القاهرة 02 نوفمبر 2022 الساعة 10:45 ص
بقلم: أحمد محمد صلاح
لم يتحدد مفهوم الفن الإسلامي مثل باقي العصور إلا في وقت متأخر للغاية، ولم تكن منطقة الجزيرة العربية تعرف من الفنون إلا ما يرد إليها من مناطق أخرى مثل العراق والشام وفارس والهند، ولم تزدهر في منطقة شبه الجزيرة العربية أي فنون، ويعزي ذلك إلى الطبيعة البدوية والقبلية في المنطقة، بالإضافة إلى الصحراء التي كانت تضن على ساكنيها بأبسط الظروف المواتية للحياة، فكانت الحروب القبلية بين القبائل في شبه الجزيرة دافعا لبزوغ فن آخر، وهو فن الشعر، الذي برع فيه العرب واستطاعوا امتلاك نواصي اللغة في قصائد المدح والذم ووصف الحروب.
ليس هذا فحسب فقد أدت الطبيعة الصحراوية الشديدة إلى ترحال القبائل خلف الماء، مما أدى إلى عدم وجود أي فنون عمارة، أو غيرها، حتى الأصنام التي كانت تعبدها القبائل العربية بالرغم أنه لم يتبق منها أي أثر إلا أن وصفها في كتب التاريخ يؤكد أنها كانت تماثيل شديدة البدائية.
كان التبادل التجاري بين القبائل العربية وقبائل الشام واليمن من جهة، وكذلك الاتصال مع الفرس والحضارة المصرية القديمة، قد أدى إلى تبادل بعض الثقافات التي تتطلبها المنطقة في ذلك الوقت، فكانت بعض المناطق الحضرية في الرياض ومكة علي سبيل المثال، ومع انتقال اليهودية والمسيحية إلى أرض شبه الجزيرة، انتقلت مع الشوام والعراقيين بعض العمارة التي من خلالها تم بناء معابد وكنائس لإقامة شعائرهم، وقد استمد العرب المسيحيون واليهود عمارة تلك الكنائس من الشام واليمن، وكانت عمارة شديدة البدائية قائمة علي النخل والحجارة، وهذا ما حدث في أول مسجد بني في الإسلام، حيث تكون من نخلات وفوقها سقف من جريد وسعف النخيل، وحجارة أو آجر تحدد الجدران.
وكانت الفتوحات الإسلامية في صدر الإسلام أحد أهم العوامل التي جعلت العرب يستمدون فنون العراق والشام ومصر والأندلس إلى الفنون العربية، ومن ثم صبغها بالصبغة الإسلامية، سواء في الرسم أو العمارة، مع الأخذ في الاعتبار مسألة تحريم النحت والتصوير، فكانت العمارة الإسلامية ليست خاصة بمنطقة الجزيرة العربية فقط، بل كانت تمتد إلى كل الأقطار التي فتحها العرب المسلمون.
ويقول الأستاذ زكي محمد حسن في كتابة "في الفنون الإسلامية" ما نصه: فلما فتح العربُ العراقَ وإيران والشام ومصر وشمالي أفريقيا والأندلس؛ نما في أنحاء الإمبراطورية فن ليس من الإنصاف أن نسميه فنًّا عربيًّا Arab Art؛ لأن نصيب العرب فيه كان أقل من نصيب غيرهم من الأمم الإسلامية.
وقد كان الأوروبيون يسمونه أحيانًا Art Saracenic من كلمة Saracens التي لا نجد لها مرادفًا في اللغة العربية، وهي لفظ من أصل يوناني Saraceni كان الإغريق يطلقونه قديمًا على سكان القبائل البدوية التي كانت تقطن غربي نهر الفرات، ويُظن أنه مشتق من كلمتي «شرق» و «شرقيين»، ثم اتسع مدلول هذا اللفظ حتى شمل سكان شبه الجزيرة العربية عامة، وزاد استعماله في عصر الحروب الصليبية، فغلب على سكان الشرق الأدنى من المسلمين الذين كانوا يقاتلون الصليبيين. وإذا أردنا ترجمة هذا اللفظ إلى العربية لما وجدنا لتأدية معناه إلا «العرب» أو «الشرقيين».
وهكذا نرى أن لفظ Art Saracenic لا يصح أن يشمل في العرف الأوروبي إلا الفنون التي ازدهرت في بلاد العرب والعراق والشام، وربما في مصر أيضًا، ولكننا لا نستطيع أن نطلقه في ثقة واطمئنان على الفنون الإسلامية في الأندلس وإيران وتركيا والهند.
وكذلك كان الأوروبيون يطلقون على الفن الإسلامي أحيانًا اسم Moorish art والمعروف أن كلمة Moors بالإنجليزية جاءت من Moro بالإسبانية -وهذه ترجع إلى كلمة Mauri التي كان الرومان يطلقونها على سكان شمال غربي أفريقيا، وقد كانوا يسمونها Mauretania- وأصبح لفظ Moors يطلق على المسلمين في شمالي أفريقيا وفي الأندلس. فالفن المغربي أو Moorish art هو الفن الإسلامي في إسبانيا وفي تونس والجزائر ومراكش دون غيرها من الأقطار الإسلامية.
وخلاصة القول إن «الفن العربي Arab art» أو «الفن الشرقي Saracenic art» أو «الفن المغربي Moorish art» كلها أسماء ليست جامعة، ولا شك في أن أفضل اسم للفنون التي ازدهرت في العالم الإسلامي هو «الفنون الإسلامية»؛ لأن الإسلام كان حلقة الاتصال بينها، ولأنه جمع شتاتها وجعلها وحدة متميزة على الرغم من تباين أصولها.
|