القاهرة 13 سبتمبر 2022 الساعة 10:37 ص
كتبت: نضال ممدوح
في كتابه "الموت في تشريفة الحليف الوطني"، والصادر مؤخرا عن دار مصر المحروسة للنشر، يذهب مؤلفه الكاتب الصحفي الراحل صلاح عيسى، إلى أن شهدي عطية الشافعي، كان قد وقع في شغف روايات الخيال العلمي للكاتب المفكر الإنجليزي “ه. ج. ويلز”، وهو ما ترجمه في مثقاله المنشور بمجلة الرسالة في 5 أكتوبر 1933، تحت عنوان "مستقبل الإنسان"، وهو كما وصفه الكاتب تحليل وتعليق، يستعرض فيه شهدي عطية الشاب ظاهرة الروائي والمفكر الإنجليزي “ه. ج. ويلز”، الذي درس الجبر والهندسة والميكانيكا، ومع ذلك عرفه العالم باعتباره روائيا يحلق علي أجنحة الخيال، ليكتب روايات عن سبل الوصول إلي القمر والمريخ، وجمع بين إيمان لا يعتوره شك بنظرية "داروين" في النشوء والارتقاء، وبين روايات الخيال العلمي، التي يتصادم الخيال فيها أحيانا مع حقائق العلم الذي درسه، والعقل الذي يقدسه.
• لهذه الأسباب اعترض شهدي عطية على "أهل الكهف"
ويلفت صلاح عيسى إلي أن: من بين الكتابات الفكرية لـ شهدي عطية الشاب، كتاباته الأدبية، وبعد ستة أشهر من نشر مقالته عن تولستوي، نشرت له الرسالة آخر ما نشر له على صفحاتها، وهو مقاله "بين توفيق والحكيم وأهل الكهف"، والذي نشر في أغسطس 1934، وقد قدم له شهدي عطية بعبارات تقول: قرأت أهل الكهف لتوفيق الحكيم، وأحببتها حبا يفوق حب الناس لها، ولكن ناحية منها لم ترضني، وليس ذلك بجريرة المؤلف، ولكنه شعور نفسي تملكني".
ومع أنه مقال في النقد الأدبي، إلا أن شهدي عطية، اختار أن يصوغه في قالب أدبي، شكل حوارية، تدور أحداثها في إحدى جنات الخلد، حيث يجلس ثلاثة رجال متكئين علي الآرائك وأمامهم أباريق وأكواب من ذهب وفضة، والأطيار من حولهم تشدو، ومن الحوار بينهم نكتشف أنهم هم أنفسهم، أهل الكهف، أو الرجال الثلاثة الذين اعتنقوا المسيحية، في عهد الإمبراطور اليوناني الوثني "دقلديانوس"، وهربوا من حرب الإبادة التي شنتها ضد المسيحيين، إلي كهف لبثوا فيه 300 عام، ليستيقظوا فإذا الدنيا قد تغيرت، وإذا المسيحية قد انتشرت، وإذا بحاكم المدينة مسيحي مثلهم.
ويضيف "عيسي": أما الآن فقد رحلوا عن العالم، وصعدوا إلى الجنة، يقارنون بين ما يتمتعون به في جنات الخلد وبين ما كان عليه حالهم في ذلك الكهف، وبينما هم في حوارهم يدخل عليهم رجل يرتدي لباس إفرنجيا، ويضع فوق رأسه طربوش، ينبئهم بأنه "توفيق الحكيم" الذي كتب سيرتهم في قصة حوت ”فن باريس، وفلسفة أثينا، وحكمة الروم.. واستكشفت خبايا نفوسهم".
ويدور بينهم وبينه حوار يجابه خلاله “الحكيم” أولهم ـ وهو “مرنوش” ــ بالحقيقة، التي تقول أنه كان ساعد “دقليانوس” في مذابحه ضد المسيحيين، إلى أن التقي بامرأة مسيحية أحبته، فاعتنق المسيحية من أجل أن يتزوجها سرا، وينجب ولدا، ثم فر إلي الكهف لينجو من “دقليانوس” وشروره.
ويواجه الثاني ـ “مشلينيا” ـ بأنه أحب “براسكا” وأحبته، بل عبدته، واعتنقت المسيحية من أجله، ثم اكتشف أمره، فهرب إلى الكهف ليختفي فيه.
ويعترض الاثنان على تشكيكه في إيمانهما وفي دوافع هربهما إلي الكهف، ويضيقان به أشد الضيق، خاصة حين يتوجه إلى ثالثهما ـ وهو الراعي “يمليخا” ـ الذي قادهما إلي الكهف ليختفيا فيه، فيعتبره قلبه خليلا، لا يضره أن يمنح الله إياه.
ويثور أبطال أهل الكهف على مؤلف المسرحية، لأنه بما كتبه عنهم قد مسخهم، وأنكر عليهم مسيحيتهم، ويصرخ “يمليخيا” في وجهه علي الرغم من أنه الوحيد الذي اعتبره “الحكيم” مؤمنا ويقول له: “نحن لسنا من ذكرت.. ولعل في جوارنا أهل كهف آخرين، فابحث عنهم..”.
ويشدد “عيسي” على أنه: وجوهر النقد الذي وجهه “شهدي عطية” لمسرحية “توفيق الحكيم”: “أهل الكهف” وهو أنه اصطنع لأبطالها دوافع أخرى غير الدوافع التي وردت في أصلها التاريخي.
وهكذا جمع “شهدي عطية”، بين إعجابه البالغ بمسرحية “أهل الكهف” كعمل فني غير مسبوق في الأدب العربي، وبين ما أسماه “شعور نفسي” تملكه، ودفعه للاعتراض علي المحور الدرامي الأساسي الذي فسر به مؤلفها “توفيق الحكيم” دوافع أبطاله لاعتناق المسيحية، وهي كلها دوافع دنيوية، لا صلة لها بوهم القداسة التي أضافها الناس عليهم، فقد شارك “مرنوش” و “ميلشينا” -صاحبا ميمنة الملك الوثني ومسيرته- ومن موقعهما ذاك في تدبير المذابح التي تعرض حب ربطته بفتاة مسيحية تزوجها سرا، وأنجب منها ابنا، أخفاهما عن أعين الجميع، وكان ما جذب الثاني إليه قصة حب جمعته بابنة الملك “براكسا”، حيث أيقن أن التعاليم المسيحية ستربط بينهما برباط أبدي لا ينفصم، فاعتنقها وأغري حبيبته باعتناقها، فآمنت به للسبب نفسه.
|