القاهرة 27 سبتمبر 2022 الساعة 11:56 ص
تقديم: حاتم عبدالهادي السيد
كتاب: السلطة والسياسة والثقافة حوارات مع إدوارد سعيد
إعداد وتقديم: غاورى فسواناثان
ترجمة: د. نائلة قلقيلى حجازى.
الناشر: دار الآداب للنشر والتوزيع؛ بيروت 2008م
• مقدمة
يعد كتاب "السلطة والسياسة والثقافة "- حوارات مع إدوارد سعيد - هو سياحة ثقافية في العقلين:العربى والغربى؛ حيث يتشابك فيه التاريخى بالسياسى؛ والأدبى بالفلسفى؛ والإجتماعى بالمابعد حداثى, والأنثروبولوجى بما بعد الكولونيالى . كما يعرض لأفكاره المائزة في الفنون والمعارف عبر خطاب الإستشراق؛وعن علاقة الشرق بالغرب, , وعن الآخر والهوية ؛ وصراعات القيم ؛ والموروث, كما يعكس محاولات صراع الحضارات عبر إدعاء حوار الثقافات,والأممبة والشرق أوسطية, والكوكبية, والمركزيات الأوروبية , وتقابلات الإمبريالى الصهيو- أمريكى, بالجبهويات الأصولية ,وصراع المذاهب والعرقيات . كما يعرض لقضايا العرب القومية ؛ وعلى رأسها القضية الفلسطينية ,وحق تقرير المصير؛وعودة الطيور المهاجرة ,إلى فلسطين من جدبد .
• موضوع الكتاب
يكتسب كتاب "السلطة والسياسة والثقافة "أهمية كبرى للتعرف إلى فكر وفلسفة؛ ومواقف, المفكر الفلسطينى؛ الكولونيالى العالمى البروفسور" إدوارد سعيد". وهو عبارة عن مجموعة حوارات أجريت معه على مدار ثلاثة عقود ؛ في أماكن وأزمنة مختلفة ,قامت بإعداها ؛ والتقديم لها؛البروفيسورة الكولومبية "غاورى فسواناثان"؛ وترجمتها إلى العربة د. نائلة قلقيلى حجازى.
كما تكمن الأهمية الأخرى للكتاب؛ في كونه يجيب عن أسئلة كثيرة؛ ويطرح رؤى ومواقف؛واشكالاتٍ نقديةٍ, وقكرية, وسياسية ,وثقافية؛ لكاتب يؤمن بالتعددية والتنوع ؛ ويتشابك مع الكونى والحياتى,والجمالى, والخاص والعام .
يضم الكتاب تمهيداً بقلم "إدوارد سعيد "؛ ومقدمة مطولة لِمُنَقِّحَة الكتاب "غاورى فسواناثان"؛ ؛ حيث قسمت كتابها إلى جزأين رئيسين ؛ تناولا حواراتها مع" إدوار "عن "الأداء والنقد" ؛ وحوى الجزء الثانى أحاديثه وحوارته عن العلم ومذهب الفَعَّالية .
(1)
تمهيد
فى التمهيد ؛ يعرض " إدوار سعيد " لأهمية الحوارات والمقابلات ؛التى تُشَكّل تحدياً له ؛ ككاتب ومفكر وناقد وفيلسوف ؛ والتي يعتبرها منعطفاً قكرياً؛ وفرصة لإستكناه دواخل عقله؛ ووجدانه,
وهى أسلوب حياة اعتادها- كما يقول؛ لأن أهميتها تكمن في استدعاء موضوعات ناقشها- من قبل - في كتبه ؛ بستدعيها؛ لا ليؤكدها ؛ أو يدافع عنها – فحسب – بل ليعيد تعيينها؛واستكشاف امكانات توسيعها في المستقبل؛وهنا نكتشف سيولة أفكار إدوارد في تطبيق"الشكوكية "؛على الإستيعاب غير النقدى لأعماله ؛ وعلى معادلته الشهيرة حول "نظرية التجوال " .وإلى نظريته المهمة عن الإستشراق وما بعد الإستعمار/ والكولونالية ومفهوم الأدب ؛وغير ذلك .
