القاهرة 27 نوفمبر 2022 الساعة 11:43 ص

هكذا؛ تتوالى سقطات البعض في الإعلام والصحافة في مصر، ودواليك؛ تكشف منهجية المعالجة للقضايا المثارة إعلاميًا عن تدهور مهني وأخلاقي أصاب جزءًا كبيرًا من هذه المهنة المقدسة، وتكتشف أن هذا التدهور هو نتاج تقاعس عام عن تطبيق الكود الأصلي للمهنة، تقاعس عن البحث عن المتاعب، تقاعس عن التحقق، تقاعس عن التدقيق، وعن ما وراء الخبر، فدائمًا هناك حقائق غير التي تروى لحظة حدوث الخبر، هناك ملابسات وسياق ووقائع وخلفيات، هناك معايير وقواعد ومنهجية، هناك مبادئ واجبة الالتزام والتطبيق..
وفي الوقت الذي أستغرقه أنا وأنت/ وأنتِ من أجل توثيق معلومة وتحقيق فرضية لإنتاج تقرير موضوعي، هناك من ينشر صورة لمريض فوق فراش الموت، وأخرى لجثة داخل ثلاجة الموتى، وثالثة لمشادة بين أقارب متوفٍ في سرادق عزاء، ورابعة لأسرة متهم من الشخصيات العامة تواسيه وهو ذليل خلف القضبان، أي صحافة في هذا الابتذال؟!!
إنهم يبتدعون كودا جديدا في الصحافة والإعلام لهدم القيم والأخلاق، من أجل ملاحقة ركب ما يعرف بـ"التريند"، وسمح ضعف وتواضع الأداء الإعلامي والصحفي لهذه البدع أن تتغول عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وساهمت قدرة الهواتف المحمولة في سرعة نشر الأخبار والمعلومات غير المدققة وغير الموثوقة مع تراجع الإعلام العام والخاص أمام إعلام ما يعرف بـ"السوشيال ميديا"، لاسيما كانت آخر جرائمه قضية النجمة الشابة "منة شلبي"..
لقد كانت واقعة المطار التي اتهمت خلالها "منة شلبي" بإحرازها موادا يشتبه في إنها مخدرة ويجري فحصها الآن بأمر النيابة العامة، كاشفة لهذا الكود الجديد المستخدم لهدم القيم والأخلاق التي قامت عليها الصحافة في مصر ورسخ على أساسها إعلام القاهرة، فأي صحافة تلك التي تنقل عن مواقع التواصل الاجتماعي الصورة والكلمة والفيديو، دون التحقق من سياق؟! (الالتقاط أو القول أو التسجيل)، أي صحافة تلك التي تتحول في لحظة من موقف المحايد في نقل الخبر المجرد لتحل محل المحقق الجنائي وتلبس بدلة ضابط مباحث المخدرات أو الآداب العامة؟! فمن أين لها بهذا الحق ومن منحها هذه السلطة؟! وهل يحق لأي وسيلة إعلامة إشهار وثيقة إثبات شخصية لأي متهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية بهدف توثيق صحة خبر القبض على فنانة بحوزتها مواد يشتبه في إنها مخدرة؟!!
اختلط الحابل بالنابل، وتاهت الخطوط الفاصلة بين الانضباط المهني وفوضى النشر المباحة والمتاحة دون حسيب أو رقيب، وسقطت العديد من المواقع الإلكترونية في براثن النقل عن السوشيال ميديا، وراحت تطعن في ذبيحة جديدة فوق مذبح إعلامي يتبع أكوادا لهدم القيم والأخلاق، وكانت النجمة الشابة منة شلبي هي المتهمة المطعونة، والمتاحة والمستباحة في كل شيء يمكن أن يقال في حق متهم لم تثبت إدانته!
حين كنت أحبو في بلاط صاحبة الجلالة، أرسل إليّ من مصدر ملف يحتوي على محاضر واتهمات لمسئول حكومي حول سلوك غير أخلاقي اتهم بممارسته في محيط عمله، وعندما قرأت الملف، ذهبت به إلى نائب رئيس التحرير آنذاك الكاتب الصحفي الأستاذ محمد العسيري، والذي بمجرد أن سمع عنوان الحكاية قال لي:" يا حبيبي إحنا صحفيين ولسنا بوليس آداب"!. وقتها تعلمت درسا من دروس هذه المهنة، وصفعت نفسي صفعة واحدة كي أتذكر أن مهنتي خلقت من أجل خدمة الناس، وليس من أجل الرقص فوق جثثهم والأكل من جيفتها.
|