القاهرة 05 نوفمبر 2022 الساعة 02:41 م
بقلم: د. حسين عبد البصير
كان رع حتب أميرًا في عصر الأسرة الرابعة في عصر الدولة القديمة في مصر القديمة، ومن المحتمل أنه كان ابن الفرعون سنفرو (حوالي 2575-2551 ق.م) وزوجته الأولى، ويعني اسمه رع حتب "رع راضٍ"، وكان رع هو إله الشمس في مدينة الشمس هليوبوليس، وحتب تعني "راضيًا" واسمه يعني "رع سعيد"، أو "رع مسرور"، أو "رع مسالم".
وكان الأمير نفر ماعت الأول الأخ الأكبر لرع حتب، وكان شقيقه الأصغر هو الأمير رع نفر، ومات رع حتب عندما كان صغيرًا، وأصبح أخوه غير الشقيق، خوفو، ملك مصر، بعد وفاة الملك سنفرو. وكانت زوجة رع حتب الجميلة نفرت. غير أن والديها غير معروفين لنا.
وحمل رع حتب العديد من الألقاب المهمة، مثل قائد الجيش، والمشرف على الأعمال، والكاهن الأعلى في هليوبوليس، مركز عبادة الإله رع، كما حمل اللقب الرفيع "ابن الملك، من جسده، رع حتب"، وحملت زوجته نفرت لقب "المعروفة لدى الملك"، مما يدل على قربها من الملك، وأنجب رع حتب ونفرت ثلاثة أبناء وهم: جدي، وإيتو، ونفركاو، وثلاث بنات وهن: مِرِرت، ونجم إيب، وسثتِت. وتم تصويرهم جميعًا في مقبرة رع حتب.
وفي عام 1871 ميلادية عثر العالم الفرنسي ألبرت أوجست مارييت على تمثالين من أجمل التماثيل القادمة إلينا من مصر القديمة في حفائر مصلحة الآثار المصرية في مقبرة رع حتب شمال هرم سنفرو في منطقة ميدوم في بني سويف، والتمثالان موجودان بقاعة 32 بالطابق الأرضي بالمتحف المصري بالقاهرة، وقد عثر على التمثالين في الجانب الشمالي للمقبرة، حيث وضع رع حتب التمثالين هناك؛ بسبب صدور أمر من الملك خوفو بتحريم وتدمير التماثيل غير الملكية؛ فخاف رع حتب وزوجته من تدمير تمثاليهما. وأثناء اكتشاف تلك المقبرة، اُصيب عمال الحفائر بالرعب والفزع؛ لأن أشعة مشاعلهم سقطت على عيون التمثالين المطعمة بألوانها الحية، فانعكس منها بريق أدخل الرعب في قلوبهم فأحسوا أنهم أمام أحياء، وليس موتى؛ ففروا وتركهم المقبرة.
واضطر رع حتب الى إعادة تقسيم المقبرة؛ حتى يضع تمثالهما بالجانب الشمالي؛ نظرًا لأن تمثالهما الجماعي كان كتلة واحدة ملتصقًا ببعضه البعض. وكان مدخل الجانب الشمالي لا يسمح بدخول التمثال ككتلة واحدة؛ لأنه كان كبيرًا؛ ففصل إلى نصفين؛ لذا أصبح كل من رع حتب ونفرت يجلسان على عرشين منفصلين.
وتعتبر تماثيل الحجر الجيري الملونة الممتلئة بالحياة مثل تمثال رع حتب وتمثال زوجته نفرت من بين أشهر التماثيل الخاصة من مصر القديمة، ويعبر تمثال رع حتب (121 سم) وتمثال نفرت (122 سم) عن مظاهر الكلاسيكية الصارمة التي كانت تحكم الفن في تلك الفترة، وقد تم نحت التمثالين الجالسين ليُريا من الأمام، حيث يجلس رع حتب ونفرت على عرشين مكعبين منفصلين باللون الأبيض لهما مسند ظهر يمتد إلى ما بعد الكتفين، وكُتبت على مسندي الظهر أسماؤهما وألقابهما بالكتابة الهيروغليفية السوداء.
وقد صُور رع حتب ونفرت في مرحلة الشباب، وهو الشكل الذي أراداه إلى الأبد، ورُصعت عيون التمثالين بالأحجار شبه الكريمة، وتم تنفيذ العينين باستخدام الكريستال الصخري والكالسيت والخطوط الخارجية بالنحاس.
ووفقًا لتقاليد الفن المصري القديم، تم تصوير رع حتب بجسد رشيق داكن باللون البني المحمر، بينما تم تمثيل جسد نفرت باللون البيج المصفر الباهت؛ نظرًا لطبيعة عمل الرجال خارج المنزل، في حين كانت المرأة تعمل في البيت بعيدة عن أشعة الشمس، وصُور رع حتب بشارب رفيع، وكان الظهور بالشارب شائعًا في عصر الدولة القديمة، ولكن للأسف لا يمكن رؤيته في معظم التماثيل، حيث كان يُرسم باللون الأسود الذي اختفى. ويرتدي نقبة قصيرة بيضاء، وإحدى ذراعيه مثنية عند الكوع على صدره، ويده مشدودة، ويد الأخرى ممتدة على ركبته، وحول رقبته عقد به تميمة على شكل قلب، وكان القلب في مصر القديمة موضع الذكاء والعاطفة، وكان يُزن ضد ريشة الحق والعدالة عند محاكمة المتوفى. وساعد ارتداء المتوفي لتميمة القلب في تحقيق وضمان نتيجة إيجابية له يوم محاكمة الموتى.
وتظهر نفرت مرتدية رداءً أبيض ضيقًا طويلاً يبرز جمال جسدها، يغطيه شال أبيض ملفوف بإحكام حول جسدها البض، وتضع باروكة شعر مستعار ثقيل، ويمكن رؤية خط شعرها الطبيعي تحته، ورأسها مُتوج بإكليل زهري، وتزين صدرية عريضة رقبتها، ويضيف الإكليل والصدرية ألوانًا مختلفة إلى لون فستانها الأبيض.
ويبدو التمثالان وكأنهما متجمدان في الزمن في انتظار بعثهما من جديد في العالم الآخر، وتمنح حالة الحفظ الممتازة وأعينهما المرصعة التمثالين مظهرًا بارعًا مفعمًا بالحياة، مما يجعلهما من أجمل روائع وكنوز المتحف المصري بالقاهرة سحرًا وجمالاً وغموضًا.
|