كما تجىء أهمية هذه الحوارات كونها أجريت معه في أماكن وأزمنة مختلفة؛ بداية- من آسيا والشرق الأوسط ؛إلى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية - وهى تبرز وجوده وشهرته؛ كأحد أكبر المثقفين الإجتماعيين في عصرنا؛ كما تعكس آراءه النقدية والفكرية ؛ وثوابته السياسية كذلك ؛ عبر دفاعاته عن حق الفلسطينيين في تقرير المصير؛ وغيرها من الموضوعات والرؤى التى تكمن في إجابته المثيرة؛ والإستفزازية؛ والمدهشة كذلك . .
( 2 )
تقديم
في المقدمة؛ تحيلنا مُعِدَّةُ الكتاب د. غاورى فسواناثان إلى فكرة تأليف الكتاب ؛ وأهمية إدوارد سعيد ككاتب ومفكر موسوعى , كونه أحد أهم المثقفين الاجتماعيين في العالم، فارضاً نفسه بكتاباته المتشعبة على عدد مذهل من المواضيع. لكن، - كما تقول - ما من كتاب واحد شامل المدى مثل "السلطة والسياسة والثقافة"،وهو مجموعة حوارات أجريت معه على مدى العقود الثلاثة الماضية. حيث يتطرق إدوارد سعيد في هذه الحوارات التسعة والعشرين إلى كل شيء، من فلسطين إلى بافاروتين,ومن نشأته تحت الحكم الاستعماري الصهيونى لفلسطين،إلى بلوغه سن الرشد ونضجه السياسي ؛ وكتاباته وكتبه المثيرة التى لاقت رواجاً في كل دول العالم ؛ وترجمت إلى كثير من اللغات العالمية .
كما تعرض لنا آراءه عن الإستشراق؛ وتأثير كتاباتاته المابعد الكولونالية على علماء الهند في مجال السياسة الثقافية ؛ إذ لولاه لتم تدوين التاريخ الهندى ما بعد الإستعمارى من المنطلق الماركسى المهيمن آنذاك .
أثر كتابات إدوارد على علماء العالم
لقد أثرت كتابات إدوارد سعيد على علماء العالم ؛ وفلاسفته, ونقاده ؛وهذا ما عبَّر عنه الكاتب العالمى "نغوغو واثيونغو" في جملته الشهبرة؛ في سياق الحديث عن التخلص من " استعمار العقل " الذى نادى به إدوار؛ يقول " لقد اكتشفنا أنه بعد ظهور الدراسات مابعد الكولونيالية "التى حقَّزتها أعمال سعيد بشكل كبير" باتت بعض مجتمعات ما بعد الكولونيالية تتعامل بتحفظ وحذر,مع ما كان يبدو حدثاً ثورياً في العلم الغربى .من هنا تبدو أهمية كاتبنا في التأثير على العقل الغربى والأوروبى؛ بل والعالم كذلك .
كما تعرض كذلك للكثير مما أضافه إدوارد للتاريخ والفكر,والفن والموسيقى؛ والرواية من خلال رواياته؛ كما تعرض لإهتماماته التاريخية في إطار ثقافى وسياسى ؛ إذ يهتم الكاتب بالخطاب كأحد تمظهرات الحضارة والثقافة والفكر . كما تعرض لأهمية الحوارات لإعادة اختبار الذائقة الثقافية من جهة؛وهى فرصة لمراجعات الذات كذلك من جانبه؛ وإلى طرح اضافات جديدة؛ وتعطى أمثلة لذلك منها حديثه عن الإستشراق؛ وعلاقة المثقف بالسلطة؛ والمعرفة بالسلطة من خلال تأثره بالكتاب العالميين الكبار أمثال : ميشيل فوكو, غرامشى, فيكو,وغيرهم ومدى عطاءات إدوارد في مابعد المدرسة البنيوية,وأدلجة الخطاب على كافة مستوياته . كما تعرض لفكرة الإغتراب؛ والمتعة الجمالية للنص في الرواية؛ حيث تظهر تلك المتعة النَّصية عبر حبه للأدب,في حواراته عن فلسطين والسلام مع اسرائيل؛وغير ذلك .
