القاهرة 18 اكتوبر 2022 الساعة 08:32 ص

قراءة: حاتم عبد الهادي السيد
يعد كتاب "علم الاجتماع المفاهيم الأساسية" لمحرره "جون سكوت"، واحدا من أهم الكتب العلمية التى تسلط الضوء على مصطلحات علم الاجتماع؛ كما أنه يلقي الضوء على الاهتمامات والمفاهيم المرتبطة بالعمل السيسيولوجي؛ والتي تدخل بشكل مباشر أو غير مباشر في أي مناقشة تتناول المجتمعات المعاصرة؛ وهو بذلك يعد من أهم الكتب التي تدخل في بناء الفكر الإنساني للفرد؛ كما أنه يشكل أهمية قصوى لبناء وفهم العقل الجمعي للمجتمعات البشرية عبر العصور وفي العصر الحديث أيضا.
محتوى الكتاب:
يحوي الكتاب عدة موضوعات نظرية؛ وموضوعات تطبيقة، وشروحات للمفاهيم الأساسية لهذا العلم، كتبها كبار علماء الاجتماع في العالم؛ وجمعها وحررها البروفيسور جون سكوت john scott أستاذ علم الاجتماع في جامعة إيسيكس؛ حيث احتوى الكتاب على عدة أقسام حوت شروحات مهمة لأساسيات هذا العلم من عدة جوانب مغايرة، كما جمعت آراء علماء الاجتماع وتعريفاتهم لمصطلحات هذا العلم؛ وقد احتوى الكتاب على: قائمة المفاهيم الأساسية لعلم الاجتماع؛ وتناولت أقسام الكتاب: المساهمون، مقدمة المفاهيم الأساسية، مسرد للمقاربات النظرية.
وفي القسم الأول الذى جاء تحت عنوان: قائمة المفاهيم الأساسية؛ يعرض المحرر –ثبتا– بقائمة المصطلحات التى تشكل أساس هذا العلم باللغتين العربية والإنجليزية؛ حيث يجب على دارس الاجتماع أن يلم بتلك المصطلحات؛ مثل: الاستهلاك consumption، الاستعداد "الهابتوس" habait، الاغتراب Alienation، الأمة Nation، الانحراف، الأيديولوجيا، الهيمنة، البطرياركية، "النظام الأبوي"، البناء الاجتماعي، البيروقراطية، التجسس، التحديث والتطور، التغيّر والنمو، التضامن، التطبيب، تقسيم العمل، التمثيل الجماعي، التموضع، التنشئة الاجتماعية، التهجين، الثقافة، الثقافة الفرعية، الجماعة، الجنس والجنسانية، الحداثة، الحراك، "الحركية والتنقلية"، الحركات الاجتماعية، الحوار، الخطاب "الحديث"، الدور، الدولة، الدين، الذات والهوية، الذكورة "الفحولة"، الرأسمال الاجتماعي، الرأسمال الثقافي، الرأسمالية، الزمان والمكان، السلطة، الصناعة، الطبقية، الطبقة الدنيا، الطفولة، العاطفة، العرقية الإثنية، العقلانية، العمل المنزلي، العولمة، الفعل العقلي، الفعل والفاعلية، الفقر واللامساواة، القصص والحكايات، اللامعيارية، المكدونالدية، المجتمع، المجتمع المدني، المنظمة، المواطنة، الموروث والتقليدية، المؤسسةوالنخبة، النزعة التحضرية، النسب والأسرة والزواج، النسب والتنسيب، النظام الاجتماعي، النظم العالمية، النوع الجنسى "الجندر"، الهجرة والشتات، الوضع الاجتماعي.
