القاهرة 07 يناير 2023 الساعة 01:25 م

بقلم: د. حسين عبد البصير
أصدر حاكم مصر محمد علي باشا أمرًا إلى المهندس الفرنسي لينان بهدم أهرامات الجيزة، واستخدام أحجارها الضخمة لبناء قناطر جديدة عند رأس دلتا النيل، أي القناطر الخيرية! وحاول المهندس الفرنسي إقناع محمد علي بالعدول عن قراره على أساس أن كميات هدم أحجار الأهرامات سوف تزيد أربعة أضعاف عن الأحجار المطلوبة لبناء القناطر الجديدة، ولا نعرف دوافع المهندس الفرنسي لمنع محمد علي باشا من هدم الأهرامات، ربما يرجع ذلك إلى معرفته بالقيمة التاريخية لتلك الآثار العظيمة، كما طلب المهندس لينان المساعدة من قنصل فرنسا في مصر، الذي انحاز بشدة لجهوده لحماية الأهرامات.. غير أن الحقيقة هو أن ما دفع محمد علي باشا إلى التخلي عن إصراره لم يكن إلا أن البديل عن الأهرامات كان أوفر عشرين مليمًا!
وذكر المهندس لينان للوالي أن تكلفة نقل المتر الواحد من أحجار الأهرامات عشرة قروش، أي مائة مليم، وأن تكلفة نقل المتر من محاجر قريبة من القناطر تبلغ ثمانية قروش، أي ثمانين مليمًا، وأخيرًا تراجع محمد علي باشا عن قرار هدم الأهرامات!
هناك خرافات كثيرة حول الأهرامات عبر كل العصور، ولا تتوقف ليل نهار، وكان آخرها أن الأهرامات بناها العراقيون القدماء!!
وهذا الكلام وغيره ليس صحيحًا على الإطلاق، وليس هناك أية صلة بين أهرامات مصر وأهرامات المكسيك لا في التاريخ والزمن والوظيفة، أو أن الأهرامات بنتها كائنات من الفضاء الخارجي، أو أصحاب حضارات أو ديانات مجاورة في الشرق الأدنى القديم.
وأيضًا لم تكن الأهرامات مخازن غلال أو محطات لتوليد الطاقة أو الكهرباء، وكل هذه الخرافات وغيرها الكثير غير صحيحة، وكل كتابات المؤرخين العرب والمسلمين في العصور الوسطى مليئة بالخرافات عن الأهرامات، والتقطها بعض الناس في الغرب في الفترات الحديثة والمعاصرة، ونسبوها إلى أنفسهم، وصدعوا عقولنا بها.
في القرن التاسع عشر الميلادي اكتشف الفلكي الاسكتلندي تشارلز بيازي سميث أن الهرم الأكبر كان به قدرٌ كافٍ من البوصات الهرمية، التي تجعله نموذجًا مصغرًا لمحيط الأرض، ولسوء الحظ، كانت حسابات بيازي سميث الدقيقة قائمة على قياسات أُخِذَت حين كانت الكتل الضخمة من الحطام والأنقاض التي ما تزال تغطي قاعدة الهرم.
في عام 1974 ميلادية زعم الفيزيائي كورت مندلسون أن الأهرامات كانت عبارة عن مشروعات عمل عامة وليست مقابر، وأن الهدف منها كان خلْق هوية مصرية قومية للقبائل المُشتَّتة آنذاك، ولم تفسِّر نظرية مندلسون عدم وجود الجثث فحسب، بل فسرت أيضًا مشكلة أخرى مزعجة شابَت نظرية المقابر، وهي تحديدًا أن العديد من الملوك المصريين القدماء اتضح أنهم بنَوا أكثر من هرم، على سبيل المثال كان للملك سنفرو -والد خوفو- أربعة أهرامات، وكان لخوفو نفسه هرم واحد فقط، إلَّا أنه يضم ثلاث غرف يبدو أنها صُمِّمت كغرف دفن.
اكتسبت نظرية أخرى العديد من الأتباع والمؤيدين، وهي أن الأهرامات كانت أضرحة تذكارية؛ أي آثارًا شُيِّدت تكريمًا للملوك المصريين القدماء المتوفَّين، ولكنها ليست مقابرهم الفعلية، التي كانت مُخبَّأة في مكان آخر للحفاظ عليها من اللصوص، وكان ذلك سيفسر لِمَ كانت مليئة بالسمات الجنائزية، ولكن دون وجود مومياوات.
غير أن غالبية علماء المصريات يعتقدون بأن الأهرامات قد بُنِيَت في الأساس كمقابر، حتى لو كانت قد خدمت بعض الأغراض الأخرى، فهي مُحاطَة بمقابر أخرى، وإن كانت لرجال دولة أقل مكانة حتى لو كان اللصوص القدماء وغير القدماء قد استولوا على كلِّ أثر لها، فقد كانت جثث الملوك المصريين القدماء موجودة هناك يومًا ما.
ويمكن فهم الأهرامات، من منظورِ ما أجمع عليه العلماء، على النحو الأفضل كجزءٍ من تدرُّج معماري، بدأ بمقابر مستطيلة ذات قمم مُسطَّحة بُنيَت من الطوب اللبن، والتي يُطلَق عليها الآن "مصاطب" (وهي تلك التي عُثِر فيها على المومياوات).
لم يقم اليهود ببناء الأهرامات، ولا يوجد لهم أي ذكر أو أية آثار في عصر بناة الأهرامات، والحقيقة العلمية المؤكدة أن المصريين القدماء هم الذين بنوا الأهرامات المصرية القديمة. والحضارة المصرية مرتبطة بالموت. وكان الموت هو القوة المميزة في عقيدتهم الدينية وفي كل المجالات في حضارتهم الخالدة. وكانت الحياة الثانية بعد الموت هي هدف المصريين القدماء الحقيقيًّ.
|