(3)
الجزء الأول
تعرض الحوارات في " الجزء الأول " للتأملات ؛ وبدايات إدوارد سعيد في المنفى؛ وكبف وَظَّفَ التأملات في النقد من خلال المتعة والجمال الأدبى ؛ كما تظهر الحوارات كيف أن سعيد لا بفصل الحديث قى الأدب عن السياسة والمعارف؛ كما تعرض لأهم كتبه الإستشراق ", الثقافة والإمبريالية, الأوبرا والأداء, وغيرها.
النقد الطليعى والنقد التقليدى
فى الجزء الأول الذى حمل عنوان " الأداء والنقد " – تعرض الكاتبة لأول حوار أجرى مع إدوارد سعيد في مجلة "دياكريتكس"عن النقد النظرى ؛ "بدابات : النية والمنهج "؛ وجزء من كتابه الإستشراق؛ ولقد تطرق الحوار إلى الطليعة النقدية لدى النقاد المهتمين بالتفسير الفلسفى؛ ولقد أجاب بأن النقد الناطق بالإنجليزية قد تأثر بالفرنسية في جزء منه؛ وهو ينقسم إلى نقد تقليدى ؛ نقد طليعى, والطليعى قد تأثر بالنقد الفرنسى وقام به أكاديميون قامت كتاباتهم المهمة على أعمال أدباء غير مشهورين مثل باتر, شيللى ,إميرسى؛أو على الكتاب الرائجين جداً مثل "روسو,نيتشة,فرويد ", وهؤلاء يستخدمون في رؤاهم كلمات كالتفكيكية, التوضيحية ويستشهدون برولان بارت أكثر مما بستشهدون بإمبسون ,ولا يشبه نثرهم نثر إدموند وبلسون؛ وهؤلاء نقاد لعبة الصالونات ؛ حيث اهتموا بالنص الأدبى دون معالجة السياقات التى تحيط بالنص كالعصر والمؤلف وغير ذلك؛ لأنهم اهتموا بالنص فقط؛ وانطلقوا لنحت المصطلحات ؛ أى خالفوا كل التقاليد النقدية المعروفة آنذاك ؛ لذا وصفهم بالإستفزازيين ؛ إلا أنه يعود فيصفهم بأن نقدهم منعش, لأنهم ارتقوا بالنص النقدى إلى مستوى آخر بعيداً عن التملق؛ كما تغيّا ذلك هندسون؛ وغيره . كما وصفهم بأنهم معتدلون تجاه خصومهم؛ إلا أن لديهم عجرفة روادى النوادى الأدبية الذين لا يعتدون إلا بجاك دريدا؛هايديغر؛ كما أن ورش العمل التى يقيمونها غير ذات جدوى للنشاط العقلى؛ وربما رجع ذلك إلى الموضوعات الجديدة التى يناقشونها على غير توجه الجمهور الذى اعتاد حصر النقاد أنفسهم في التقنيات التقليدية مثل : التفسير,التعليق,الخلفية التاريخية, السيرة, وهى الأمور التقليدية المعروفة في النقد؛ لكن الطليعيين ثاروا عليها بالكُليَّة. كما يعرض بالنقد إلى بلوم ورؤيته عن الشعر بمعزل عن التاريخ والثقافة؛ وغير ذلك من آراء بلوم النقدية والفلسفية والنظرية .
إدوارد سعيد المراوغ الكبير
لعلنا كما رأينا في انتقادات إدوار للطليعيين وبلوم؛ أنه يعود في نفس الوقت إلى مديحهم؛ وتلك مراوغة كبرى – ربما محسوبة من جانبه – لكننا نلحظ أنها قد توقعه في مسألة التناقض؛ أو التشوش الفكرى؛ لكنه كان أذكى من ذلك بكثير؛ فهو ينتقدهم ليؤكد رؤيته من جهة؛ ويمتدحهم كى لا يثوروا عليه ويصفونه بالمتعالى ؛ وإن كنت أراه جديراً بذلك التعالى؛ فأسلوبيته في الحوار تمور وتغور؛ وتتداور ؛ ونراه يعود من جديد,ليتملص من انتقاداته من جهة؛ وليعلى أسلوبيته وطريقته في ربط الأدب بالثقافة والسياسة ؛ وتلك – لعمرى – منهاجية طرقها ؛ ونجح فيها؛ ونحن نوردها هنا للقراء ليكونوا على وعى بذلك المراوغ الكبير ؛ الذى ينتقد بأدب وجدية؛ وبطريقة مبتكرة ,كذلك .