أسماء العلماء الذين وضعوا هذه المصطلحات وساهموا في الكتاب:
عرض المحرر جون سكوت في باب: "المساهمون"؛ أسماء العلماء الذين ساهموا في وضع هذه المصطلحات لعلم الاجتماع؛ والذين حرروا هذا الكتاب، ثم أردف قرين كل اسم نبذة تعريفية عن الكاتب وعمله، ودوره وإسهاماته؛ومؤلفاته باللغتين العربية والإنجليزية؛ ومن هؤلاء العلماء الذين وردت أسماؤهم في هذا الكتاب: سايفن أكرويد، أستاذ التحليل التنظيمى في كلية الإدارة بجامعة لانكاستر؛ ألان ألدريدج أستاذ مساعد في علم اجتماع الثقافة بكلية علم الإجتماع والسياسة الإجتماعية بجامعة نوتنغهام، وممن وردت أسماؤهم كذلك في الكتاب: د. ميريل ألديردج، غراهام ألان، روبربلاكبيرين، جوان باسفيلد، إيمون كارابين، نيكى تشارلز، أماندا كوفي، روبن كوهين، غراهام كرو، فيونا ديقين، جين دونكمب، جون فيلد، جينس فولتشر، مريام غلوكسمان، كريس هاريس، ديفيد هوارث، إيان هوتشبي، ستيفى جاكسون، رونالد جاكوبس، راي كيلى، جورج لارين، ماجي لي، ديفيد ماكرون، جون ماكينيس، ديفيد ماينز، كولين ميلز، ليديا موريس، كريس بيكفانس، لوسيندا بلات، جورج ريتزر، جون سكوت، سوزي سكوت، ليزلى سكلير، ستيفن سمول روب ستونز، بيوتر زتومبكا، جون أورى، سيلفيا والي، بنينا فيربنر.
لقد قدم كل هؤلاء آراءهم في علم الاجتماع عبر شروحات المصطلحات؛ وهي الأساس الذى يجب أن يعرفه دارس علم الاجتماع الآن؛ ولقد قام المحرر بجمعها في كتاب واحد؛ وهذا أمر معروف في أوروبا؛ ودليل على نجاح فكرة المحرر للكتب العلمية؛ والتي تجمع جهود وإسهامات الكُتَّاب في مكان واحد؛ بغية دراستها وتصنيفها كمرجع علمي للعديد من كتاب علم الاجتماع في العالم؛ كما أنها تعطي نظرة شمولية للعلم؛ وهو وسيلة للدارسين لبناء نظرياتهم على تلك المعطيات العلمبة المتعددة والمتباينة والتعليمية كذلك.
المقدمة:
جاءت المقدمة لتشرح مفهوم السوسيولوجيا: "علم الاجتماع"؛ وهو مجموعة القواعد المعرفية المتنوعة والمتعددة؛ والتي لا يمكن حصرها في تعريف شامل؛ فعلم الاجتماع في جوهره؛ علم خاضع للجدل، بمعنى انعدام أي تعريفات ملزمة لاختلاف منطلقاتها المجتمعية، وخضوعها للمناقشات السيسيولوجية؛ وهو الأمر الذي يجد صعوبة لدى الدارسين لأنه يطرح عددا من المشاكل والتساؤلات الجديَّة لأى شخص يفكر في تصنبف قاموس، أو مسردا بالمفاهيم الرئيسة لهذا العلم.
ويؤكد المحرر في المقدمة أن هناك نظريات جديدة لعلم الاجتماع لكنها تخضع كذلك للجدل التطبيقي عند الممارسة الإمبريقية -التحريبية- بين الباحثين، كما يعرض للصعوبات التى يمكن أن تقابل عالم الاجتماع عند وضع المصطلح. لذا فلقد جمع كل تلك الرؤى -للعلماء السابق ذكرهم- وانتقى المفاهيم الأساسية التى تمثل كُلِّيات تجعل لها قابلية للتطبيق، كما أخذ آراء علماء الاجتماع في هذه المسائل؛ ليخرج الكتاب بهذه المفاهيم التي تحدد أسس علم الاجتماع من خلال المصطلحات التى تَوَافَقَ عليها العلماء في العالم، وليس كلها؛ فلقد استدرك الحديث عن النسوية، والجنسانية، والذكورية كتوجهات تخضع للبحث التجريبي ومدى لصوقيتها وارتباطها بالمجتمع موضوع الدراسة؛ وهو الفضاء الذي يبحث فيه علماء الاجتماع في العصر الحاضر.
