القاهرة 17 يناير 2023 الساعة 12:38 م
كتبت: فاطمة الزهراء بدوي
لم نعلم من أسماء الفنانات التشكيليات سوى القليل كجاذبية سري، على الرغم من دورهن البارز في تقديم فن راق يتجه بالمجتمع نحو ثقافة التنوير.. وفي هذا المقال نستعرض معكم قصص بعض هؤلاء في حفنة من الكلمات المكثفة، ومعانتهن في خوض معارك الاستنارة؛ حتى يظل إنجازهن حيا في الذاكرة.
• كفاح يستحق الإشادة:
يقول الكاتب الصحفي حمدى البصير، مؤلف كتاب «مبدعات مصريات وقصصهن الإنسانية»، إن الكتاب ازدانت صفحاته بإبداعات تلك الفنانات، وما جذبه للكتابة عن ذلك هو رغبته في إيصال كفاح المرأة المصرية.
ويضيف: قررت أن أغوص في أعماق الشخصيات التي أكتب عنها، وألقى الضوء على حياتهن الإنسانية؛ كي أستخرج كنوزًا بين تلك الحكاوي، وتجارب ثرية. ويتمنى الاهتمام بحصة التربية الفنية بالمدارس بدلاً من حشو المناهج الدراسية.
وعن معايير اختياره لهؤلاء المبدعات في مجال الفن التشكيلي والأدب والنقد والعلم، فيقول إن أهمها: التفرد الإبداعي، وأن يكون لها لمستها وبصمتها الخاصة بأعمالها الإبداعية، والتمييز في العمل الإبداعي دون تكرار، والتجديد دائمًا في أعمالها، والإنتاج الفني والأدبي الغزير، وأن تكون حياتها سواء فنية أو أدبية أو إنسانية قدوة للأجيال القادمة.
ويستطرد: وفقني الله باختيار نخبة من المبدعات تتسم أعمالهن بالتنوع والتكامل، وأغلبهن فنانات تشكيليات بجانب الأديبات (من الشاعرات وكاتبات القصة والأعمال المسرحية).
• الفنان ملتصق بهموم مجتمعه:
يرى د. عادل عبد الرحمن وكيل نقابة الفنانين التشكيليين، أن الاعتقاد عن المرأة -في السابق- أنها لوحة جميلة، ولم يكن لديها فرصة للتعبير عن نفسها؛ فإذا رجعنا إلى التاريخ وإلى مؤسسى المدارس الفنية لا نرى امرأة تتصدر المشهد أو أنها أسست مدرسة كذا، على الرغم من تميز نساء كثيرات، وجدير بالذكر أنه في الآونة الأخيرة أصبح هناك اهتمام خاص بالمرأة وثقافتها وتعليمها وعملها عن السابق، وفنانين كثيرون عبروا عن المرأة بطريقتهم الخاصة.
ويشدد على أهمية دور الفنان إزاء ما يحدث من قضايا؛ فالفنان الذى لا يحمل تحت جلده قضايا وهموم وطنه ولا يتفاعل مع أى شيء يحدث حوله ليس بفنان.
ويقول: أتمنى وجود مزيد من هذه الكتب التي ترسخ دور هؤلاء المبدعات؛ فهى بمثابة أرشيف، كما أن الاقتراب منهن ومن قصصهن الإنسانية يحمس جميع الفنانات المبدعات للاستمرار، وله دور عظيم في إيصال معانتهن للعامة بقلم الكاتب، وفي أهم مدرستين نقد في مصر (التفكيكية والبنائية) تعد هذه النوعية من الكتب رائعة ومهمة.
• قصور في مجال النقد الفني:
تستهل د. علا يوسف الأستاذة بكلية التربية الفنية، حديثها بقول: من الرائع جدا الكتابة باستفاضة عن الفنانات، وتتساءل: أين دور النقاد في الفنانات الموجودات اليوم؟ فالنقد هو الحركة الجسورة للعقل، وأرى قصورًا به اليوم.
وتوضح أن صعود المجتمع لا يتم بمعزل عن الفن، فهو يمثل حجر الزاوية في تنشئة أجيال ممتازة، وعلينا أن نتكاتف لمحو أمية الفن التشكيلي بمصر، والأم يلزمها تنمية هذا عند أبنائها، كما أن الفن في المدارس هو الذى سيساعد على التذوق وتنمية الوجدان وبناء الشخصية، وأتمنى أن نتأمل في النقوش والرسوم الموجودة بالحضارة المصرية القديمة.. فأين نحن من تلك الحضارة اليوم؟
وتشير إلى أن الفن يعتبر علاجًا من الدرجة الأولى لأمراض نفسية، وليس مهمًا فقط من أجل دخول إحدى الكليات الفنية (كالتربية الفنية، الفنون الجميلة، والفنون التطبيقية)؛ لكنه مثلاً يفيد كثيرًا في رسم الطبيعة ورسم أجهزة الجسم في مادة العلوم، وأذكر أنني كنت أشرح في أحد المؤتمرات، وحكى لي أحد الحضور -وهو أستاذ بكلية طب أسنان القصر العينى- إن الطالب الذى يرسم جيدًا مستواه متفوق مقارنتًا بزملائه؛ فالرسم يجعله قادرًا على رسم شكل جمالي للأسنان.