راديكالية الفكر التقليدى وتفسيرات ماركس الإنسانية الثورية
لقد تعرض إدوار سعيد لجوهر آراء ماركس من خلال كتاب لوكاش عنه؛ ؛ حيث خَمّن لوكاش بأن ماركس حاول أن يستوعب العوائق التى تفصل بين الإنسان وعمله كى يتخطاها؛ وقد ابتنى آراءه على فكرتى الإستلاب , التشيؤ,الوعى الطبقى ,ومع أن هذه الآراء قد أثارت الماركسيين عليه – حتى اليوم – وما يطرحه إدوار من المسألة عند لوكاش هو أن المرء عندما يفصل بين جوهره وما يفعله فإنه يشىء؛أو يعطى شكلاً موضوعباً لأشياء ليست كذلك بالفعل؛ وإن كانت كذلك؛ فيُتَطَلَّب تخطيها . ثم ينطلق إدوارد من كل ذلك ليربط تلك الآراء بالنزعة العلمية للنقد, كما يعرض للأخطاء التى يمارسها النقاد لأفكار دريدا,حتى الطليعيين منهم الذين يستخدمون التقنيات التفكيكية كبديل للتحليل التطورى؛ فما يحدث في النص لا علاقة له بالنَّص؛ إذ النص يُصنع من قبل الكاتب, الفارىء, الناقد؛ وهو مشروع جماعى إلى حد ما كما يقول غولدمان؛ كما نراه يتاقد مسألة مركزية العقل الموجودة في الثقافة الغربية؛ إذ يجب فصل النص عن محيطه لا إنكار الأرضية الإنسانية التى أعلنت عن وجوده – منذ البداية – وفى هذا مجابهة لآراء الماركسيين؛ او أصحاب المدارس الوعظية التى تأنسن الأشياء, دون الرجوه إلى ماهياتها الأولى .
مفهوم العالم والدنيوية كمؤشرين للمدينية والعلمانية؛ والنقد التِّقَنِى
كما تعرض المحاورة لمفهوم العالم؛ والدنيوية؛ وهو المفهوم الذى يعنى أن تكون جزءاً من هذا العالم, من المادية أو المجتمعية الدنيا؛ مقابل الدنيوية كمؤشر للثقافة المدينية؛ للعلمانية, وللحكمة والإطِّلاع . كما يتعرض لعلاقة النقد الأدبى بالسياسة العالمية ؛ ولمفاهيم الإمبريالية التى اختفت لدى المثقف الأكاديمى,الذى عاد إلى الكتابة ضمن أطر سياسية؛ كما أصبح النقاد الطليعيون يصفون أنفسهم بالنقاد التقنيين؛ أى المثقفين الكبار, وهو الأمر الذى حدا بلوكاش؛ وبغرامشى أن يقوما بتحليل الوعى الطبقى لدى المثقفين, وهو الأمر الذى يثير شفقة إدوار سعيد؛ كذلك . كما يقرر بأن التحليل الماركسى للأدب لا يشكل وحده أساسأ لبرنامج سياسى في العالم الكبير.