المفاهيم الأساسية:
يبدأ المحرر في كتابه بالتعريفات الرئيسة، أو المفاهيم الأساسية لعلم الاجتماع، ولقد أعطى مصطلح الاستهلاك أولوية في الصدارة؛ حيث تنوعت تعريفات الاستهلاك بتوالي العصور، لكن أهمية الكلمة برزت في العقدين الأخيرين وشكلت تحديات رئيسة لعلم الاجتماع؛ وكلمة الاستهلاك تحمل معاني الإهلاك والتبديد والاستنزاف. وبحلول القرن التاسع عشر أصبحت الكلمة تضاهي الحسنات الإيجابية "الذكورية" للإنتاج كإطار مفيد اجتماعيا، بينما أصبحت النظرة إلى الاستهلاك نفسه عملا تقوم به النساء وحدهن. أما مُنَظِّرو القرن التاسع عشر فقد جعلوا من الإنتاج الصناعي وموقع الطبقات المصدر الرئيس للمعنى والتنافر في المجتمع؛ ولقد جاءت كتب كثيرة في الثمانينيات تعضد قيمة الاستهلاك بعد مرور كثير من البلدان بحالات ازدهار للإنفاق الإستهلاكي التى دفعت النمو الاقتصادي؛ وعلى إثر ذلك تبنت الدول سياسات سوقية تقوم على "الليبرالية الحديثة "ليسود خطاب"حرية الاختيار" عبر الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وظهر سيميل كأول مُنَظِّر كلاسيكي يتحدث عن أثر الموضة على الحياة الاجتماعية؛ وعلى إثر ذلك تمت دراسة علاقة الحرية بالتكيف الاجتماعى عبر اختلاف الرغبات والقيم، وكان لابد من استعادة علم الاجتماع الحضري في ضوء دراسات كانويل كاسنز الماركسي؛ والذي قال:
"إن الاستهلاك الجماعي هو العملية التي تُشَكِّل المدينة، وتضمن إحياء الرأسمالية؛ لافتا إلى دور الدولة في توفير السلع والخدمات مثل التعليم والإسكان والنقل والمرافق الطبية؛والتي كانت توفرها السوق في أماكن؛ وأزمنة أخرى.
كما يعرض للنسويين الذين شكلوا موقفا من استغلال النساء في عملية الاستهلاك، حيث بدأوا الحديث عن المتعة الاستهلاكية التي أدت إلى نشوء دراسات الموضة، الجسد، التسوق، الدعاية وغيرها. كما يعرض للعديد من الأعمال الأدبية التى تحدثت عن الاستهلاك عبر الرواية والتي ركزت على الثقافة الاستهلاكية، الهوية الشخصية.
مفهوم الاستعداد "الهابتوس":
عرف العالم مفهوم الاستعداد على أيدي أرسطو، ثم تطور على أيدي بيار بوردى عالم الاجتماع الفرنسي، هيجل هوسرلو فيبر، إيميل دور كهايم والذي يؤكد على سيكولوجية الجهات الفاعلة المترسخة اجتماعيا، إلا أن مارسيل مرس قد ركز على العادات الجسدية، واعتبرها هي الطريقة لحل الصراع مع علم الإنسان البنيوى والوجودية، ويعد الهابتوس هو المفهوم الجوهرى لتحليل الحياة الاجتماعية كتحليل الفقر لدى الطبقة الدنيا؛وموضوعات وسائل الإعلام؛ دراسة استهلاك الفنون من خلال الأفكار المترسخة لدى الأفراد من خلال الترتيبات والمهارات وأشكال المعرفة؛ وما يحيط بالفرد لتحليل المجتمع بشكل عام. كما عرض لنظرة القبائل إلى العالم من خلال الممارسة والتطبيق الإمبريقي.
