القاهرة 11 اكتوبر 2022 الساعة 12:35 م
بقلم: إنچي مطاوع
قرون استشعاري توقفت عن النبض؛ يوم نزعتها قسرًا بهجمات كلماتك، لكن مَنابتَها ما زالت تستشعر اتصالات روحية معكَ؛ مجدوعة الإحساس، مهزوزة الثقة، كم أخشى مجيء يوم بعُد أو قرب، وأتمنى ألا يأتي، لكنه واقع لا محالة؛ لأنه من مفارقات وشيم القدر، سنتقابل ولو بالنظر ذات حدث، يومها سنكون مجرد غريبين تقابلا وفي الروح غصة، نتيجة استشعار ثقل ظل الآخر، غصة مزروعة في القلب تنمو مع الأيام بسبب تكوُّن صخرة ترتكز على منتصفه بعد كل ما كان.
وقتها سنتلهف على الابتعاد قبل أن نتلاقى في الرقعة الأرضية نفسها، فيالتصريفات القدر! يومًا نتصافح كحبيبين، وآخر تحكمنا الأهواء.. وقبلها البغض المغموس في الحسرة والخذلان، هذه هي الحياة.. وهذه أفعالنا المعتادة نحن البشر.
يا الله! كيف نواصل الحياة وكل ما حولنا متواطئ مع الذكريات، مسفوحة آمالنا في غد جديد على طرقات الحنين، مسحولة أية فرصة للخلاص على عتبات اللهفة والاشتياق، ضائعة أفكارنا بين: كان يقول وكان يفعل وكنتُ... كنت ماذا؟! كنت أجادل الكل عنه، كنت أبرهن على بقاء حسن النوايا في قلوب البشر من خلاله، كنت أسكنه ويسكنني، متوازنة الروح بدعم قربه، ثم انتهى..
يومًا إذا اشتقنا.. وسنشتاق، ذُبنا هيامًا في بحار ملحها يحرق الأبدان، بنعومة الحيات، إذا اشتقنا.. وسنشتاق، رقصنا بطاقة الوجع فوق جسد الألم، ينثرنا الأنين قطع سحب، تذوب وجدًا، بفم الصبايا البريئات، لا جديد؛ فهذه هي الحياة، وهذه هي أفعال أشباه المحبين، يومًا هنا، ويومًا هناك في حضن ليل جديد.
ما حدث أن فرسان المعبد خطفوا «شمشون» وعليه هدموا المعبد، فرسان المعبد نهبوا قصر «سليمان» وأحاطوا أسراره بمليون ألف خرافة، فرسان المعبد كسروا سور قلبي وفي وسط جنينه زرعوا قنابل وبارودًا تنهش روحي، نالني منه الضياع.. كم هو شعور مؤلم أن تشك في لحظة مضت، لحظة اعتبرتها عابرة، لكن ولحمقك تكتشف أنها، ربما، عصا سحرية رسمت مستقبلًا ناشرًا جناحيه ليضمك، بل ليحطمك..
لقد زارنا فراق غير مدبر سرق بهجة حب تدثر طرفاه بعباءة الحياء، استتر صخب الحب بحجاب النصيب، تدروشت المشاعر لتهيم في الدنيا؛ حتى سرقها الواقع ومرت سنوات وسنوات، وها هو قد لاح فجر اللقاء بعد سنوات الغياب، لتهتف الأرض وتشير إلينا: هل هذان الصامتان من ضيَّعا حب الأمس؟!
فتجيبها السماء: نعم هما.. بتلعثم لسان غرق صاحباه في بحر الحب، أعلنا أشواقهما وفرحة عامرة مليئة بشغف وود. جمود احتل الإيماءات والحركات، وانطلاق وتحليق غمرا الخيال ليسبحا معًا وسط حدائق وصل ووصال، لمسات وأحضان وقبلات تزرع الكون بالياسمين والقرنفل، كان لها البيت الآمن، الحضن والأمان، النسيم والنفس الباعث على الحياة..