مفهود إدوار سعيد عن تَشَكَّل الناقد؛ الكتابة
يؤكد إدوار – في البدايات – أن الناقد فى حاجة إلى قولبة نقطة انطلاق لنفسه تسمح له المضى في العمل في طريق محدد ؛ إنطلاقاً من هذه الفكرة ,ثم يتحول بعد ذلك لإثبات قدرته على تطبيق هذا الأسلوب لتشكبل المشاريع بنفسه . ومن هنا تأتى الإنطلاقة لديه . كما أن الناقد لا يستطيع أن يُقَوِّم كتاباته؛ أو مكانتها في العالم . فما الذى يتبقى من الناقد عند تجريده من التأثيرات الأخرى سوى الدنيوية؛ بإعتبارها مؤشراً للثقافة المدينية, العلمانية, والإطلاع, وعندئذ يتوجب عليه أن يقوم بعمل المراجعات مع نقاد آخرين؛ وعندئذ سيكون الأهم هو أن يتحدث ناقد عن أهمية ناقد آخر؛لكن أن يدخل ناقد إلى العالم فيحتاج إلى تجرده من موضوعة أن فكرة الكتابة يمكن اختصارها في مؤلف واحد, ومن طرف واحد, وبشكل نهائى دون فتح المجال للبس؛ وهو الأمر الذى يفتح مجالاً جدبداً للتعامل مع العالم؛ وهو اكتشاف فوكو العظيم؛ فالكتابة ليست حرة من طرف كاتب ما؛ يكتب ما يحلو له,إذ الكتابة تنتمى إلى نظام تصريحات لها علاقات انتمائية؛ وتقييدية,في كثير من الأحيان مع عالم الدول؛ وبحسب آراء فيكو كذلك .
الخطاب العالمى المابعد حداثى
يتعرض إدوارد – هنا - إلى علم اللغة الإستشراقى ؛ وآراء نيتشة؛ وعلاقات العلوم والفنون كعلاقة السلك الدبلوماسى بعلم التشريح ؛ وعلوم اللغة, وغير ذلك؛وكأنه ينادى – بشكل غير مباشر - بنظرية تكامل العلوم والفنون,لتشكيل الرؤية والخطاب للنظام العالمى الجديد .
كونية الثقافة والمركزية الإثنية
يربط إدوار بين الثقافة والكونية في مجال القيم ؛ في تظاهر المرء بذلك؛ بينما هو يمارس المركزية الإثنية إلى حد العيب, فهو يربط بين الأدب والثقافة الأطلسية الموسوعية للعلوم والمعارف والفنون والآداب وغيرها ؛ فالثقافة يجب ان تبتعد عن الإثنيات مطلقاً .
العنصرية وصورة الشرقى في الفكر الغربى
يعرض سعبد لمفاهيم العنصرية خلال حديثه عن الساميين كالعرب واليهود, ومفهوم المُجتلب, الغريب,العبيد, الطبقية, اللغة كرمز للسلطة لدى المضطهدين, الوافدين والسكان الأصليين,النضال والإستقلال وربطهما بالمجاز اللغوى؛ فيعرض لنا ممارسات لغوية وروايات وأشخاص مجلوبين وآخرين من السكان الأصليين في معرض حديثه عن التفاهم, وتكوين عقلية الآخر الغريب؛ وعن النزعات العنصرية ؛ والإستعلاء الغربى تجاه الشرق؛ والعكس كذلك؛وهو المقدمة الكبرى للإستشراق؛ تلك القضية التى أولاها الأهمية الكبرى, والتي ارتبطت بشهرته, ككاتب وفيلسوف, وناقد طليعى كذلك .
الإستشراق كمعرفة ومنطق لفهم الآخر والعالم
يأخذ مفهوم الإستشراق أولوية كبرى في كل كتابات المفكر الفلسطينى الغربى إدوارد سعيد ؛ ويعد كتابه" الإستشراق " أعظم الكتب التى أسست لمشروعه الفكرى؛ خاصة نظريته عن "ما بعد الإستعمار" ؛ والتي كانت مرتكزاتها تقوم على فهم ثنائية الشرق والغرب؛ومواجهة التغريب,وتفكيك الخطاب الاستعماري والدفاع عن الهوية الوطنية والقومية,وعلاقة الأنا بالآخر,والدعوة الى علم الاستغراب,والمقاومة المادية والثقافية,والنقد الذاتي,والشعور بغربة المنفى؛ والتعددية الثقافية؛وهو الكتاب الذى يكشف الشرخ والهوَّة الكونية بين الحضارتين الغربية والشرق أوسطية ؛ وهنا يولى إدوارد للموضوعات قيمة مضافة؛ ويكشف عن الصراع الحضارى والأيديولوجى بين الشرق والغرب .
