القاهرة 13 سبتمبر 2022 الساعة 10:34 ص
كتبت: سماح ممدوح حسن
يبدأ تاريخ ظهور الجمل في منطقة الجزيرة العربية مباشرة بعد انقضاء العصر الجليدي، حيث كانت تغطي الأرض طبقات الجليد التي ذابت لتغمر الأرض بعدها بالماء، ثم بدأت تنحسر هذه المياه خاصة عن تلك المناطق المرتفعة.
فى هذا الوقت استطاع عدد من الكائنات البقاء، رغم هلاك أكثرها، إلا أن بعضها استطاع النجاة ببعض جنسه من هذه الكائنات التي آوت إلى المرتفعات والوهاد.
وكان من بين هذه الكائنات بعض الضواري والسباع كالأسود، أيضا "الجمل" و"الحصان" واللذان كانا يعيشان في تلك المنطقة من جزيرة العرب مع بعض صنوف الحيوانات الأخرى. حيث وجدت حفائر للجمل والحصان رغم أن حجمهما فى تلك الحفائر كان أقل مما هي الآن. إلا أن لهذين أكبر الأثر على حياة العرب ماديا واجتماعيا.
منذ خمسة وعشرين ألف سنة كان الجمل، بعد أن استطاع النجاة من كل مراحل تطور الأرض بعد الجليد، والبراكين، والزلازل والعواصف، عاش كحيوان بري وشرس بعض الشيء، لكن العرب -العرب العاربة- استطاعوا ترويضه واستخدامه.
ولما كانت بعض هذه العرب العاربة من البدو يعيشون في القفار على أطراف العراق والشام الجنوبية فتشابهت حياتهم مع حياة الجمل.
يقول الدكتور حسين مؤنس فى كتابة "تاريخ قريش":
"كان استئناس الجمل أحدث انقلابا شاملا في حياة الجماعات التي استأنسته على أطراف العراق والشام الجنوبية. فهو بحكم خوفه لقلة سلاحه الطبيعي يبعد عن الجماعات ويعيش في القفار ولا يطمئن إلا للأماكن الموحشة، لذا يستطيع أن يأكل الحشائش والنباتات بما فيها الشوك والصبار. يستطيع أن يتحمل قلة الماء فترات طويلة ويحول الماء الذي يستطيع أن يشرب منه 140 لترا دفعة واحدة، إلى مادة هلامية يستنفذها جسده على مراحل طويلة تغنية عن الشرب حتى سبعة عشر يوما".
أيضا ذكر المصدر السابق، أن الجمل كما يستطيع تخزين المياه يخزن الطعام أيضا والذي يحوله إلى دهن في سنامه. بالتأكيد غير ذالك من فضائل الجمل كثيرة، منها الخف المناسب للسير في رمال الصحراء، ووفرة اللبن الذى تعطية الناقة، واللحم، والوبر. والذي يستطيع الإنسان أن يعتاش من خيراته هذه فقط دون بذل أدنى مجهود.
• الإبل وسيلة مواصلات العرب
فلما كانت حياة بعض العرب قائمة على نمط البداوة من الرعي والسير وراء مواضع الماء والكلأ، لا تربطهم بالأرض زرع ولا حضر. استطاعوا بواسطة الجمل التنقل أسرع وأبعد من مواضعهم وكان هذا هو التطور الأكثر حسما في حياة العرب البدو وتاريخهم.
يقول د. مؤنس:
" إذا أدى استئناس الأبل وكشف فضائله إلى دخول جماعات من ناس جديدة إلى الجزيرة، وقد بدأ الدخول بطيئا تم اتسع مداه ومن ثم تدفق. لأن الداخلين اكتشفوا فضائل هذه الصحراء الجديدة الواسعة الممتدة التي تستطيع فيها الإبل التكاثر دون الخوف من السباع والضوارى. وجزائر الصحراء فيها ماء يصلها من العيون الجارية أو الوديان الغنية بالماء. وهكذا حدثت التغيرات الإجتماعية البشرية.
• الجمل للعرب العاربة والحصان للعرب المستعربة
يتفق الدكتور حسين مؤنس فى كتابه على أن "قضاعة" هم العرب العاربة الذين دخلوا الجزيرة وارتبط دخولهم إلى الجزيرة باستئناسهم للجمل واستخدامه.
ويذكر ابن حزم في "جمهرة أنساب العرب" أن "قضاعة" كانت في بلاد الشام منذ وقت طويل لم نستطع تحديده، ومن قضاعة كانت هناك قبيلتان هما من بدءا استئناس الجمل والزحف به إلى الجزيرة وهي قبيلة "كلب بن وبره" والثانية هي "تنوخ" وموطنها غرب العراق وجنوب غربه. ويقال أن اسم القبيلة الأخيرة "تنوخ" مستمد من إناخة الجمل.
لذا ماكان باستطاعة العرب العاربة الدخول إلى الجزيرة إلا من استئناس الجمل. أما بالنسبة للحصان الذى كان له أثر في تنشاة القوة الغازية والفروسية، وذالك عندما استئانس العرب المستعربة "بنو إسماعيل" الخيل، وأستطاعوا أن يغزوا به ما وسعهم من قبائل. حتى أصبحت القبائل الرعوية قوة مرهوبة فى بلاد الشام.
ويقول د. مؤنس:
"بالنسبة لبلاد العرب فإن استخدام الخيل أضاف إلى "بني إسماعيل" قوة فرسان كبيرة، وعندما تكاثرت أعدادهم حاولو التغلب على ماجاورهم من بلاد فطاردوهم على أوقات متفرقة".
• إسماعيل أول من امتطى الخيل واستأنسها!
يقول اليعقوبي "تاريخ اليعقوبي": "إن إسماعيل ابن إبراهيم هو أول من نطق العربية، وعًمر البيت الحرام بعد أبيه إبراهيم، وأول من ركب الخيل العتاق وكانت من قبل وحوشا لا تُركب".
فتدل هذه الرواية على أن أول من أدخل الخيل إلى جزيرة العرب هم بنو إسماعيل أو العرب المستعربة، وهؤلاء دخلوا إلى جزيرة العرب معتمدين على ذالك السلاح الجديد الذى يُعد انقلابا وهو "الحصان".
فكما كان لتأثير وسائل المواصلات فى العصر الحديث أثر السحر على سكان الأرض حيث استطاع العالم الاتصال بعضه ببعض والتعارف فيما بينه، وإنفتاح ووفرة الموارد الاقتصادية للتواصل بين الشعوب، أيضا كانت لوسائل المواصلات الطبيعية "الخيل والجمال" في القديم نفس التأثير الساحر في التعارف والتواصل بين الشعوب والمنافع الاقتصادية والمعارفية، وأيضا كانت سببا رئيسا في الحروب والغزوات.
|