القاهرة 31 اكتوبر 2022 الساعة 11:40 ص

حاورته: نهاد إسماعيل المدني
ضمن فعاليات مؤتمر الموسيقي العربية الذي يدعم البحث النظري والجلسات الحوارية، والذي يحرص مهرجان الموسيقى العربية على تقديمه كل عام للحفاظ على الهوية الموسيقية وتقديم الفن الأصيل إلى جمهوره المتعطش لهذا الفن.
يطرح المؤتمر كثيرًا من القضايا المهمة التي تتعلق بالموسيقى العربية قي ندواته التي تضم عددًا من علماء الموسيقى العربية بالعالم العربي أو المستشرقين المهتمين بالموسيقى العربية، لبحث الإشكاليات الموسيقية التى تُحدّد كل عام من قبل اللجنة العلمية للمهرجان.
ومن ثمَّ، أصبح المهرجان والمؤتمر منوطين بالدفاع عن الهوية من خلال إحياء التراث عبر مشاركات الدارسين والباحثين ونجوم وفرق الغناء العرب.
تشارك مصر في المؤتمر الذي اختارت لجنته هذا العام محور "نشأة المسرح الغنائي العربي وازدهاره"، حيث تركّز الأبحاث المقدّمة من قبل الباحثين العرب والمصرين على نشأة هذا المسرح بين الازدهار والانحسار والتجارب الأوبرالية العربية للرواد، واستعراض التجارب الفنية المختلفة والمتنوعة بالدول العربية
الدكتور إيهاب صبري هو أستاذ ورئيس قسم النقد الموسيقي بالمعهد العالي للنقد الفني أكاديمية الفنون وممن شاركوا في تقديم ورقة بحثية في المهرجان.
وكان معه هذا الحوار:
*المسرح الغنائي هو محور مؤتمر هذا العام ..فما علاقة الدراما بالغناء والاستعراض.. وهل الارتباط له أصول منذ بدايات المسرح؟
أسباب ارتباط الدراما المسرحية بفنون الغناء والرقص تعود إلى عدة أسباب منها أن هذه الفنون جميعها فنون أدائية مما يجعل بينها تقارب طبيعي يتيح مساحة للارتباط الفني، بالإضافة إلى أن الغناء والرقص يلاقيان إعجابًا شعبيًّا واسعا لما يحققاه من متعة وتسلية وترفيه على أعلى مستوى، خاصة مع استجابتهما للإيقاعات المتنوعة، فالغناء يؤثر في المشاعر والأحاسيس خاصة إذا كان صادر عن مطرب محبوب يملك صوتاً وشخصية آسرين، والرقص يثير الإعجاب بشدة خاصة إذا كان صادر عن جسد راقص موهوب ومدرب تدريباً جيداً يتسم بالجمال والرشاقة والتناسق بين مكوناته، ولنا أن نتخيل ما يمكن أن يحققه مثل هذا الراقص من متعة بصرية وترفيهاً كبيراً حين يُؤَدِى بمفرده أو يُؤَدِى فى هارموني مع مجموعة راقصين يتحركون فى وحدة وتناسق."
أضف إلى قيمتها على التسلية والترفيه أن للرقص والغناء قدرة كبيرة على توصيل مجال واسع من المشاعر، "فى اللغة هناك أفكار ومشاعر لا يمكن التعبير عنها بكفاءة بلغة الحياة اليومية ولهذا نتجه إلى الشعر. بنفس الطريقة هناك تعبيرات عن الجمال والمعاناة والأمور الروحية يمكن توصيلها بصورة أفضل عن طريق الموسيقى الصوتية والآلاتية وعن طريق الرقص، وحين ترتبط الدراما المسرحية بالموسيقى والغناء والرقص ارتباطاً عضوياً، فإنها تنتج ما يسمى بالمسرح الغنائي فى صوره المتعددة.
المتأمل فى تاريخ الدراما عبر العصور المختلفة يلاحظ ارتباط الدراما المسرحية بالموسيقى والغناء والرقص طوال تاريخ المسرح، فخذ مثلاً التراجيديا اليونانية القديمة فكان الجزء الخاص بالكورال يُؤَدَى بمصاحبة الموسيقى والغناء والرقص، خذ كذلك فن الأوبرا الذى بدأ فى إيطاليا مع أوائل القرن السابع عشر فكان ميلاده نتاج محاولات عديدة لإحياء مبادئ التأليف الموسيقي للدراما الإغريقية، أما أشكال التسلية والمسرحيات الهزلية الساخرة التى عرفناها فى القرن التاسع عشر كالفودفيل "vaudeville" والبرليسك "Burlesque" فكان للموسيقى والغناء والرقص فيها دور أساسي.
*تقدمت بورقة بحثية في المؤتمر المصاحب لمهرجان الموسيقى حملت رؤية توثيقية لموروث المسرح الغنائي المصري.عند كل من عبد الحليم نويرة، محمد نوح، حلمي بكر..