وإذ غضبة.. تحوَّل إلى حريق احتضن الأخضر واليابس؛ حتى الظل سرقه بلفحة برد كلماته وأفعاله.. لقد اتفقا أن يختلفا وألا يتفقا؛ فاتفاقهما حرب ضد الجميع، واختلافهما حرب سيستوعبها الجميع، من رآهما تعامل كأنه رأى عنقاء تولد من بين رمادها.. تساءلوا بعجب: هو قاسٍ كالحجر بل هو صخر في جوف جبل.. فكيف هوته؟! قالت لهم: يالبؤسكم.. ما غايتي في رجل يتأرجح بين الإناث بصخب؟! هو معهن حجر ومعي نسمة لطفت صيف قلبي ومحت آثار الخريف بلا ضجر.
أحبا ونسيا الدنيا وأفعالها، وها هي الحياة تستمر، وها هي الحبيبة تغني كل ليلة قبل أن تخلد إلى النوم وسط بحر وسادتها التي ملأتها بدموعها؛ الريحان حلو الرائحة، بديع المنظر، شهي النكهة، لكنه مر الطعم، وأنا ريحانة في هذه الحياة، مرة حياتي من دون نسيان؛ وكيف أنسى وهو يسكن الجميع من حولي؟!
لكن نظرات الناس قيدٌ يخرسني ويرميني فوق الجمر وحيدة، فحرِّرني بنسمات نظراتك لترطِّب على قلبي من حر يحرق أنفاسي وإلهامي، يا من سلبَتْني لمعةُ عينيك لُبِّي، وضيَّعتني بسمتك الممتلئة بالبهجة، كيف تتذمر قائلًا: «ما ذنبي في هواكِ؟!»؟!
ليجيب الحبيب في ضعف: وسط أحراش المجهول ودعت قرنفلتي، حزينًا سرتُ يبكي فيّ القلب والروح، والعين جاحدة تتحدى الطبيعة، اعتقدتها نهايتي وروحي مفارقة بعد حين، وها هي الأيام مرت تلتها أيام وليالٍ ثم شهور.. وما زلت باقيًا أمارس حياتي كما لو كان مَن مات منذ شهور آخرُ يشبهني..
وها هي الحياة تزرع البهجة داخلي من جديد، وتفتح ذراعيها، تضمني بحنان، وتزرع الورد والقرنفل في طريقي، وتغريني: أيا رجل.. هلم واقطف ما تشتهيه نفسُك من ياقوتاتي.. تتبغدد وتُبغدد من يوافقها، وكيف لا تفعل ونحن فيها نسير كما تشاء، وها قد أهدتني فرحًا جديدًا؟! فلِمَ أعود للماضي؟!
لم يضيِّعا الحب أيتها الأرض، فقط هما انصاعا لقيود الحياة بخنوع عبد، خجل الماضي شح بالماء على زهرتهما فذبلت، وها هي الأقدار تجمعهما ثانية، واستكمالًا لألاعيبه يظلل لقاءهما بحروف طائرة لتشكل أنصاف كلمات وسراب معانٍ؛ فالواقع أوقع؛ أيقظهما على أسوأ كابوس.
واقع تحكم فيهما وما زال يتحكم ليتخبطا بين واقع شؤم الأفعال، وخيال مزيج من شهد ولبن يشتهيان الغرق في تفاصيله، جمعهما ولكن ليس كحبيبين، بل مجرد عاشقين سبق سيف البعد وفرَّق بينهما، كم يصعب عليَّ حالهما، خاصة هي، ليتها تفهمني لأناديها وأنصحها..
بنيتي.. أصغي إليَّ أنتِ وآمالكِ العريضة، أرهفي الحس ليلتمس قنديل حديثي طريقه وسط أوهام سكنت أحلامكِ، لا تصدقي أنه عشقكِ وفضلكِ على نساء العالمين، هو حتى لم يحبك!! لا ترتجفي فزعة هكذا وتحاولي الدفاع عنه.. هو فقط يا صغيرتي اشتهاكِ، وشتان بين الحب والاشتهاء، هذا يغذي الروح وذلك يغذي الجسد المحروم، كان جسده جائعًا كما ذئب يتربص لحظة ضعف لينال ما نال وما كان يمكن أن يناله أكثر، من يشتهي يشبع منكِ عند توافر بديل، وها هو قد قنع ببديلك، أما العاشق الحق فالجنون مثواه إذا كُتب الفراق، احمدي الله على زوال غمته، وتوضئي بدمع روحكِ، دعي نفسك تسجد لله طالبة الغفران وراحة البال.
|