فالإستشراق – كما يقول – ليس أسطورة, إنه نطام –أسطورة, ذا منطق وخطاب ومؤسسات,ذات علاقة بالأسطورة,إنه آلة لإنتاج تصريحات حول الشرق, ويمكن دراسته من الناحية التاريخية والمؤسساتية, كشكل من أشكال الإمبريالية الأنثروبولوجية,وهو ليس مجرد نوع أو خيال علمى من الكتابة,لأنه يتسم بالموضوعية العلمية, كما أنه مثال ممتاز لجلب المعرفة والكتابة من النص إلى العالم ؛بقوة سياسية حقيقية .
الأنثروبولوجيا الغربية وتلقى العلوم لدى العرب
يناقش إدوارد موضوع الأنثروبولوجيا,من خلال كلام ليفى ستروس عن كونها وليدة عصر العنف؛ حيث يُعامل جزء من البشرية الآخرين كونهم أشياء؛ بعيداً عن المفهوم الإنسانى للأفراد . وينتقد إدوار بشدة مسألة كون الأنثروبولوجيا قد ولدت في عالم الغرب؛ يقول : العالم الغربى وحده هو الذى ولّد الانثروبولوجيا, لكن ذلك ليس دليلاً على موهيته, بل نتيجة لكوننا نتعامل مع الثقافات الغربية وكأنها مجرد أشياء,ولذا من الممكن دراستها كأشياء. فهو يقلب الطاولة هنا؛ وهذا الأمر – كما نحسب - يفتح رؤى للتفكير النقدى؛ لنقد الفكر الغربى بمعطياته ؛ ونظرته لنا كشرقيين ؛وعدم التسليم بكل ما يُقدم لنا في الشرق المتعالى, أيضاً .
الهيمنة وعلاقتها بنظم التصوير والأنظمة الكلية
كما يعرض الكتاب في محاورته إلى موضوعات عن الغرب وظلاله ويناقش أفكار فوكو عن الجنون والحضارة ,والفرق بين المدينة الكولونيالية ذات الشوارع النظيفة المضاءة؛ والمدن الأوروبية التى انغرست بعنف في المحلية, وعن مفاهيم العنف والرعية والحضارة , كما ناقش آراء فوكو التحررية وآراءه حول العدالة, وآراء نعوم تشومسكى حول اللغة؛ وجاك دونز في " قانون الأشياء "/ وفونو وغيرهم .كما يناقش مسالةالهيمنة؛وعلاقتها بنظم التصوير وعدم الأنظمة الكلية لبناء خطاب آخر؛ ومفهوم الإرهاب الغربى, واسقاطاته على العرب .
(4)
الجزء الثانى
يتعرض الجزء الثانى من الكتاب إلى تصريحاته عن حق الفلسطينيين في تقرير المصير؛ وخيبة الأمل في تحقق عملية سلام قائمة على الحلول الوسط ؛ كما يتعرض إلى حواراته ؛ التى تتعارض في الصحافة الأمريكية والأوروبية بشدَّة وحواراته في أماكن مثل الهند وباكستان؛ لبنان, الضفة الغربية ؛ إسرائيل . ولقد لاحظ مفكرنا بأن أسئلة محاوريه في هذه الدول تدورحول مشكلات مجتمعاتهم وتعقيداتها؛وهو الأمر الذى أبدى عليه ملاحظات في تأملاته للثقافة المابعد كولونيالية .
