القاهرة 15 نوفمبر 2022 الساعة 11:11 ص
كتب: علي سرحان
تعد مصر أول أمة في التاريخ نمت فيها عناصر الأمة بمعناها الكامل الصحيح، وبعدها كانت أول دولة بالمعنى السياسي المنظم، والتاريخ العسكري لمصر يشهد أنها أنشأت أول جيش نظامي في العالم منذ حوالي 3200 ق.م، وبفضله أنشأ المصريون أول إمبراطورية في العالم القديم وأعظم حقيقة سياسية في الشرق الأدنى القديم، وكان الجيش المصري القديم أقدم وأعرق مؤسسة عسكرية في التاريخ، والدرع الحصين لمصر القديمة وحضارتها الشامخة في مواجهة كل من تسول به نفسه الاعتداء علي حدودها المقدسة.
كان الجيش في مصر القديمة يتكون من خمسة أسلحة وهي: سلاح المشاة وكان يسمى "منفتيو"، وسلاح الفرسان وكان يسمى "حترو"، وسلاح الصاعقة وكان يسمى "كفعو قن"، وسلاح المركبات وكان يسمى "وررت"، وأخيرا سلاح البحرية وكان يسمى "غنيت".
لكل أمة تاريخها الحربي الذي يتآلف من المعارك العسكرية المتتابعة التي حارب فيها من أجل الشعب، ويتضمن هذا التاريخ أحوال جيوشها أو تطورها والوقائع التي خاضتها والقادة الذين أبلوا فيها، ولكن رغم كل هذا فقد فقدت بعض من حلقات التاريخ الحربي، فالمعارك التي خاضها المصريون القدماء منذ فجر التاريخ ظلت غامضة، شأنها كطلاسم القدماء.
نهض الجيش الوطني منذ تكوينه بأروع الواجبات، وصلة هذا الجيش بتاريخ مصر وثيقة منذ آلاف الأعوام، فقد عاشت مصر أمة مستقلة ذات سيادة خلال معظم تلك السنين بفضل زعمائها من رجال الإدارة والجيش وبجهود شعبها الحي.
وقد ساعد الموقع الجغرافي مصر مساعدة عظمى فكان من أشق الأمور وأصعبها إغارة الجيران القدامى، وكانت صحراء ليبيا أو سيناء أو النوبة إلى حد ما تقف عائقة أمام أي معتدي قادم عليها، لقد نهض المصريون للحفاظ على رقعة وطنهم وكانوا مدفوعين بغريزة الحرص على الحياة، والدفاع عن النفس والوطن، فانطلقت الجيوش المصرية إلى هضاب آسيا الصغرى، وروابي سورية، وبادية شبه الجزيرة، والصحراء الليبية، وأعالي النيل، في سبيل تحقيق الأمن الداخلي لمصر.
• الجندية المصرية:
كانت الجندية في مصر القديمة في طليعة المهن التي تسبغ الشرف على صاحبها وتمنحة ميزه على أقرانه، وأكثر من ذلك أن الجندي حظي بالتقدير والاحترام مثلما حظي الكاهن نفسه، تميز الجندي بروح الوطنية التي ظلت مستأسرة بسمعتها وقيمتها، خلدت لنا مناظر المقابر والمعابد العديد من النقوش الأثرية صور الفتية وهم ينتقلون في صفوف مميزة وفي أفنية التدريب والتدريب على الرماية بالقوس والألعاب الرياضة، ولعل الشاهد على ذلك مقابر الأسرتين الحادية عشرة والثانية عشرة في بني حسن والبرشا، حيث رسخت الدولة في نفوس جنودها حب الوطن فجعلت الشباب يطمح فيها ويموت من أجلها، وكافأت الدولة الجندي بعشرة أفدنة معافاة من الضرائب حتى ظهرت المقولة "أن الجنود المصرية تمتلك ثلثي الأراضي المصرية في عهد الملك سنوسرت الأول".
• المعارك والبطولات والانتصارات للجنود المصريين:
اعتاد المصري القديم التعبير عن ذاته بأسمى صور العظمة وإظهار القوة والكبرياء، بينما درج على تصوير أعدائه التقليديين بشتى صور المهانة والاحتقار، فنجده يصور الأسرى من النوبة ومن الآسيويين على النعال تعبيرا عن الاحتقار لكل أعداء مصر، المدهش أن المصريين المحدثين لا زالوا يستخدمون الفكرة نفسها لدى تعبيرهم عن التهديد فيتوعدون بالسحق تحت أحذيتهم لكل من يرونه خصما أو عدوا، وبعد غزو الهكسوس لمصر الذي استمر قرابة المائة وخمسين عاما وطردهم على يد الملك أحمس، كان على ملوك مصر الذين خلفوا أحمس أن يؤمنوا وطنهم بمقابلة أعدائهم في عقر دارهم، وهذا ما قام به الفرعون تحتمس الثالث في مواجهة المعتدين حتى نهر الفرات، وهو من قال عنه وزيره "رخيمرع": "إنه كالصقر يرى كل شيء"، قاد الملك تحتمس الثالث 16 حملة عسكرية على آسيا وهو بطل معركة "مجدو" الخالدة، ومازلت خططة الاستراتيجية تدرس في أعلى الأكاديميات العسكرية في العالم، أنشأ الملك تحتمس الثالث أكبر أسطول حربي وذلك من خلال السيطرة على الكثير من جزر البحر المتوسط.
نظمت صفوف الجيش بالعربات الحربية، كما كان الجيش منظما على مستوى وطني وليس على مستوى إقطاعي، حيث اعتمد الملك رمسيس الثالث على العربات في الهجوم الأول ثم يتبعها المشاة بأسلحتهم الخفيفة.
|