• الافتقار إلى بيئة صناعة الفنان:
من جانبها تؤكد د. فينوس فؤاد وكيل وزارة الثقافة سابقا، وعضو المجلس القومي للمرأة، أن المشكلة لدينا هي مشكلة نشر، كما أن المقالات النقدية أغلبها ليست موسوعية.
وتشير إلى ما لفت انتباهها بالكتاب وهو دعم وفخرالأسرة؛ فقد كان الكثير من الأهل -في السابق- يتنصلوا من الفن بكل أنواعه، كما أن كثير من الفنانين كانوا لا يحبذون أن يمتهن أبنائهم مهنتهم، وهذا يدل أننا الآن نتجه نحو ثقافة التنوير.
وتسترسل: هذه النوعية من الكتب تتطلب دراسة سوسيولوجية عن أحوال المرأة؛ لتشمل كافة جوانب الحياة الاجتماعية.
وترى أن الفن والجمال داخل كل شيء، ومن لم يلتحق بإحدى الكليات الفنية التحق بنفسه، بمعنى أنه طور من أدواته ذاتيًا.
وتوصي «فؤاد» بإنشاء قاعدة بيانات إلكترونية للمبدعين والمبدعات المصريات تعرض سيرتهم الذاتية، ونماذج من إبداعاتهم ومشاركاتهم الفعلية في كافة المجالات.
• حلم و إصرار:
تقول حسناء نوية الفنانة التشكيلية، إن والدها رحمه الله هو مثلها الأعلى، حيث كان مثقفًا وفنانًا بالفطرة، وكرمته السيدة جيهان السادات باعتباره عاملاً مثاليًا.
وتشير إلى أن حياتها الفنية بدأت قبل بداية المرحلة الابتدائية، فكانت دائمًا ترسم، ولاحظت عائلتها عليها بوادر موهبتها الفنية فزاد حبها لموهبتها، وشجعها بعد أسرتها أستاذ التربية الفنية بمدرستها، وحصلت على لقب الطالبة المثالية أكثر من مرة.
وعلى الرغم من تفوقها في المرحلة الإعدادية وحصولها على مجموع يؤهلها للإلتحاق بالثانوي العام، إلا أنها فضلت دخول إحدى المدارس الفنية، وفي السنة الثالثة من المرحلة الثانوية الفنية تعرضت لوعكة صحية، جعلتها لم تحصل على مجموع يؤهلها لدخول الجامعة؛ فانشغلت بمتابعة حالتها الصحية واهتمت أكثر بالرسم بعد أن طار حلم الجامعة.
وبعد أن تحسنت حالتها الصحية، اقترحت عليها والدتها الذهاب إلى قصر الثقافة بشبين الكوم، وهنا بدأت مرحلة فنية جديدة في حياتها، وكانت تصغي جيدًا لتوجيهات كبار الفنانين التشكيليين من مرتادي القصر ورواده، وكانت تنجز أعمالا فنية على الرغم من الشعور من وقت لآخر بالدوار وتدهور حالتها الصحية.
وتذكر أنها بعد ذلك ذاع صيت كورساتها الفنية، وطريقتها في التدريب التي تكمن في التعديل السلوكي ثم استكشاف الموهبة ثم إصقالها بالتعلم.
وتقول إنها شاركت في العديد من المعارض، حيث اشتركت بمعرض ملتقى براعم الدولي للفنون الإبداعية والتشكيلية بجاليرى الإعلاميين لمؤسسة الأستاذ عمرو الكاشف، وحازت على أوسكار الملتقى تقديرًا لفنها ومشاركتها، وأيضًا لجهودها الفنية الفائقة مع متدربيها.
كما نظمت أول معرض للفن التشكيلي يجمع بين لوحات للمحترفين والأطفال بالمنوفية في قصر ثقافة مدينة شبين الكوم، وذلك بحضور قامات الفن التشكيلي بمصر، وآخر المشاركات الفنية لها هى مشاركتها في أواخر عام 2021 في ملتقى الجمهورية الأول والثاني للفنون البصرية.
وتحلم في النهاية باستمرارها في الجمع بين ممارسة عملها الفني والقيام بعملها كمدربة محترفة للرسم، وتدريب آلاف الأطفال على الرسم.