الإسلام والعرب وقضايا عالمية
تطرقت الحوارات إلى أحاديثه عن الإسلام والغرب؛ ورؤية العربى في الفكر الإمبريالى, والنظرة المستريبة إلى الإسلام والعنف ؛ وإلى شبكات المعلومات عبر المطابقات الجيوسياسة,المفاومة والنشاط النقدى,وإلى الصحافيين ودورهم؛ حبث يعتبرون أنفسهم رؤساء وزارات لا أصحاب مهنة خاصة,كما يعرض لقضايا لبنان, وإلى قضايا الإستعمار والمقاومة,وحركة حماس كجهوية فلسطينية؛لا حركة ارهابية – كما يتصور الغرب – وإلى مسألة السلام مع اسرائيل , وما جاء في كتابه " المثلث المشؤوم " وأحاديثه عن مجاذر صبرا وشاتيلا, ومزارع شبعا, واجتياح بيروت, والقتل للفلسطينيين والتوطين,والمستعمرات,وأهوال عرب فلسطين من قبل الكيان الصهيونى الغاشم , وعن القذافى وعدم امكانية استمالته بالمال والنفوذ, وعن الإرهاب الذى صنعته خبالات ديستوفسكى, كونراد في كون الإرهاب من أجل الإرهاب, أو كونه عمل جمالى وغير ذلك .
تقسيم النظم السياسية القومية
تعرضت الحوارات المائزة في الكتاب إلى فكرة النظم القومية والوطنية والتكنوقراط وتقسيم النظم إلى شعبتين : الحنين إلى النظم الكولونيالية من جهة, " أى تعالوا وساعدونا ", ومن جهة أخرى الإحيائية الدينية – أى الخمينى والفذافى. أو بكلمات أخرى :" الناس الذين قالوا" ضعوا ثقتكم في الأمريكيين أو الروس , إلخ " مضطرون إلى الإعتراف بأن الإعتماد على القوى الخارجية فشل فشلاً ذريعاً . ثم يضيف "مازالت شعوبنا فقيرة كما كانت, مازلنا مدينين لصندوق النقد الدولى او الولابات المتحدة, الرد الوحيد إذاً هو الإسلام .ذلك هو جوهر القذافى والمد الدينى؛ وكذلك الشيعى لدى حكم الشاه في إبران . ثم ينهى محاورته ويقول : " تعرضت جميع الأنظمة العربية تقريباً لهجمات من قبل إسرائيل؛ تعرضت للغزو, وأُُحتلت أراضيها. إذاً الحل هو الإسلام؛ ويضيع في كل هذه المسألة البديل العلمانى .
( 5 )
يعرض لنا إدوارد سعيد من خلال حوارته العديد من الموضوعات عن العالم والنص والناقد ,النظرية الأدبية وتقاطعاتها مع الحياة العامة,وعن علاقة النقد بالثقافة والسياسة,وعن الإمبريالية والادب وحقوق الشعوب؛ ودور اللغة في صنع الخطاب والتفاهم مع الآخر؛وعن حوار الثقافات, وصراع الحضارات, وعن علاقات التعايش بين الفلسطينيين والصهاينة,وعن العلماء والصحافة الشرق أوسطية.
كما تعرض المحاورات المكتنزة للعديد من المسائل المتعلقة بالمنفى والإغتراب والسياسة الشرق أوسطية, والحاجة إلى تأكيد الذات والهوية ,وعلاقات الصدام وكيف تتم التعادلية أو الوسطية التاريخية, ومعرفة العرب بالإسلام التى شبهها " بإكليشيه غبى "؛ كما تعرض إلى علاقة العرب بأوروبا, وعن النظام العالمى الجديد,وعدم الإعتراف بدولة للفلسطينيين مقابل الدولة العبرية. كما يتعرض في حواراته إلى الإستشراق وعلاقته بالمثقفين العرب, وإلى الماركسية ودورها في العالم, وتأثيراتها في الدول العربية.
كما تتعرض المحاورات للتدخلات الأمريكية في الشرق الأوسط ؛وحرب الخليج؛ احتلال العراق,ومشكلات دول أخرى في العالم العربى؛ والهيمنة الإمبريالية الأمريكية على مقدرات كثير من الدول العربية والإفريقية؛ إلى جانب استعادة الحديث عن شخصيات عربية مثل نجيب محفوظ ؛ وأخرى أثرت قى علاقة العرب بالغرب كنموذج سلمان رشدى؛ وغير ذلك .