مصطلح الاغتراب:
تعرض المحرر لمفهوم الاغتراب من خلال أفكار هيجل؛ وماركس الذي حوَّل فكرة هيجل إلى وصف الدولة حيث يخسر العامة أنفسهم من خلال عملهم في الرأسمالية؛ وهنا سيجدون اغترابا عمَّا يدور حولهم، واغترابا لذواتهم كذلك. كما يتعرض هنا للفقر، العمل، الإنتاج، السعادة؛ فالاستهلاك لدى ماركس مثل الإنتاج يعاني من الاغتراب. كما تعرض لفكرة النظم الاستهلاكية الرأسمالية وتأثيرها في شعور العمال بالاغتراب.
مصطلح الأمة:
يتعرض المحرر لمفهوم الأمة من خلال رواية الفرنسي أرنست رينان "الأمة هي التضامن والتماسك إلى حد استعداد الفرد للتضحية بما صنعه في الماضى؛ واستعداده للتضحية بأي شىء. والأمة هي ظاهرة طبيعية كبيرة، تربط شعوبا برباط العاطفة، وتشجع التضحية لأجلها، وتمتد من الماضى إلى المستقبل بلا نهاية. والأمة مرادف الدولة التى تشير إلى سياسة معينة ومواطنين وأنظمة للعمل؛ فالأمة تعبير ثقافي جماهيري، وتصور جماعي وليس خيالا. والأمة مفهوم أيديولوجي يُعبِّرُ عن الوطنية؛ والإثنية والعرقية واللغة، والأعمال اليومية؛ والوطنية تصنع أمة أكثر من أي شىء آخر، كما يقول "أرنست غيلنر"؛ حيث السياسة تصنع فكرة الوطنية أكثر من الأمة التى تطالب بالسيطرة على إقليم، أو حكم ذاتي، كما أنها تتحدد بإقليم فتقول "الأمة الإسلامية" وغير ذلك.
مصطلح الانحراف:
الانحراف هو الخروج عن أخلاقيات وتوقعات أي مجتمع؛ وهو خاصية للوضعية الاجتماعية؛ وهو الذى يكسر القواعد كالجريمة: القتل والانتحار، وغير ذلك من الأمور التي تكسر أعراف وتقاليد المجتمع، فهي انحراف عن الخط العام بشكل أساسي كما عند دور كهايم وغيرهم، ولقد عرض أفكاره عن اللامعيارية والانحراف من خلال دراسته الشهيرة عن الانتحار، كما تعرض لرؤية مدرسة شيكاغو وتحليلاتها الإثنوغرافية عن الجريمة وتوجيه أصابع الاتهام إلى الأشخاص القاطنين الأماكن غير المنظمة في المدينة؛ وعرض كذلك لمنظَّري المدرسة التفاعلية الرمزية في تركيزهم على الجمهور الاجتماعى وأهميته لدراسة مثل هذه الظواهر . كما عرض لأفكار مدرسة بيرنغهام للدراسات الثقافية عن الثقافة الشبابية وعمليات الإذعان وعن دور الشرطة في مراقبة الشباب السود؛ كما تم انتقاد الاستعداد الذَّكَرى للجريمة في علم الإجرام من خلال علاقة الجنس بالجريمة؛ وعلم اجتماع الانحراف الذي يدرس علاقة الأقزام والعمالقة ومتعاطى المخدرات والمنحرفين جنسيا؛ في تشكيل الجرائم.
