القاهرة 18 يناير 2023 الساعة 12:25 م
بقلم: أحمد محمد صلاح
بدأ المذهب الكلاسيكي في أوروبا في القرن السادس عشر بعد حركة البعث العلمي، والتي قامت على فكرة محاكاة الآداب اليونانية واللاتينية القديمة، لما فيها من خصائص فنية وقيم إنسانية، بعد عمليات التحليل والتذوق الفني والأدبي أيضا.
أما كلمة كلاسيك فهي مصطلح قليل التحديد على الرغم من شيوعه، فلا يمكن ربطة بزمن أو مكان معين، وخصائص محددة، ولكنه يعني بشكل عام كل عمل جميل خاضع للتطوير والتكامل، وبمعنى آخر كل عمل أجمعت العصور على جمالياته، على الرغم من أن هذا التعريف يؤدي في كثير من الأحيان إلى الارتباك والتشوش في معرفة ما هو كلاسيكي عما هو حداثي.
كانت الدولة البابوية قد استحوذت علي السلطة السياسية في إيطاليا، والبابوات يشعرون أنهم ورثة الأباطرة، وعملوا على محاولة استرجاع أمجاد الإمبراطورية الرومانية القديمة، وبالفعل نجحوا جزئيا، وأصبحت روما مركز الحضارة الغربية، واستقدم البابوات إلى روما أشهر فناني العصر، بعد الخراب الذي حل بروما إبان فترة الحرب الأهلية بين الأسر الكبيرة، فكان من ضمن من استقدم من الفنانين: مازاتشو، جنتيلي، دوناتلليو، أنجليكو، جوتسيلي، فوارلي، ولكن هؤلاء الفنانين غادروا روما بعد إتمام أعمالهم دون أن يتركوا أثرا يذكر سوى أعمال بسيطة.
إلا أنه في عصر سكتوس الرابع الذي جعل روما بفضل الأعمال التي كلف بها الفنانين لتزيين كنيسته مركزا للإنتاج الفني، ولم تظهر مدرسة أو اتجاه ذو طابع روماني محلي، ولم يظهر هذا الاتجاه إلا في عهد يوليوس الثاني بعد أن استقر برامانتي ومايكل أنجلو ورفاييل في روما، ووضعوا مواهبهم في خدمة البابا، وتلك هي فترة النشاط الفني الفريد التي كانت نتيجتها تلك الآثار الرائعة في روما التي تشهد علي عظمة عصر النهضة في قمته.
إن أمثال هذه الأعمال هي التي تحقق فيها الفن الكلاسيكي لعصر النهضة، بالرغم من أنها كانت أضيق حدودا من تأثير النزعة الكلاسيكية اليونانية، وان كانا قد اشتركا في صفة معينة وهي أنه على الرغم من الميل إلى الأسلوب المنمق، فإنه لم يتخل عن الاتجاهات المطابقة للطبيعة التي سادت في الفترة السابقة عليه، بل عمل على تعميق الاتجاهات وتركيزها مثل تماثيل (البارثنون) والتي تتميز بأشكال أكثر اتفاقا مع تماثيل بوابة معبد زيوس أو أوليمبيا.
كذلك كانت الموضوعات في أعمال رفاييل ومايكل أنجلو تعالج بطريقة أقرب للطبيعة وأكثر تحررا وواقعية من موضوعات فناني القرن الخامس عشر، ولا يوجد في التصوير الإيطالي كله قبل ليوناردو أي شكل بشري لا يتضمن شيئا قبيحا إذا ما قورن بالشمال البشرية التي كان يرسمها رافاييل.
إن نزعة المطابقة الطبيعية التي بدأت في القرن الخامس عشر قد استمرت وبلغت أوجها في القرن السادس عشر، بل تتمثل أيضا في عملية التنميق التي أدت إلى الفن الكلاسيكي في واسط عصر النهضة، فقد سبق لألبرتي أن صاغ مفهومًا من أهم مفاهيم النزعة الكلاسيكية وهو تعريف الجمال: بأنه انسجام جميع الأجزاء، فهو يعتقد أن العمل الفني يتكون على نحو من شأنه أن يكون من المستحيل اقتطاع جزء منه، أو إضافة أي شيء له، دون الإخلال بجماله ككل، هذه الفكرة يرجع أصلها إلى أرسطو وظلت من القضايا الأساسية للنظرية الكلاسيكية في الفن.
|