كما تنتهى المحاورات في هذا الكتاب المثير للجدل والتناقضات؛ والآراء الماتعة ؛والإستفزازية, والغرائبية, معاً ؛ بالحديث عن الأسطورة في التاريخ الفلسطينى؛وعن حق العودة للطيور العربية الفلسطينية المهاجرة في كل دول العالم إلى فلسطين؛من جديد؛ وهو من ضمن هؤلاء ؛ بالطبع .
• أهم الأفكار في الكتاب :
1- السلطة والثقافة والسياسة :وجوه مختلفة ؛لأدوار متباينة .
2- الإستشراق منهج تفرضه دراسات الآخر الشرق أوسطى .
3- نظرة الغرب إلى العرب من منظور كولونيالى .
4- الهيمنة ولعبة القوة أساس الإمبريالية الغربية .
5- صورة العربى في الفكر الإمبريالى الصهيو – أمريكى .
6- علاقة المثقف بالسلطة من وجهات ثقافية واجتماعية وفلسفية .
7- صورة الآخر وفلسفة المحو وصراع الحضارات .
8- الحوار المتعالى للغرب المتأمرك مقابل لعبة الأمم .
9- دور الثقافة في توجيه الفكر العالمى .
10- الإغتراب كمجترح للهويات المفقودة .
11- الإثنيات والعرقيات ثوابت تشكل المركزيات الفكرية الأوربية .
12- علاقة الشرق والغرب من منظور مابعدحداثى .
13- الكولونيالية والهيمنة؛ والصراع العربى الإسرائيلى .
14- دور العقل العالمى في توجيه الخطاب .
15- تنمية الوعى والأصولية الغربية .
16- عملية السلام الإسرائيلية العربية بين شد وتجاذبات .
17- الأنثروبولوجيا وصراع القوة والإرهاب الأممى .
18- العرب والتبعية وفكرة المقاومة .
19- صورة الفلسطينى وحقه في تقرير المصير؛ والعودة .
20- الأنا والآخر وعالم مابعد الحداثة الجديد .
• تعريف بالمؤلف :
يعد إدوارد سعيد واحداً من أهم الكُتَّاب والنُقَّاد والمفكرين في العالم ؛ ولقد عمل أستاذاً للغة الإنجليزية والأدب المقارن بجامعة كولمبيا؛ وهو أمريكي من أصل فلسطيني؛ ولد في الأول من نوفمبر عام 1935م؛ وتوفى في الخامس والعشرين من سبتمبر 2003 م؛ ولقد أجاد العديد من اللغات ؛كما قام بتأليف أكثر من عشرين كتاباً منها : البدابات " النية والأسلوب" , الإستشراق,", الثقافة والإمبريالية؛ السلام المكروه/, في تغطية الإسلام, الأدب والمجتمع,مسألة فلسطين, سياسة الطرد,خارج المكان, نهاية عملية السلام؛ وغيرها .
ولقد أثارت كتاباته العديد من النقاشات والجدل في كافة أرجاء العالم؛ كما تأثر به كثبر من الكتاب في أوروبا والهند؛ وفى أمريكا وكثير من دول العالم, والعرب؛ كما يعد واحداً من كبار المُنَظِّرِيِن لفكر مابعد الحداثة؛ والأدب الكولونيالى؛ كما أن اسهاماته في التاريخ والفلسفة والعلوم الإجتماعية قد أصبحت مثار تَطَلّع أغلب علماء ونقاد ومفكرى وفلاسفة العالم؛ وغدت نظريته عن الإستشراق؛وما بعد الحداثة ؛ هى الأساس النظرى للمركزيات والهويات الأوروبية؛ وامتدت تأثيراته الفكرية والأدبية والفنية ؛لتشكل منهاجية الفكر العالمى المابعد-حداثى الجديد؛ في العالم كله.
ويعد كتابه الإستشراق واحداً من أهم الكتب في التاريخ والفكر والفلسفة ؛والأدب المعاصر؛ حيث نال به جائزة دائرة الكتاب الوطنية للكتاب؛ كما نال العديد من الجوائز العربية والأوروبية والعالمية؛ وترجمت كتبه إلى العديد من اللغات في كافة أرجاء العالم؛ كما كان كان أحد مرشحى جائزة نوبل في الأدب.
|