•الأيديولوجيا أو علم الافكار والهيمنة:
عرف العالم مفهوم الأيديولوجيا في نهاية القرن الثامن عشر على يد العالم "ديستوت دي تراسي" ويعني "علم الأفكار" الذي يمكن أن يكون انتقادا للدين؛ وماوراء الطبيعة. ومع أن الكلمة اكتسبت معانٍ سلبية على يد نابليون الذى وصف منتقديه بالأيديولوجيين؛ أو كما يقال هم الناس الذين يتعاملون مع التأويلات وشرود الذهن، ويعرفون القليل عن السياسة العملية. إلا أن ماركس قد بنى للأيديولوجيا مفهوما جديدا في كشفه عن مصطلح الهيمنة والاستغلال التي تتضمنها الرأسمالية، والتي أصبحت فيها الأيديولوجيا نوعا من الوعي المُشَوَّه الذي يخفي اختلاف المجتمع الذى أسهم بإعادة هيكلة النظام؛ وانضمت الكلمة إلى مناقشات علم الاجتماع بفضل ماركس الذى قال بأن الأفكار تُعَبِّرُ عن الانعكاس والمواراة؛ وأن الدين وعي معكوس للعالم.
كما يعرض لتطور الأيديولوجيا بعد ماركس إلى محاور أربعة عند غرامشي، مانهايمو، دور كايم، والباحثين في النقد ولقد أثرت هذه الافكار في المناقشات المعاصرة. لكن لينيين وجورجي لوكاش قد تباينت أفكارهما عن الأيديولوجيا الاجتماعية التي شوهت رؤية العالم إلى الطبقات الاجتماعية وأساليب الفكر؛ بمعنى أنه يمكن لفئة أن تمارس سلطتها على فئة أخرى؛ بالأيديولوجيا -بحسب غرامشي- حيث يصبح لها تأثير توحيدي، يقوم على قدرتها على كشف الإرادة الحرة للناس. ومن هنا فإن هيمنة الأفكار في العالم هي العنصر الأساس في كل الحياة السياسية؛ لأن لديها القدرة على أن تصبح الوعي السائد للجماهير. ولعل هذه الأفكار هى التي طرحت مفاهيم مثل علاقة العلم والعقل بالأيديولوجيا وتأثيراتهما على المجتمع؛ لذا قال نيتشه بأن السياسة تشوه الأيديولوجيات. ولعل هذا الصراع بين أثر العلم والعقل على الأيديولوجيا قد أدى إلى ظهور:
"النظرية النقدية المابعد حداثية"والتي اعتمدت نظرية "ثيودور أدورنو"، وماكس هورخيمر -اللذان تأثرا بمقولة نيتشة السابقة- حيث رأى كل منهما أن الرأسمالية كأيديولوجيا تميزت بالأهمية المتزايدة عبر مفاهيم هربرت ماركوس كذلك؛ حبث يقول غريس ديفى "إن النقلات الثقافية الجارية هي إيمان بدون ضرورة الانتماء" فلقد أسهمت العولمة في تكثيف الشعور باللامساواة الاجتماعية، وأَخَلَّتْ باستقرار المجتمعات على الصعيد القومي والمحلي؛ وهكذا صار الدين مصدر حراك تخلى عنه العالم الثالث؛ ومصدرا للمعنى والهوية الثقافية لدى الأقليات الإثنية ومستهلكي الغرب الثري الذين لا ينفكون قلقين على المستقبل.
مفهوم الذات والهوية:
تركز نظريات علم الاجتماع على السبل التى تُشَكِّلُ الذوات اجتماعيا وتتم السيطرة عليها من خلال التنشئة الاجتماعية والتفاعل والذاتية. ولقد ظهرت نظرية الذات عند جورج ميد وهى النظرية الأشد تأثيرا في القرن العشرين؛ وتهتهم النظرية بانعكاسات الآخر على الذات لإعادة فهم الذات اجتماعيا؛ وهي عبارة عن حوارات أو ايماءات داخلية بين طرفين تجمعهما علاقة "أنا وذاتي"؛ولقد اعتمد على أفكار وليام جيمس وكانط؛ ثم تطورت النظرية على يد تشارلز كولي فيما سماه "الذات المرآة".