• قيود وعوائق:
تقول يمنى فضالي الفنانة التشكيلية: تعلمت الكثير من جدتى رحمها الله خاصةً في مجال الرسم، وتخرجت بتقدير امتياز من «التربية النوعية» في قسم التصوير الزيتي، وعملت مرغمة كمعلمة تربية فنية في مدارس مختلفة.
وتعبر عن حزنها: الزواج كان عائقًا أمام تكملة طريقي الفني، وتعرضت للعنف المعنوي والجسدي أحيانًا بسبب مشاركتي في المعارض، و انقطعت عن المجال الفني، ولم يخرجنى من عزلتى إلا إنجاب ابنتى "ريناد"، خاصةً إنها ورثت الفن مني، و تبدع رسومات متنوعة رغم سنها الصغير.
واستطاعت «فضالي» أن تحطم قيودها، وانطلقت إلى عالم الفن بعد حصار امتد إلى 15 عامًا، و نالت حريتها، وشاركت الآن في 69 معرضا، وتخصصت ببراعة في فن إعادة تدوير المخلفات وتحويلها إلى أعمال فنية؛ لنشر الجمال والحفاظ على البيئة. وحصلت على العديد من التكريمات وشهادات التقدير من داخل وخارج مصر؛ لنشاطها الفنى المميز، وتم اختيارها كسفيرة للفن من جهات عديدة، وهي الآن المدير الإقليمي في مصر لمؤسسة ريشة ولون العراقية، وشاركت في مسابقات عالمية إلكترونية، حصدت من خلالها الكثير من الجوائز المحلية والإقليمية.
وتحلم بالكثير لوطنها -مصر- بالأخص في مجال الفنون التشكيلية وأن يزدهر أكثر، وتشجيع الشباب على الانخراط في بناء مستقبلهم، والقضاء على كل الأفكار الرجعية؛ من أجل الحفاظ على وجدان أمتنا من التمزق.
• تنشئة سليمة:
في هذا الصدد تقول الشاعرة إلهام عفيفى، إنها ولدت في قرية وسط الريف قضت فيها نصف طفولتها وصباها، وتعتقد أن ذلك ما جعل الخيال جزءًا من شخصيتها وموهبتها، وأن والدها - رحمه الله - كان أزهريًا مستنيرًا، حببها في القراءة وعلمها لها قبل دخول المدرسة، ثم حفظ القرآن وأحكام تلاوته، وذلك خلق داخلها حب الأدب والشعر .
وتضيف: كنت من المحظوظين الذين أدركوا أهمية المكتبات والأنشطة في المدارس، فمنذ المرحلة الابتدائية كنت ضيفًا دائمًا على المكتبة أستعير الكتب واقرأها، وأشارك في كل الأنشطة، والإذاعة المدرسية. ودرست المحاسبة بكلية التجارة جامعة عين شمس، لم يكن لدراستي علاقة بموهبتي، لكنها لم تعطلني؛ ففي تلك الفترة كنت أكتب لنفسي فقط، كنت أكتب عن مشاعري وأحلامى وطموحاتى وإحباطاتى.
وعن الأساتذة الذين تأثرت بهم تذكر منهم: طه حسين (عميد الأدب العربى)، وعباس محمود العقاد حين درست (عبقرية عمر) فى المرحلة الثانوية، والشاعر إيليا أبو ماضى، وكانت تبكى لأشعار إبراهيم ناجي، وتعشق شعر بشارة الخوري، وفي مراحل تالية عاشت مع صلاح جاهين الإنتصارات والإنكسارات، وحزنت مع أمل دنقل وصلاح عبد الصبور، ورأت قلب مصر مع بديع خيري وفؤاد حداد، وحين قرأت (أهل الكهف) رأت أن توفيق الحكيم من أعظم كتاب العالم وليس مصر فقط.
وعن اتجاهها مؤخرًا إلى كتابة القصة القصيرة تقول: في رأيي ليس للإبداع شروط، إن جاءت الفكرة فلتخرج في أى إطار شعر أو نثر أو قصة قصيرة.. المهم أن تؤثر وتقدم فكرًا مفيدًا، وأحب أن تتنوع أبياتى الشعرية لتشمل كل مناحي الحياة.
وترى أن الحركة الأدبية وليس الشعر فقط أصبحت قائمة على الشللية والمصالح والعلاقات والتربيطات، وليس على الموهبة، المواهب الحقيقية مختفية تحارب لتظهر ولكنها لا تجد من يساعدها. وتتمنى أن تقوم وزارة الثقافة بدورها في مساعدة المواهب الحقيقية التي تبرز صورة مصر الحقيقية، وأن تستعيد مصر ريادتها الثقافية للمنطقة، كما كانت دومًا.
|