القاهرة 20 سبتمبر 2022 الساعة 10:25 ص
بقلم: د. حسين علي غالب
ساهمت المرأة الجزائرية عبر مسيرتها التاريخية في البناء الحضاري للدولة الجزائرية، وعرفت بمواقف نضالية، وبأعمال بطولية، دوّنت اسمها في سجل الخالدين بحروف من ذهب، نضال المرأة الجزائرية كان وسيبقى شعلة مضيئة في ذاكرة الجزائريين والشعوب العربية والعالم.
يناقش كتاب "المرأة الجزائرية في الثورة التحريرية - حقائق وشهادات" للكاتبة الجزائرية عائشة بنور، والصادر عن دار ومضة للنشر، مساهمات المرأة الجزائرية ونضالها عبر التاريخ في الحياة السياسية، ويقدم نماذج حيّة عن نساء جزائريات كان لهن دور كبير في ذلك مثل الملكة تينهينان الفيلالية، ملكة قبائل الطوارق، المعروفة بالحكمة والدهاء.
كذلك الملكة تهيا أو ضَميا أو داهية الملقبة بالكاهنة، فارسة البربر، وهي ملكة من قبيلة جراوة في جبال الأوراس في الجنوب الشرقي للجزائر، وكنزة الأوروبية ابنة زعيم قبيلة أوربة الأمازيغية التي تزوجت من إدريس الأول العلوي، وقد لعبت دورا مهما في إرساء قواعد الدولة الإدريسية خاصة بعد وفاة زوجها إدريس الأول.
والأميرة زينب تانفزاويت من قبيلة هوارة الأمازيغية، كانت أرملة أمير أغمات وتزوج بها الأمير أبو بكر اللمتوني، وقد لعبت دورا بارزا وحاسما على مسرح الأحداث السياسية للدولة المرابطية.
والأميرة أم هاني شيخة العرب ابنة باي قسنطينة رجب 1666م –1672م، وزوجة شيخ العرب أحمد بن السخري بوعكاز صاحب ثورة 1637م والتي حكمت في نفس الفترة من القرن 18م معظم الصحراء الشرقية للجزائر أزيد من نصف القرن من حوالي سنةـ 1724م.
والدايخة بنت محمد بن قانة زوجة الباي عبد الله (1804ـ 1807م) (بايلك قسنطينة)، وسحابة الرحمانية أم عبد المالك السعدي، وعلجية بنت بوعزيز ابنة شيخ قبيلة النمامشة وزعيم الحدود الشرقية لبايلك قسنطينة.
وفي مجال العلم والمعرفة يتضمن الكتاب حقائق عن نساء جزائريات كان لهن الدور الكبير في نشر العلم والمعرفة في حقل التربية والتعليم والإصلاح، مثل – لالا زينب القاسمي التي توّلت شؤون الزاوية (زاوية الهامل)، والسيدة المتعلمة ذهبية بنت محمد بن يحيى أحد شيوخ زاوية “اليلولي”، وكذلك زوجة الشيخ عاشور الخنقي باية (بيه) بنت أحمد حسان، عائشة بنت عمارة بن يحيي بن عمارة الشريف الحسني، وعادلة بيهم الجزائري زوجة مختار بن محمد بن الأمير عبد القادر الجزائري التي أسست مدرسة دوحة الأدب الخاصة بالإناث وكانت بينها وبين الشيخ عبد الحميد بن باديس مراسلات لتعليم فتيات جزائريات، كما يتحدث الكتاب عن نشاط تلميذات ومعلمات جمعية العلماء المسلمين أمثال زهور ونيسي، زبيدة قدور زوجة المناضل سليمان عميرات، أمينة سعدون شريف، وخديجة لصفر خيار، خديجة ختير وآمنة زعنان وفتيحة زموشي.
الكتاب يرصد حياة أكبر عدد ممكن من المناضلات والمجاهدات اللوّاتي كان لهن بصمات مهمة في مسيرة المقاومة الجزائرية أمثال: (فاطمة نسومر) وخلال ثورة التحرير (حسيبة بن بوعلي، مليكة قايد، مريم بوعتورة، فضيلة سعدان، وسيدة شرشال يمينة أوداي (لازليخة)، وصليحة ولد قابلية، سامية لخضاري،جميلة بوحيرد، جميلة بوباشا، جميلة بوعزة، زهرة ظريف، لويزة اغيل احريز، خيرة قرن، زهور زيراري، سليمة الحفاف زوجة بن يوسف بن خدة، باية الكحلة، مامية شنتوف، نفيسة حمود، جانين بلخوجة، زليخة بقدور، مريم بلميهوب زوجة زرداني، ليلى موساوي، نسيمة حبلال السكرتيرة الشخصية للبطل عبان رمضان، بالإضافة إلى دور المرأة في حياة الأمير عبد القادر.