واعتمدت النظرية فكرة الدور الاجتماعي التى حللها بارسونز بنيويا؛ واعتمدت تنظيم السلوك الشخصي للفرد بناء على السمات العُرْفِيَّةْ للأدوار والمكانة الاجتماعية التي تؤكد التوقعات الناجمة عن هذه الأدوار. كما درس غوتمان الدور من خلال المسرح والشخصيات. فالذات لدى غدينش مشروع مرتد على نفسه في ظل تأثير العولمة على الهوية فيحدث هناك نكوص للتقوقع حول الذات والجسد وغير ذلك. فالفرد هنا يبحث عن الكمال في ظل معرفته بالجسد واهتمامه بالصحة والجمال؛ واستراتيجيات الحكي عن الذات ومن هنا ظهرت قصص "كيم بلومر" عن الاستراتيجيات السردية للحكي أو "قصص الذات".
نظرة المجتمعات الغربية للذات:
تنظر المجتمعات الغربية إلى الذات على أنها مهمشة؛ ومتعددة الأوجه وغير متزنة، وهي نظرة على النقيض من الآراء الماهوية عن الذات لدى كُتَّاب عصر التنوير؛ وفيما بعد الحداثة؛ ومابعد البنيوية، واليوم ينادي الكتاب بتصور أكثر سلاسة للذاتية يتحدد عند مستوى اللغة والتقديم التجريدى الاصطناعي متأثرين بجاك لاكان؛ في حين تَبَنَّى كثيرون فكرة التخلي عن الذاتية لصالح تصور "الهويات" الأكثر اجتماعيا، وهي الأفكار الجديدة التى نادى بها ميشيل فوكو وأدت إلى ظهور فكرة إخضاع الجماعات الضعيفة لصالح الجماعات القوية، وكذلك الدول، كما ظهرت مسألة النسوية وخصوصية المرأة؛ كما برهن علماء الاجتماع المتخصصون بالأعراق والأجناس الصراع السياسي الذى تنطوى عليه عمليات صياغة الهويات الثقافية وبالأخص في مجتمعات مابعد المرحلة الاستعمارية، وكيفية تأثير هذا فيما يتم تحصيله من معارف على جماعات الأقلية الإثنية.
•فكرة الذكورة "الفحولة مقابل النسوية":
يتحدث الكتاب عن فكرة الذكورية "الفحولة" مقابل "الأنثوية"، وظهور مفاهيم مثل "الجندر"، ودراسة صفات الرجل من منظور جنساني؛ كالتي فى دراسات كونيل عن علاقة الذكورة بالقوة والمكانة الاجتماعية.
أما مفهوم الرأسمالية الاجتماعية فيعتمد فكرة الحاجة إلى الأسرة والأقارب وشبكات العلاقات في تكوين رأس المال الاجتماعي؛ فالأب والأم والأقارب هم رأس مال الفرد؛ ومن هنا ظهرت شبكة العلاقات الاجتماعية والقبيلة والجماعة كأساس لتكامل الدور الاجتماعي في الحياة.
مصطلح رأس المال الثقافي:
ظهر مصطلح رأس المال الثقافي وأثره في تكون الطبقات الاجتماعية ليتم تقسيم البشر إلى أنواع وطبقات عبر فكرة السُّلَّمْ الاجتماعي؛ فهناك رأس المال الثقافي الأبوي؛ والأصدقاء وجماعات الأصدقاء والجمعيات الأهلية، وكلها ينخرط فيها الفرد ليتشكل لديه رأس المال الثقافي. كما أدى ذلك إلى ظهور مصطلحات مثل النخبوية، البرجوازية، البروليتاريا، طبقة العمال والفلاحين، وغيرهم.
