القاهرة 18 اكتوبر 2022 الساعة 08:23 ص
بقلم: أشرف قاسم
الغضى من الأشجار الصحراوية ذات الطول، إذ يبلغ طولها فوق العشرة أقدام، وهي شجرة خشنة في جذوعها وفروعها، وتحتوي على لُحاءٍ سميكٍ غني بالماء، ومنها الأسود والأخضر والأبيض، تمتاز بقوة تحملها لدرجات الحرارة العالية، وتلاؤمها مع الرياح الشديدة والمناخ الرطب، وتسمى نبات "الرمث"، وتُستخرج منها صِبغة خضراء تستخدم في صباغة السجاد.
و"وادي الغضى" يقع في بادية السماوة العراقية، وهو المكان الذي نشأ فيه مالك بن الريب، وذكره في مرثيته لنفسه ومنها:
ألا ليتَ شِعري هل أبيتنَّ ليلةً
بوادي الغضَى أُزجي الِقلاصَ النواجيا
فَليتَ الغضى لم يقطع الركبُ عرْضَه
وليت الغضى ماشى الرِّكاب لياليا
لقد كان في أهل الغضى لو دنا الغضى
مزارٌ ولكنَّ الغضى ليس دانيا
احتفى الشعر العربي القديم عبر عصوره المختلفة بشجر الغضى بشكل لافت وذلك في معرض الحديث عن الأطلال والديار، ورحيل الأحبة، وانتشر تشبيه نار العشق بجمر الغضى، فمن المعروف أن جمر الغضى يبقى مُتَّقِدًا مدة طويلة لا ينطفئ، كما يفعل الهوى بالعاشق، إذ تبقى ناره مشتعلة في القلب لا تنطفئ، ومن ذلك قول أبي العتاهية:
رَأَيتُ الهَوى جَمرَ الغَضى غَيرَ أَنَّهُ
عَلى كُلِّ حالٍ عِندَ صاحِبِهِ حُلوُ
أَذابَ الهَوى جِسمي وَلَحمي وَقُوَّتي
فَلَم يَبقَ إِلّا الروحُ وَالجَسَدُ النَضوُ
ويقول ابن المقري:
قــلبٌ عـلى جـمـرِ الغـضـى يـتـقـلّبُ
لمــهــاجــرٍ مـن غـيـر ذنـبٍ يـوجـبُ
يـشـكـو وأعـظـم مـا شـكـاه جنايةً
لم يـجـنـهـا أمـسـت إِليـه تـنـسـبُ
ومالك بن الريب حينما فاجأه ذئب في وادي الغضى، حاول أن يصرفه فلم ينصرف، فهجم عليه مالك وصرعه وكتب يصف ذلك قائلًا:
أَذِئبَ الغَضا قَد صِرتَ لِلناسِ ضِحكَة
تغادى بِها الرُكبانُ شَرقا إِلى غَربِ
فَأَنتَ وَإِن كُنتَ الجَريءَ جَنانُهُ
مُنيتَ بِضِرغامٍ مِن الأسدِ الغُلبِ
بِمَن لا يَنامُ الليلَ إِلا وَسَيفُهُ
رَهينَةُ أَقوامٍ سِراعٍ إِلى الشَّغبِ
أَلَم تَرَني يا ذِئبُ إِذ جِئتَ طارِقا
تُخاتِلُني أَنّي اِمرؤٌ وافِرُ اللُّبِّ
زَجَرتُكَ مَرّاتٍ فَلَمّا غَلَبتَني
وَلَم تَنزَجِر نَهنَهتُ غَربَكَ بِالضَربِ
فَصِرتَ لُقىً لما عَلاكَ اِبنُ حُرَّةٍ
بِأَبيَضَ قَطّاعٍ يُنَجّي مِنَ الكَربِ
أَلا رُبَّ يَوم ريبَ لَو كُنتَ شاهِدا
لَهالَكَ ذِكري عِندَ مَعمَعَةِ الحَربِ
|