كما يصور الكتاب همجية الاستعمار الفرنسي في استعمال وسائل العنف الوحشية ضد المرأة الجزائرية، وفي لحظات تاريخية نادرة تعاظم فيها التعذيب السادي من طرف الجلادين وتسامى فيها حب الجزائـر، رسمت فيها المرأة الجزائرية رمز الإنسانية التوهج والتمجيد والتحـدي، فمنحتها الثورة الجزائرية التحرر والمصير المشترك.
كذلك يضم كتاب المرأة الجزائرية في الثورة التحريرية (حقائق وشهادات) للأدبية عائشة بنور التعريف بصديقات الجزائـر وذكر مواقفهن الباهـرة أمثال المناضلات آني ستينـــر، جاكلين نيتر قروج، المجاهدة “ايليات لو” أو فاطمة الزهراء المرأة التي أسلمت من أجل الجزائر، ايفلين لافاليت، جاكلين اورانغو، ريموند بيتشارد.
كما يتطرق الكتاب إلى المرأة الجزائرية في كتابات الرحالة الذين كتبوا عنها وعن لباسها وعاداتها، وألفوا كتبا في هذا الشأن أمثال يوجين دوماس والرحالة الإنجليزي الدكتور”شــو” Shaw. Dr الذي زار الجزائر في الفترة ما بين 1720و 1732م، والفرنسيين نفسهم “بيسونال” Peyssonel الذي أقام بالشرق الجزائري بين 1724 و1725م،”دوبارادي” Paradis .V الذي زار الجزائر سنة 1789م، وغيرهم ممن أبهروا بقوة وشجاعة المرأة الجزائرية خاصة الريفية، كذلك تركت زيارات كل من كبار الكتاب والأدباء” فرومنتان، وت.غوتتيه، وقونكور، فلوبير، ودودييه، وبول بوردو وموباسان، جان لوران، ألفونس دودي Daudet Alphonse، كي دو موباسان”، والرحالة “بول أودال Audel Paul، وميخائييل سيرفانتاس الإسباني في رواية دون كيشوت وانطباعاته عن المرأة الجزائرية، متخذا من زريد نموذجا في الذوق والارتقاء بالحضارة في مختلف مناحي الحياة، شكل ذلك أثرا كبيرا في نفوسهم وفي كتاباتهم وتجسّد ذلك من خلال ما سطروه في مؤلفاتهم من انطباعات عن حياة أهلها وملابسهم وعاداتهم وتقاليدهم. صفحات امتلأت بها مؤلفاتهم وذاكرتهم، فشكلّ تراثا أدبيا كبيرا ومميزا كان للمرأة الجزائرية الجانب الأكبر فيه.
وفي النهاية يتحدث الكتاب عن نضال المرأة الجزائرية في الأدب العربي، وما جادت به قــرائح الشعراء أثناء القبض على جميلات الجزائر ومحاكمتهن وقرار إعدامهن من طرف المحاكم العسكرية الفرنسية.
فالمجاهدة جميلة بوحيرد مثلا كتب عنها ما يقرب من 450 قصيدة (كتبها 171 شاعرا عربيا)، كتبها أشهر الشعراء في الوطن العربي مثل نزار قباني، صلاح عبد الصبور، عبد المعطي حجازي، بدر شاكر السياب والجواهري وعشرات آخرين، حتى تحوّلت إلى أسطورة تاريخية.
بالإضافة إلى أقـــوال وشهادات لمجاهدات على قيد الحياة وكذا أشعار كتبت في السجون مثل أشعار باية حسين، كذلك يتضمن المخطوط قوائم بأسماء فدائيات وبعض مناضلات المناطق، ورسائل شهداء كتبت في السجون أمثال رسالة الشهـيـد زبـانـة إلى أمه.
وختاما فإن الكتاب يلخص بالشهادات الحية والوثائق نضال المرأة الجزائرية الرافضة للاستعمار الفرنسي، وهذا النضال الذي كان حافزا ورؤى متجددة في مسار الثورة الجزائرية ونموذجا للمجتمعات المتطلعة نحو المستقبـل.
|