كما اهتم الكتاب بفكرتي الزمان والمكان كمصطلحين أساسين في علم الاجتماع من خلال ارتباطهما بالرأسمالية والطبقية والعمل والإنتاج والاستهلاك، وقد اعتمدت على طروحات ماركس وأفكاره عن صراع الطبقات والعمال، والأجور وربطها بالزمن، وفكرة المكان وأثرها في التنشئة الاجتماعية، ودور البيئة في تكوين الفرد عبر مراحل نموه المختلفة.
مصطلح السلطة:
تناول الكتاب الحديث عن السلطة ودورها في تشكيل الفرد والمجتمع والمعاملات، كما تحدث عن آليات السلطة ودورها في رسم السياسات العامة للدول والمجتمعات؛ ومفهوم السلطوية وظهور المجتمعات المتباينة المرتبطة بسلطة فاشية أو دينية أو ديمقراطية، وغير ذلك.
كما تعرض الكتاب لمفاهيم: الصناعة، والطبقة، وتكوين الهويات العامة للأفراد والدول والشعوب والحضارات، كما تعرض للطفولة والعاطفة والأسرة والعلاقات المجتمعية والجماعات الإثنية والعرقية والتمييز العنصري، والعقلانية وعلاقاتها بتكوين الفرد والهوية وعلاقات النسب والأسرة في تكوين الشخصية والاعتبارية، وقد تعرض للزواج والطلاق، والتنسيب والتبني وكلها موضوعات تميز علم الاجتماع.
كما يدلف المحرر للحديث عن النظام الاجتماعي العام والعالمي ووضع رؤى مركزية لقراءة تاريخ العالم، ونظرية الأنواع الجنسانية الجندر، والتمايز على أساس العرق والجنس والذكورية والأنثوية "الجنوسة"، كما يعرض لمصطلحات الهجرة والشتات والوضع الاجتماعي "التمايزي" وأثر ذلك على الدور الاجتماعي والمفاهيم بغية فهم الفرد والمجتمع والعالم والحياة.
مسرد المقاربات النظرية:
ينهي المحرر كتابه "بمسرد للمقاربات النظرية"، من خلال استعراض عمل مدرسة شيكاغو التى أكدت إلى علاقة الصراع الجماعي بالموارد للسيطرة على المكان، من خلال فكرة المدينة ونشأتها بداية من استخدام الأرض والتنظيم الإجتماعي، كما ظهر مفهوم الصراع كأساس في نشأة المدن. وظهر علماء تحليل الحديث، أو الخطاب وطرائقه لدى الناس وأثره في السيطرة والصراع، وأثر الخطاب على الأفراد فى النقاشات اليومية.
نظريات علم الاجتماع الحديثة:
تعرض الكتاب للعديد من النظريات الحديثة لعلم الاجتماع ومنها "لنظرية الواقعية النقدية"، ودورها في الأعمال المستلهمة لفلسفة العلم عند روم هار، روى بهاسكار، حيث تعتمد تلك النظرية على المسببات والتقصي العلمي للوصول إلى الأفكار العامة للبُنَى الاجتماعية وهى تتفق مع مفاهيم ماركس كذلك. كما يمكن اعتبار النظرية النقدية امتدادا لمدرسة فرانكفورت حيث تقوم فكرة النظرية النقدية على الانعتاق من السلطة والهيمنة في مجالات العمل والتفاعل؛ ولقد تناقضت المعرفة التى أفرزتها النظرية النقدية مع المعرفة التى أفرزتها الوضعية والهرمونوطيقا، حيث إن المعرفة فيهما قائمة على المصالح المحافظة في إبقاء التقاليد والنظام الاجتماعي.
كما تعرض "المسرد" للنظرية المنهجية الإثنية، وإلى النظرية التطورية، النظرية النسويَّة، التي تتعلق بالمرأة وفضاياها؛ وتحررها عن الرجل، والوضع الاجتماعي لها في المجتمع.
