القاهرة 30 نوفمبر 2022 الساعة 03:14 م
بقلم: أحمد محمد صلاح
ليس من الطبيعي أن نتحدث عن فنون عصر دون الوقوف على تاريخ هذا العصر، وخاصة إذا كان الأمر يتعلق بمنطقة العرب والشرق الوسط، فالتاريخ شائك وله وجهات نظر متعددة، وإن كنا في تلك الفصول نعالج مسألة الفن إلا أن هذه المعالجة لا بد وأن تتشابك بشكل مباشر وغير مباشر مع تاريخ العصر الذي يدور في رحاه تاريخ هذا الفن.
ضعفت الدولة الأموية لأسباب عديدة كان أبرزها الثورات الكثيرة التي عصفت بها، وخصوصا في السنتين الأخيرتين من عمر الدولة الأموية قبل معركة الزاب الأكبر عام 750م، وهي المعركة التي انهزم فيها الأمويون بقيادة الخليفة مروان بن محمد أمام القائد العباسي عبد الله بن علي، وفر ابن محمد إلى مصر، ولكنه قتل بعد ذلك على يد العباسيين، وفي نفس عام المعركة التي انتصر فيها العباسيون تأسست الدولة العباسية.
أسس الدولة العباسية رجال من سلالة العباس بن عبد المطلب أصغر أعمام رسول الله، وتقول المراجع إنهم كانوا ينقمون على الأمويين بعد انفرادهم بالحكم لأسباب سياسية وخروج الخلافة من بيت النبي، فكان بعد توليهم الحكم وتأسيس الدولة يستبعدون الأمويين من مناصبهم، واستمالوا الشيعة والفرس، كذلك نقلوا عاصمة الدولة إلى بغداد، التي ازدهرت على مدار ثلاثة قرون لتصبح أجمل بلاد العالم، أما المعتصم فقد نقل عاصمة الدولة إلى سامراء أو "سر من رأى"، وكان عصرها الذهبي في عهدي هارون الرشيد والمأمون، ونشطت الحركة العلمية وترجمة الكتب من اللغات الإغريقية والهندية والسريانية، وعمل المسلمون علي تطوير العلوم، وازدهرت الابتكارات العلمية والاختراعات، كذلك بزغ نجم الفلسفة الإسلامية، وبرزت الكتب الأدبية مثل ألف ليلة وليلة، وانتهى الحكم العباسي في بغداد عام 1258م على يد المغول بقيادة هولاكو خان بعدما أحرق ونهب المدينة، وهرب عدد من العباسيين إلى القاهرة واستطاعوا إقامة الخلافة مرة أخرى عام 1261م ولكنها كانت مجرد خلافة رمزية.
•الفن العباسي:
أدي انتقال الخلافة إلى العراق إلى تغيير كبير في أساليب العمارة والزخرفة، فاستعمل البناءون الآجر بدلا من الحجر، وإلى بناء القوائم Pillars بدلًا من اتخاذ الأعمدة columns، كما غلبت الأساليب الفنية الفارسية على الفنون الإسلامية، وفي عام 762م شيد الخليفة المنصور مدينة بغداد على نهر دجلة محاولا بنائها على شكل دائرة كبيرة في وسطها القصر والجامع ويحيط بها سور كبير به أبراج ويوازيه سور آخر.
وفي عام 836م شيد الخليفة المعتصم مدينة سامراء على الضفة الشرقية من نهر دجلة على بعد مائة كيلومتر شمال بغداد، واتخذها عاصمة جديدة للدولة، وامتازت بقصورها الفخمة حتى عهد الخليفة المعتمد عام 883م، وأرجع عاصمة البلاد مرة أخرى إلى بغداد، ودمرت مبانيها كافة إلا الجامع.
ومن الآثار العباسية المهمة جامع أحمد بن طولون في مصر، فابن طولون عاش في سامراء، وعندما استقل بحكم مصر عام 868م نقل إلى مصر ما كان بالعراق من أساليب العمارة والزخرفة، وتجلى هذا في عمارة جامعه الذي يحمل اسمه والذي يعتبر في عمارته مثالا حيا من أمثلة الفن العراقي في القرن التاسع الميلادي، وقد تم بناء هذا الجامع سنة 878م، ويتكون من صحن مربع مكشوف تحيط به أروقة من جوانبه الأربعة، وتقع القبلة في أكبر هذه الأروقة، وهناك ثلاثة أروقة خارجية بين جدران الجامع وبين سوره الخارجي وتسمى الزيادات، ولعلها بنيت حينما ضاق الجامع عن المصلين، وجامع ابن طولون مشيد بآجر أحمر غامق، وأقواس الأروقة محمولة على دعائم ضخمة من الآجر تكسوها طبقة سميكة من الجص بدلًا من الأعمدة التي كان المسلمون يأخذونها من الكنائس والمعابد القديمة، ولكن أهم ما يمتاز به هذا الجامع هو مئذنته أو منارته التي تقع في الرواق الخارجي الغربي، فتكاد لا تتصل بسائر بناء الجامع، وهي مبنية بالحجر، وتتكون من قاعدة مربعة تقوم عليها طبقة أسطوانية وعليها طبقة أخرى مثمنة، أما السلالم فمن الخارج على شكل مدرج حلزوني، وليس لهذه المنارة نظير في الأقطار الإسلامية، اللهم إلا في المسجد الجامع وفي مسجد أبي دلف بسامراء.
وأبنية الجامع الطولوني مغطاة بطبقة سميكة من الجص، وعلى أجزاء كبيرة منها زخارف هندسية جميلة مأخوذة عن الزخارف العراقية في سامراء، وقد عثرت دار الآثار العربية في حفائرها بجهة أبي السعود جنوبي القاهرة على بيت من العصر الطولوني على جدرانه زخارف جصية مأخوذة عن نوع من الزخارف الجصية في سامراء.
ومما امتاز به العصر العباسي نوع من الخزف ذو بريق معدني lustre ذاع استخدامه في العراق وإيران ومصر والشام وإفريقية والأندلس، وكانت تصنع منه آنية يتخدها الأمراء والأغنياء عوضًا عن أواني الذهب والفضة التي كان استعمالها مكروهًا في الإسلام؛ لما تدل عليه من البذخ والترف المخالفين لتعاليم الدين، كما كانت تصنع منه أيضًا تربيعات تكسى بها الجدران كالتي لا تزال باقية حتى الآن في جامع القيروان.
وقد وصلت إلينا بعض صور وتزاويق من العصر العباسي وجدت على بعض الجدران في أطلال مدينة سامراء، وأشهر هذه الصور رسم فيه راقصتان، ويشهد بما كان للأساليب الفنية الفارسية من تأثير على التصوير في العصر العباسي.
|