا أجد له ما يبرره، كان من الأولى العمل مع اختصاصي اللغة على تنقية العامية المصرية من شوائب لفظية جلبتها علينا بعض الشرائح الاجتماعية التي تحتاج منا أن نقف إلى جانبهم ونأخذ بأيديهم؛ لنعلمهم رقي الفصحى وبيانها، وجمال العامية وبساطتها.
وبدوره قال الروائي الشاب ولاء كمال: من وجهة نظري تظل اللغة المكتوبة هي اللغة العربية الفصحى. وهذا له حكمته حيث تتعدد اللهجات المنطوقة ولكن تأتي الكلمة المكتوبة فتوحد بين جميع متحدثي العربية، وتحفظ العمل أمام تغيرات اللهجات والتطور التاريخي للخطاب اللغوي، وهذا له فوائده التي لا تحصى. أما فيما يخص بعض تجارب الترجمة للهجات العامية فهو مجهود لا بأس به، لأنه مجرد ظاهرة أدبية مختلفة، وسوق الكتاب ضخم ومتنوع ومن المفترض أنه يستوعب مثل هذه التجارب، ولكنها بالطبع لن تغني عن الترجمات الأصلية باللغة العربية، وقد تلعب دوراً فقط في جذب النشء والشباب وتشجيعهم على القراءة كخطوة أولى، وقد تشجع الجيل الأصغر على القراءة واستكشاف عالمها الرحب، ولكنها في النهاية ليست ترجمة معتبرة للعمل، مثلها مثل الملخصات أو الكتب المبسطة التي كانت تصدر في شبابنا، مثل محاولة كامل الكيلاني لتبسيط حي بن يقظان، أو الأخوان لامب في إعادة سرد أعمال شكسبير في شكل قصص قصيرة بلغة حديثة ومبسطة.
ومن جانبه قال الكاتب الروائي والقاص بيتر ماهر الصغيران: أعتقد أن الموضوع له جذوره التاريخية حيث يمكن اعتبار التمصير الذي بدأ مع مطلع القرن العشرين هو إعادة تقديم روائع المسرح العالمي إلى المشاهد المصري من خلال المسرح .
مع دخول المسرح الكوميدي الاجتماعي تحول الموضوع إلى مهمة صعبة في صياغة الكلمات العامية المناسبة دون الإخلال بالنص حتى مراعاة الظروف الخاصة بالبيئة المصرية .
وأضاف “الصغيران” موضحا: حتى وإن كان لدى الكاتب في تمصير الحدث مطلق الحرية في التعديل والحذف والإضافة على خشبة المسرح أو حتى في السينما لكن الوضع يختلف في الترجمة الأدبية.
الموضوع يقوم بالأساس على أمانة المترجم في نقل المفردات من لغتها الأصلية إلى اللغة المترجم إليها موضوع اللهجة لا يؤثر بالضرورة في العمل الأدبي إذا قال الكاتب الأصلي للنص جملة بالإنجليزية How are you? يمكن أن ينقلها المترجم بأكثر من دلالة لإيصال المعنى يمكن أن يترجمها كيف حالك ؟ و يمكن أن يترجمها باللغة العامية المصرية إزاى الحال ؟ المعنى وصل في جميع الحالات فلا يوجد أى مشكلة مع هذا الأمر، لكن إذا أضاف المترجم كلمات عامية أخلت بالمعنى الأصلي فهى تعتبر بمثابة خيانة للنص الأصلي! حتى لو كان الغرض من الأمر تبسيط المعنى أو حتى توضيحه بطريقة جديدة! نحن نتفق أن الأمر طالما داخل السياق النصي له أبعاد محددة لدى المترجم .
• تجعل القراءة شاقة وغير مريحة:
وبدوره قال الكاتب الروائي "محمد العون": قرأت بعض الأعمال المكتوبة بالعامية، ومنها رواية مترجمة، لغة ركيكة وفي غاية السخف، تجعل القراءة شاقة وغير مريحة على عكس المتصور، وأرى أن هذا الاتجاه يضر العمل ويسيىء إليه.
|