*ما سبب اختيار تلك الأسماء؟ وما دور عبد الحليم نويرة خصوصًا في المسرح الغنائي المصري؟
حاولت اختيار بعض الشخصيات التي أسهمت في إحياء المسرح الغنائي المصري بعد تراجعه
أما عبد الحليم نويرة فيرجع إليه الفضل في تأسيس فرقة الموسيقى العربية في مصر، بدأ أيضا في دراسة الموسيقي الغربية علي يد موسيقيين كبار وبذلك جمع بين الثقافتين الشرقية والغربية. هو أول من وضع الموسيقى والأغاني لأول فيلم كرتون، ثم كانت انطلاقة عبد الحليم نويرة عندما اتجه إلي كتابة موسيقى الأفلام وتلحين أغاني الأفلام، ومن ضمن تلك الأفلام فيلم "الماضي المجهول " الذي وضع له الموسيقى، وقدم أغنية " سلم علي " والتي أعتبرت طفرة في عالم التلحين.
فى عام 1945 أنشىء فى مصر فرع لجمعية المؤلفين والملحنين التى يقع مقرها الرئيسي فى باريس وأصبح نويرة عضواً بمجلس إدارتها باعتباره من الأعضاء المؤسسين لها وكذلك انضم إلى نقابة الموسيقيين عند إنشائها وكان أمين صندوقها عندما كانت أم كلثوم رئيسة للنقابة. وعمل نويرة فى المسرح الغنائي وكان أول أعماله فى هذا المجال لفرقة المسرح الحر عندما كتب الموسيقا والألحان لأوبريت ( مراتى بنت جن) وقد لاقى ذلك الأوبريت نجاحاً كبيراً حتى أن عرضه استمر لمدة ستين يوماً متتالية واضطرت إدارة دار الأوبرا إلى قطع العرض وذلك لارتباطها فى وقت سابق مع فرق أجنبية لتقدم عروضها على مسرحها.
واستمر عبد الحليم نويرة يعمل ويكتب مؤلفاته الموسيقية ثم عين مديرا لإدارة الموسيقى بمصلحة الفنون وفى الوقت نفسه عمل نويرة قائداً لفرقة موسيقى الإذاعة المصرية في المكان الذى خلا بوفاة الفنان عزيز صادق فتبادل قيادة الفرقة مع كل من إبراهيم حجاج وعلى فراج حيث كان كل منهم يقود الفرقة يومين فى الأسبوع واستمر نويرة يتناوب قيادة الفرقة لمدة تسع سنوات ثم ترك رئاسة إدارة الموسيقا وتفرغ للمسرح الغنائي. وفى اوائل الستينيات أنتج المسرح الغنائي تحت رئاسة نويرة عملين هما أوبريت (مهر العروسة) تلحين بليغ حمدي وأبريت (هدية العمر) تلحين محمد الموجي
كتب موسيقي للأوبريت الغنائي الكبير " يا ليل يا عين " من تأليف يحيي حقي وعرض في دار الأوبرا عام 1975 ، وكذلك قدم أوبريت " هدية العمر". قدم أيضا الموسيقي والألحان لأهم المسلسلات الإذاعية مثل أبو نواس وغيرها من الأعمال. أهم إنجازته علي الإطلاق تتمثل في إحياء تراثنا الموسيقي من خلال فرقة الموسيقي العربية التي أشرف عليها وخرج بها إلي الأضواء لتقدم حفلتها الأولي في 17 مارس عام 1967.
ويضيف فى هذا عبد الحميد توفيق زكي فى كتابه ( أعلام الموسيقى المصرية عبر 150 سنة)، حين يقول:
" تفرغ عبد الحليم نويرة للموسيقى تفرغا تامًا غناء وتلحينًا وتأليفًا موسيقيًّا، ثم قيادة لفرقة موسيقية، ( فرقة الموسيقى الشرقية بالإذاعة)، وفى الوقت نفسهعمل مفتشاً للتربية الموسيقية بوزارة التربية والتعليم ومديرا للمسرح الغنائي، ثم مراقباً عاماً للموسيقى والغناء بالإذاعة المصرية، وعضواً بلجنة الموسيقى والأوبرا والباليه بالمجلس الأعلى للثقافة.
ظل المؤلف الموسيقي عبد الحليم نويرة يؤدي رسالة قيمة بهدف الارتقاء بالموسيقى العربية إلى اسلوب فني عالمي، وإن أعماله الموسيقية من بشارف وتحميلات ونماذج عديدة من المقطوعات الخفيفة والسيمفونية تبرهن عن إخلاص عميق وموهبة موسيقية، ويوضح ذلك محمد محمود سامي حافظ ( فى كتابه الموسيقى المصرية الحديثة وعلاقتها بالغرب)، حين يقول:"لقد استفاد نويرة من دراسة قواعد ونظريات الموسيقى الأوروبية كعلوم الهارمونية والطباق اللحني والتوزيع الأوركسترالي لصياغة ألحان مصرية بحته تمزج أساسيات موسيقى العرب وطريقة صياغة الغرب".
|