القاهرة 26 اكتوبر 2022 الساعة 11:27 ص
بقلم: أحمد محمد صلاح
تظهر فنون العصر القوطي مرونة روحية وفنية وأسلوبية، بعد تطور الفنون في أوروبا خلال أكثر من 1000 عام، وظهر هذا التطور جليا في الفنون البصرية بشكل أكبر، مثل النحت والرسم، عن الشعر أو الفنون الأخرى، وتحول فنان العصور الوسطى إلى "كيان مستقل"، أو نستطيع أن نقول "جماعة لها مفهوم" أو كما نصطلح في أيامنا "نقابة" خاصة بالفنانين.
كانت نشأة كلمة "قوطي" والتي تعني في الفن المرادف لكلمة "بربري"، بعد سقوط روما على يد القبائل القوطية عام 410م والتي تدفقت من جبال الألب وكانت تعيش عيشة بدائية، ولكنها اندمجت مع التيارات الفنية وصبغت الفن بصبغتها، فنتج في النهاية ما يعرف بالفن القوطي.
استخدمت كلمة "قوطي" للمرة الأولى في عام 1518م في خطاب رفائيل إلى البابا ليو العاشر، ثم اقتبسها الكاتب الإيطالي جورجيو فازاري، معبرا عن ذلك النوع من الفن الذي لم يكن يلقى قبولا لدى المعماريين والفنانين والكتاب الإيطاليين، حتى أن أحد الكتاب وصف الفن القوطي بأنه "اضطراب وحشي وبربري"، كما تعرض هذا الأسلوب الفني إلى انتقادات عدد من الكتاب الفرنسيين على رأسهم روسو، قبل أن يتحول هذا الفن إلى أسلوب معترف به.
وكان الفنانون البربر قد انتشروا في أوروبا الغربية، حيث قاموا بتطوير الفن الرومانسكي إلى ما يعرف بالفن القوطي منذ أواخر القرن الخامس عشر الميلادي حتى القرن السادس عشر، ويعد الفن القوطي إحدى بدايات عصور فن النهضة والإرهاصات الأولية له.
وكانت بداية ظهور الفن القوطي في مدينة آيل دوفرانس في أوائل القرن الثاني عشر، بالتحديد في كاتدرائية سان دوني التي بنيت على يد أبوة سوجير، وتضمنت أبرز معالم العمارة القوطية استخدام العقد والمثلثات التي تشبه الخيام، ويعزى ذلك إلى طريقة البربر في إقامة الخيام، كما استخدم أيضا ما يعرف بكتف التدعيم وهو ما أعطى ارتفاعا ومساحة أكبر للنوافذ، كذلك استخدام الزجاج الملون بكثافة، والتماثيل التي تزين البوابات وتتميز بالواقعية الشديدة.
وتعد كنيسة سان دوني المثال الأول والأكثر أهمية على العمارة القوطية، وتقع الكنيسة بالقرب من باريس، حيث أعيد بناء الجزء المخصص للفرقة الموسيقية الخاصة بالكنيسة وفقا للنظام القوطي، واستخدم الزجاج الملون والنوافذ الضخمة فيها، ولكن الأبرز أن نوع الزجاج المعشق كان يشتبه أنه استمد أساسا من الفنون الإسلامية التي كانت تغزو أوروبا في هذه الفترات بكثافة.
قد يكون الفن القوطي قد مر بعدة مراحل حتى يستطيع أن يثبت نفسه على الرغم من الصبغة السلبية التي اصطبغ بها عند نشأته كفن ركيك، ولكنه استطاع أن يكون حلقة الوصل بين فنون العصور الوسطى وبين عصر النهضة كمرحلة انتقالية مهمة، هذه المرحلة بدورها مرت بعدة مراحل منها المرحلة القوطية الأولى والتي تحدثنا عنها، ثم القوطية العليا، التي انتشرت من آيل دو فرانس إلى مدن أخرى في شمال فرنسا، حتى أقيمت كاتدرائية شارتر وبورج ولريمس وأميان "استخدام أكتاف التدعيم والنوافذ الضخمة والزجاج الملون".
ثم مرحلة القوطية المشعة، وهي المرحلة التي غلب فيها استخدام الزجاج المعشق الملون في النوافذ الضخمة، مما كان يجعل ضوء الشمس "يشع" داخل الكاتدرائيات بشدة ومن هنا نشأ هذا المصطلح.
أعقب القوطية المشعة مرحلة أكثر قوة سميت بالقوطية الملتهبة، وذلك في النصف الثاني من القرن الرابع عشر، وتميزت تلك الفترة بالزخرفة الشديدة، وتنافس النبلاء والأمراء في بناء كتدرائيات شديدة الفخامة مليئة بالتفاصيل الدقيقة، وجاء الاسم من التصميمات المتوجة على الأبواب والنوافذ التي كانت تشبه اللهب.
وفي النحت كان الفن القوطي متميزا للغاية، حيث كانت تلك الفترة تشهد علمانية شديدة، مما حدا بالفنان القوطي بتجسيد الشخصيات ومراحل حياتها بالحجم الطبيعي أو بأحجام ضخمة للغاية، من خلال أشكال عدة منها التماثيل أو اللوحات الجدارية، واعتبرت بعض النظم الرهبانية السبب في نشر هذا التوجه، فقد كان انتشار التيار العلماني سببا في توجه الكنيسة لمجاراة التغيرات، فسمحت بتجسيد العذراء مريم وتاريخ حياتها، وكذلك السيد المسيح، وعرضت مشاهد العهد القديم والجديد جنبا إلى جنب في أعمال الخلاص الإنساني والتي اشتملتها زخرفة الكنائس.
|