كما تعرض الكتاب لمفاهيم الهرمونيطيقا، علم الاجتماع التفسيري، الماركسية، والمدرسة الوظيفية الجديدة "البنائية"، وإلى الفينومينولوجيا التي اعتمدت على أن التحليل الاجتماعي يجب أن يبدأ من تحاليل مضامين الوعي الفردي أي الظاهرة التى يدركها الأفراد؛ والتي يجب أن تُعامل كحصيلة معرفية مشتركة التي واجهت فكرة "طب الأمراض العقلية".
كما ضم الكتاب بعض المعارف عن المدرسة الوضعية؛ ومدرسة ما بعد الاستعمار التى اضطلع بها علماء الهند والتي تقوم على فكرة رفض التاريخ المكتوب من وجهة نظر السلطات الاستعمارية؛ وإعلاء صوت الأشخاص الذين تعرضوا إلى الاستعمار أي المهمشين. حيث تم تطوير أفكار مشابهة في أعمال فرانز فانون، إدوارد سعيد، الوطنيين السود في الولايات المتحدة الامريكية. وتقوم وجهة نظر مابعد الاستعمار على أن المعرفة تتشكل من خلال نظر المجموعات الاجتماعية التي تنتجها، وفي المحيط الاستعماري تُشكل الأوضاع القوية للمستعمرين معرفتهم ووعيهم. وتشترك هذه النتائح النسبية مع النظرية النسوية؛ ومابعد الحداثة، وما بعد البنيوية كما هو جلي في الأعمال الحديثة للكاتبين: غبتارى سبيفاك، هومي بها بها.
كما تناول الكتاب مدرسة التحليل النفسي ونظرية الشذوذ؛ تظرية الاختبار المنطقي، علم الرموز، الداروينية الاجتماعية عند دارون ومن جاء بعده؛ وإلى المدرسة الوظيفية البنائية، البنيوية، التفاعلية الرمزية، نظرية النظام، والتي تعتمد على أطر البنيوية وتطوير نظم ونماذج من المعلومات -من خلال الكمبيوتر- والتي تعتمد على فكرة بناء المجتمعات على نظم فردية في جميع النواحى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وتدوير الطاقة التبادلية كأفكار للتنظيم الذاتي، من خلال النظم الاجتماعية.
أهم الأفكار الرئيسة:
يعتمد الكتاب عددا من الأفكار الرئيسة، كضرورة لدارس علم الاجتماع من تَفَهّمِ المصطلحات وسياقاتها، منها:
1- ضرورة علم الاجتماع في دراسة الفرد والمجتمع.
2- أهمية علم الاجتماع في تنظيم العالم والحياة.
3- المصطلح ودوره في تشكيل الوعي لدى دارسي علم الاجتماع.
4- النظريات الجديدة وأثرها في النظام العالمي الجديد.
5- دور الفكر الفلسفي في تطوير الرؤى العالمية للأنظمة.
6- ضرورة علم الاجتماع في تشكيل الوعي الجمعي الجماهيري.
7- علم الاجتماع وتشكيل النظام القطبي العالمي الجديد.
8- علم الاجتماع ضرورة محلية وقومية وعالمية.
تعريف بالمؤلف:
ولد البروفيسور جون سكوت john scott في لندن، بالمملكة المتحدة، بريطانيا، في 8 أبريل عام 1949م، وقد عاش لمدة 72 سنة، وتلقى تعليمه في مدرسة هامبتون، ثم التحق بجامعة ستراثكلايد وتخرج فيها؛ ثم أصبح أستاذا لعلم الاجتماع في جامعة إيسيكس، وجامعة بليموث، ثم أستاذا بجامعة ليسيستر؛ كما تخصص في مجال التقسيم الطبقى الاجتماعي، علم الاجتماع الاقتصادي والنظرية الاجتماعية، ثم عُيَّنَ عضوا في الأكاديمية البريطانية. ولقد حاز عدة جوائز منها: نيشان الامبراطورية البريطانية برتبة قائد، درجة الزمالة للأكاديمية البريطانية؛ كما يُعَدُّ أحد أشهر علماء الاجتماع في العصر الحديث.
|