القاهرة 24 يناير 2023 الساعة 11:03 ص
كتب: صلاح صيام
نواصل الحديث عن الدكتور ممدوح النابي الفائز مؤخرا بجائزة ابن بطوطة والتي قال عنها: "يمثل لي الفوز بالجائزة أهمية كبيرة من ناحيتين، الأولى أن العمل الفائز متعلّق بطه حسين، بما يمثّله اسم طه حسين من قيمة معنوية كبيرة، وهو ما يمثّل لي من هذه الناحية جائزة أخرى، تدفعني إلى الاستمرار في قراءة منجزه ومحاولة الكشف عن مضمراته، والثانية، تتعلّق باسم الجائزة "ابن بطوطة" واحد من أهم الرحالة العرب، وهي التي يشرف عليها "المركز العربي للأدب الجغرافي" ارتياد الآفاق، فالجائزة لها مكانتها في محيطها العربي، خاصة ما ترنو إليه من فلسفة تهدف إلى إحياء الأدب الرحلي، الذي كانت المكتبة العربية زاخرة به، بل ومميزة جدًّا فيه، ومن ثم وضعه على الخريطة الإبداعية والنقدية، فالعرب أهم منجزاتهم قديمًا كانت في النصوص الرحليّة، وهو ما تعمل الجائزة على التحفيز في الاستمرار عليه، وحضّ الكُتّاب على اختلافهم على خوض غمار الرحلة، وما يرادفها من استكشاف للعوالم الجديدة وتقريب الثقافات كي تكون جسرًا حقيقيًّا بين الثقافات والحضارات المختلفة، وهو ما يدعوني لتهنئة المشرفين على الجائزة لاستمرارهم في مشروعهم رغم المحبطات والإكراهات".
وكان "النابي" قد أصدر من قبل كتابًا بعنوان "استرداد طه حسين"، الذي يشير إلى أنه دراسة فكر وأدب طه حسين، وهو عبارة عن مجموعة من الدراسات تتصل بأهم القضايا التي طرحها طه حسين في كتاباته مثل الشعر الجاهلي، وتجديد ذكرى أبي العلاء، ومستقبل الثقافة في مصر، والأيام، وجزء منها متعلّق بالإشكاليات التي أثارتها هذه الأعمال، على نحو خلافه مع أحمد ضيف، أو ما حدث مع "مذكراته" التي تمّ تشويهها بحذف فصول منها وتغيير عنوانها إلى "العمامة والطربوش"، وأيضًا الإشارة إلى بعض وجوه طه حسين كالناقد المعنّف، ودوافع هذا العنف الذي مارسه على نفسه قبل أن يُمارسه على أصدقائه وتلاميذه دون هوادة، وأيضًا وجه طه حسين العاشق ليس كما تجلّى في رسائله إلى زوجته سوزان، على نحو ما جاء في "الأيام" وكتابها "معك"، وإنما عبر ما صاغه من مفهوم للحب، ومرره في رواياته "دعاء الكروان، ما وراء النهر، الحب الضائع".
في المقابل، ينشغل كتاب "البلاغة العمياء" وحسب عنوانه الفرعي "بحث في الخيال الرحلي عند طه حسين"، بالتقنيات التي لعب عليها طه حسين ليستفيد من الحواس اللابصريّة في الكتابة "كالسمع واللمس والشم والإدراك وما شابه ذلك"، بالتطبيق على كتاب "رحلة الربيع والصيف".
ويُبين النابي أن الدراسة قد توصّلت إلى عدد من النتائج من أبرزها ان نصّ طه حسين الرحليّ يتصل بالنصوص الأولى التي تعدُّ الدعامة الأساسيّة لأدب الرحلة أو ما يمكن وصفه على الإطلاق بـ"الأدب الجغرافي" بوصفه المدخل الأساسي الذي يكشف طبيعة نظرة العربي إلى ذاته، ونظرته إلى الآخر في معركة الصراع الحضاري مع الآخر، صراع الهويات / الأنا في مقابل الآخر.
ويضيف: "الأهم أن الدراسة أشارت إلى الدور النهضوي الذي لعبه طه حسين كجسر ثقافي، عمل على تقريب الثقافات المختلفة، والحقيقة أنني توقفت فقط عند هذا الدور كما ظهر في رحلته، لكن في ظني يحتاج إلى دراسة مستفيضة تكشف الدور النهضوي الكبير الذي لعبه طه حسين؛ حيث نقل إلى العربية الكثير من آثار الحضارة الغربية فكريًّا وأدبيًّا وحضاريًّا؛ وهو دور مهم جعله في مقدمة التنويرين النهضويين".
كما كشفت الدراسة أن هناك نقطة التقاء بين أجواء رحلة "رفاعة رافع الطهطاوي" (1801- 1873) المعروفة بـ "تخليص الإبريز في تلخيص باريز" (1934)، وهي الرحلة التي كانت نقطة الاتصال الحقيقي بمعالم النهضة والتنوير الأوروبي، ومحاولة نقل هذه التجربة إلى الواقع المصري، فسار العميد طه حسين في رحلته "رحلة الربيع والصيف" على نفس منوال رفاعة الطهطاوي، في محاولة نقل التجربة، وإن كان طه حسين لا يكتفي بوصف المعالم الأثرية والتاريخيّة أو حتى التغيرات التي حلّت على المجتمع الفرنسي مع قدوم التكنولوجيا ممثلة في الراديو، وإنما إلى جانب هذا وذاك يعقد المقارنات بين هناك وهنا، بغية التحفيز على الأخذ بإشارات النهضة، وعلامات الحداثة التي شقت طريقها هناك في باريس ويريدها هنا في مصر.
|